ملفات

«فوضى البريكست».. هل تدفع لتصنيف بريطانيا كسوق ناشئ؟

الخروج الصعب يختبر اعتماد لندن على لطف الغرباء

مع هبوط قيمة الجنيه الإسترلينى إلى مستوى أعمق جديد، فى ظل حالة عدم الاستقرار السياسى غير المسبوقة، أصبح من المألوف تشبيه المملكة المتحدة بالسوق الناشئ.
ومع ذلك، ستظل بريطانيا ذات جذور راسخة فى العالم المتقدم، حتى إذا كان خروجها من الاتحاد الأوروبى دون صفقة يدفع الجنيه الإسترلينى للتكافؤ مع الدولار اﻷمريكى.
وقال الصحفى تومى ستيبينجتون، فى مقال بصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إنه يبدو أن لا أحد يراهن على الانهيار المتزامن للعملة وسوق السندات المحلية، كما يحدث فى أحيان كثيرة فى أزمات الأسواق الناشئة.
ويتردد المستثمرون أيضا فى تصديق أن بنك إنجلترا سيضطر لرفع أسعار الفائدة لدعم الجنيه الإسترلينى، مما سيؤدى إلى انقلاب سوق السندات رأسا على عقب، رغم أن البنك اقترح فى تحليلاته للخروج من الاتحاد اﻷوروبى فى نهاية العام الماضى إمكانية القيام بذلك، وتعتقد الأسواق بوجود أكثر من فرصة سانحة بخفض سعر الفائدة بحلول نهاية العام، كما يعتقد معظم المتداولين أن الخفض سيكون أمرا مؤكدا بعد الخروج دون صفقة.
وأوضح ستيبينجتون، أن هذا هو السبب فى أن كل ضعف فى الجنيه الاسترلينى نتيجه الخروج يصاحبه تأثير على سندات الحكومة البريطانية، إذ انخفض الجنيه الإسترلينى إلى ما يزيد قليلا عن 1.20 دولار هذا الأسبوع، وهو أدنى مستوياته أمام الدولار منذ نحو ثلاثة أعوام، قبل أن يرتد قليلا، فى حين تراجعت عائدات السندات الحكومية إلى مستويات قياسية.
ومن المؤكد أن الخروج دون صفقة سيضر بالنمو، مما يجبر بنك إنجلترا على الاستجابة عن طريق خفض أسعار الفائده أو حتى بتقديم برنامج جديد لشراء السندات.


وساهمت المخاطر السياسية فقط فى زيادة الرغبة فى سندات الحكومة البريطانية.
فالمستثمرون داخل وخارج البلاد فى أمس الحاجة ﻷى سندات ذات عائد إيجابى، لأن السندات تحتفظ بوضعها كملاذ آمن.
وأفاد ستيبينجتون، أن كل الآراء التى اتفقت على ضرورة إطلاق اسم «بيزو الشمال اﻷطلسى» على الجنيه الإسترلينى مجرد مزحة فى الوقت الراهن، فأى محاولة لرسم أوجه التشابه مع عملة اﻷرجنتين يبدو أمرا مبالغ فيه.
وينظر إلى الخروج الفوضوى لبريطانيا من الاتحاد الأوروبى حاليا، على أنه إيجابى بالنسبة للسندات الحكومية البريطانية فى الوقت الراهن.. ولكن ماذا بعد ثلاثة أشهر؟
ويجب ان نعرف أن وجهة النظر هذه لم تكن بالإجماع. بل إن بعض المستثمرين يشككون فى سير الأمور بالطريقة التقليدية.
ويقول جين فريدا، الخبير الاستراتيجى فى شركة «بيمكو»، إن هناك نقاشا حيويا يدور حاليا داخل الشركة التى تعد واحدة من أكبر مستثمرى السندات فى العالم.
وأوضح فريدا، وهو أحد المتشائمين، أن الأشخاص الذين تعاملوا مع الأسواق الناشئة يرون مجموعة أوسع من احتمالات مقارنة بالأشخاص الذين تعاملوا بشكل أساسى مع الأسواق المتقدمة، مشيرا إلى أن بريطانيا بلد يشبه الأسواق الناشئة من حيث امتلاكها متطلبات كبيرة للاقتراض الخارجى، مما يخلق بعض التقلبات.
ويعد عجز الحساب الجارى البالغ %5.6 من الناتج المحلى الإجمالى، نقطة الضعف التى أبرزها محافظ بنك إنجلترا مارك كارنى، الذى حذر بدوره من اعتماد بريطانيا على كرم الغرباء لتمويله.. فربما يختبر الخروج الفوضوى دون صفقة هذا الكرم بأقصى درجة من خلال تقويض الاستثمار الأجنبى المباشر فى المملكة المتحدة.
ويمكن أن يؤدى الضعف الناتج فى العملة، إلى ارتفاع التضخم الذى لن يتمكن بنك إنجلترا من تجاهله. فالتوقعات السوقية للتضخم فى المملكة المتحدة تعد بالفعل أعلى بكثير من تلك الموجودة فى الولايات المتحدة أو منطقة اليورو، كما أن نسبته ستصل، فى مرحلة ما، إلى مستوى قد لا يتحمله مستثمرى السندات.
وفى الوقت نفسه، قد يكون وضع الجنيه الإسترلينى كعملة احتياطية تحت التهديد، خاصة إذا كانت اضطرابات الخروج تتبعها حكومة- بقيادة جيريمى كوربين- تستهدف تأميم أجزاء كبيرة من الاقتصاد.
وبالنسبة للعديد من المستثمرين، يعيد البرنامج اليسارى، الذى قدمه رئيس حزب العمال جيرمى كوربين، اﻷذهان إلى سبعينات القرن الماضى. فهو بمثابة تذكرة بعصر انهارت فيه العملة المحلية ولجأت فيه بريطانيا بشكل مباشر إلى صندوق النقد الدولى.
وحتى دون تغيير الحكومة، فإن تعهد رئيس الوزراء بوريس جونسون بإنفاق مبالغ كبيرة لتعويض الأثر الاقتصادى للخروج، الممول من فورة الاقتراض، يدفع بعض المستثمرين إلى التساؤل عما إذا كانت السندات الحكومية عرضة لموجة بيع.
ولكن هناك قوى جبارة تعمل ضد مثل هذه النتيجة، فنحو ربع ديون الحكومة البريطانية تقع حاليا بين أيدى المستثمرين الأجانب، وهى نسبة أقل بكثير من فرنسا أو ألمانيا، إذ يملك الأجانب نصف الديون.
كما أنه من الصعب اتجاه هؤلاء المستثمرين للخروج بشكل جماعى فى عالم تتداول فيه سندات بقيمة 17 تريليون دولار تقريبا بعوائد سلبية.
حتى إذا تغلبوا على التراجع، فإن المملكة المتحدة،عكس اقتصادات اﻷسواق الناشئة النموذجية، لديها قاعدة كبيرة ومستقرة من المستثمرين المحليين. كما يمكن تعويض النزوح الجماعى للأجانب، من الناحية النظرية، بالهروب إلى الملاذات الآمنة داخل الأصول المقومة بالجنيه الاسترلينى.
بالإضافة إلى ذلك، عندما يتعلق اﻷمر ببنك إنجلترا، قد تزداد احتمالية ارتفاع أسعار الفائدة للدفاع عن العملة، وبالتالى اضطراب سوق السندات.
ولا يزال، من اللافت للنظر أن المستثمرين ذوى الوزن الثقيل يتجادلون حول تشبيه المملكة المتحدة بالسوق الناشئ. ولكن إذا تنامى اﻷمر إلى المسامع فإن الدليل لن يكون بالعملة المضطربة بل بسوق السندات.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

فيتش: صراع إسرائيل وإيران يشكل مخاطر على السياحة وعائدات قناة السويس في مصر

قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، إن الصراع بين إسرائيل وإيران،...

منطقة إعلانية