أصبحت المقولة الروسية القديمة التى قدمها الرئيس الأمريكى اﻷسبق رونالد ريجان فى الثقافة الشعبية الغربية، «ثق ولكن تحقق»، نهجاً متبعاً فى العلاقات العملية، ولكن غير المستقرة بين موسكو والغرب خلال الحرب الباردة. ولم يتوقف اﻷمر عند هذا الحد.
ففى العلاقات الحالية، بعد خمسة أعوام من العقوبات التى فرضها الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة والتوترات الجيوسياسية وادعاءات المخالفات الروسية، بداية من التدخل فى الانتخابات وحتى محاولات الاغتيال، تعتمد بعض الدول الغربية على الشعار ذاته رغم الوضع المزاجى السلبى.
وأظهرت البيانات، أن الدول التى تتعامل تجارياً مع موسكو بشكل كبير هما الدولتان اللتان قادتا معظم الإدانة الغربية، وهما ألمانيا وفرنسا.
وأوضحت بيانات غرفة التجارة الخارجية الروسية اﻷلمانية، أن الشركات الألمانية استثمرت أكثر من 3.3 مليار يورو فى روسيا العام الماضى، وهو أعلى مستوى منذ عقد من الزمن، متجاوزة بذلك اﻷرقام المسجلة قبل ضم شبه جزيرة القرم إلى السيادة الروسية فى عام 2014.
وارتفع إجمالى حجم التجارة بين روسيا وألمانيا بنسبة %8 سنوياً ليصل إلى 61.9 مليار يورو، مع تسجيل كلا الجانبين نمواً اقتصادياً.
وهناك قصة مماثلة مع فرنسا، إذ ارتفعت التجارة الثنائية بين البلدين بنسبة %11 إلى 17 مليار دولار فى العام الماضى، وتستحوذ الشركات الفرنسية على ما يصل إلى 20 مليار دولار من الاستثمارات فى روسيا فى الوقت الراهن.
وفى ربيع العام الحالى، أى قبل شهر واحد فقط من افتتاح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مصنع «مرسيدس بنز» الجديد فى ضواحى موسكو، أنهت شركة الطاقة الفرنسية (توتال) صفقة لشراء حصة نسبتها %10 فى مشروع الغاز الطبيعى المسال فى القطب الشمالى الروسى بقيمة 21 مليار دولار.
كما أنها تمتلك بالفعل %20 من مشروع غاز مجاور قيمته 28 مليار دولار.
وتدفع كل من المجموعات الفرنسية واﻷلمانية، (إنجى) و(يونيبر) و(وينترشل)، 950 مليون يورو لمساعدة شركة «غازبروم»، التى يسيطر عليها الكرملين، فى بناء خط أنابيب الغاز الطبيعى «نورد ستريم 2» بين روسيا وألمانيا، الذى يشكل تحدياً للعقوبات اﻷمريكية. ويجب العلم أن هذه الاستثمارات لا تتعارض، حالياً، مع نص القانون، أو فى الواقع لوائح العقوبات، التى لعبت برلين وباريس فى كثير من اﻷحيان دوراً فعالاً فى التمسك بها ودعمها لاحقاً.
ولكن تعزيز العلاقات التجارية، يوضح أن كلا البلدين تبنى نهجاً ذا مسارين تجاه موسكو، وهو الحفاظ على مستوى التشدد فى المجال السياسى فى محاولة لإبقاء روسيا تحت السيطرة مع تشجيع العلاقات الودية بين الشركات فى البلدين.
ومع ذلك، يتذمر البعض فى المجتمع الدبلوماسى، خصوصاً الدول التى تراجع حجم تجارتها مع روسيا فى ظل العقوبات، من تعاون فرنسا وألمانيا سراً مع روسيا، وترى أنها معايير مزدوجة من اثنتين من أقوى دول أوروبا.
ويشير كثيرون إلى التناقض بين الشركات الفرنسية، مثل «توتال» و«أوشان» و«إير ليكيد»، التى تضخ الأموال إلى البلاد وقضية فيليب ديلبال، المسئول الفرنسى المحتجز فى أحد سجون موسكو منذ أكثر من خمسة أشهر بتهم وجهها له رجل أعمال روسى مرتبط بالمجال السياسى.
وتساعد الأعمال التجارية بالتأكيد فى إبقاء الأبواب الدبلوماسية مفتوحة، أيضاً، فى مدينة يعنى الوصول فيها إلى من هم فى القمة، كل شىء تقريباً.
وفى الوقت نفسه، لا يمكن إنكار أن اهتمام الشركات اﻷلمانية والفرنسية المتزايد بروسيا، أمر مفيد بالنسبة لكل من الاقتصاد المتعثر فى البلاد ولبوتين أيضاً، الذى يسلط الضوء باستمرار على حجم الخسارة التى واجهتها الشركات الأوروبية فى ظل العقوبات التى وافقت عليها عواصمها.
وفيما يخص المملكة المتحدة، قال «بوتين»، فى حوار أجراه مع «فاينانشيال تايمز» الشهر الماضى: «نحن نعلم أن الشركات البريطانية تريد العمل معنا، وهى تعمل معنا بالفعل وتعتزم مواصلة ذلك، ونحن فى روسيا ندعم هذه المساعى».
ووصف محاولة اغتيال العميل الروسى السابق سيرجى سكريبال فى المملكة المتحدة، العام الماضى، بأنها مجرد ضجة، موضحاً أن فضائح التجسس جعلت العلاقات بين روسيا والمملكة المتحدة تصل إلى طريق مسدود؛ حتى لا يتمكن البلدان من تطوير علاقاتهما بشكل طبيعى ودعم رجال الأعمال.
وفى الوقت نفسه، فشلت المبادرات المؤيدة للأعمال فى إقناع رئيس الوزراء السابقة تيريزا ماى، أثناء اجتماعات مجموعة العشرين فى يونيو الماضي، بإمكانية تخفيف العقوبات لصالح الشركات البريطانية، التى ربما تكون مستعدة لتحمل المخاطر الناتجة عن الاستثمار فى روسيا.
بقلم: هنرى فوى
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا