مقالات

جيميما كيلى تكتب: «البلوكتشين».. حل تكنولوجى يبحث بيأس عن مشكلة

كان من المفترض أن تقوم تكنولوجيا البلوكتشين «سلسلة الكتل» بتقليل أهمية البنوك، وتسمح للعالم بأن يكون «البنك الخاص بنفسه»، وتساعد البنوك نفسها على توفير عشرات المليارات من الدولارات سنوياً من تكاليف البنية التحتية، وتحول الطريقة التى يعالجون بها معاملاتهم، وتخلق مصدر إيراد جديد، وادعى البعض أنها ستكون اكتشاف أكبر من الإنترنت.
ولكن رغم الحماس الكبير، والإصدارات الكثيرة للبيانات الصحفية، لم ترق التكنولوجيا لمستوى وعودها وهناك علامات على أن الضجيج حولها يهدأ.
وتعد «البلوكتشين» هى التكنولوجيا التى تدعم العملات الرقمية مثل البيتكوين، وهى فعلياً عبارة عن نظام قاعدة بيانات يسجل ويعالج المعاملات من خلال شبكة موزعة من الحواسيب ولا يوجد حاجة لمؤسسة مركزية للتحقق منهم، وعند مراحل مختلفة منذ ظهورها منذ أكثر من 10 سنوات، ادعى المتحمسون بأن البلوكتشين قد تحل محل البنوك المركزية، وتمسح الوسطاء التجاريين مثل شركات المقاصة، وتصبح العمود الفقرى للمدفوعات عبر الحدود، وهذا فيما يتعلق بالقطاع المصرفى فقط، أما خارجه فكانت الادعاءات أكثر مبالغة مع مزاعم بأن التكنولوجيا قد تشفى السرطان وتحقق السلام العالمى.
وصب قطاع الخدمات المالية كميات ضخمة من الأموال إلى البلوكتشين وصل إلى حوالى 1.7 مليار دولار سنوياً، وفقاً لشركة الأبحاث «جرينويتش أسوشياتس»، وبخلاف عالم العملات الرقمية المتوحش والمتقلب، لم يكن للبلوكتشاين أى تأثير يذكر.
وقضى البنك المركزى الألمانى عامين يعمل مع البورصة الألمانية لبناء نماذج أولية لتسوية الأوراق المالية المعتمدة على البلوكتشين، ولكن فى أوائل العام الجارى، قال رئيس البنك، ينس فايدمان «إن الإنجاز الحقيقى فى التطبيق لايزال مفقوداً».
وعلى عكس البلوكتشين، بدأ العالم الأوسع لشركات التكنولوجيا المالية يُحدث تأثير حقيقى فى القطاع المالى، وأجبر البنوك والشركات الأخرى على استخدام تكنولوجياتهم فى القرن الواحد والعشرين.
وأحد أكبر مشكلات البلوكتشين هى أنه تم تقديمها بشكل خاطئ، وبدلاً من البدء بالنظر إلى التحديات التى تواجهها البنوك ثم نرى إذا كانت البلوكتشين يمكنها حلها أم لا، انطلقت الكثير من المشروعات بالتركيز على التكنولوجيا وحاولت أن تجنى الأموال منها.
والآن، ترسخ نوع من التضليل فيما يتعلق بها، ومنذ أعوام قليلة، أثناء طفرة العملات الرقمية، كانت جلسات البلوكتشين فى مؤتمرات شركات التكنولوجيا المالية وغيرها من المؤتمرات المالية تعج بالأفراد، أما الآن، فهى تجذب أعداداً أقل.
ويقول مارتن واكر، مدير الصيرفة والتمويل فى مركز «إفيدينس بازد ماندجمينت»: «تعد الضجة التى حدثت فى الأعوام القليلة الماضية ثم خيبة الأمل التى تلتها دليلاً على أنك تحتاج إلى فهم المشكلات التى ينبغى حلها ثم تبحث عن إجابة بدلاً من إلقاء تكنولوجيا ما على مشكلات قطاع قبل أن تفهمهم».
وأضاف واكر، أن «التعب من ملاحقة البلوكتشين» تسبب فى انخفاض القيمة التى كانت تضيفها الكلمة لأى شركة تربط نفسها بهذه التكنولوجيا.
وكانت شركة «ديجيتال آسيت هولدينجز» تعد فى وقت من الأوقات أحد اللاعبين الرئيسين وكان ينظر لرئيستها التنفيذية السابقة، بليث ماسترز، كأحد حاملى أعلام تلك التكنولوجيا، وخططت الشركة لتحويل عالم تسويات الأوراق المالية، ولكنها تحولت فيما بعد عن تكنولوجيا البلوكتشين، وبدلاً من ذلك تركز على «العقود الذكية»، وهى نوع من وظائف البرمجة الحاسوبية التى لا تتطلب تكنولوجيا البلوكتشين لكى تعمل.
وتتحدث شركة «ديجيتال آسيت هولدينجز» الآن عن «تكنولوجيا الدفتر الموزع» بدلاً من البلوكتشين، وعادة ما يستخدم المصطلحان بالتبادل، ولكن كولين بلات، مستشار مستقل بشأن العملات الرقمية والدفتر الموزع، والذى عمل سابقاً فى مشروعات البلوكتشين فى البنك الفرنسى «بى إن بى باريبا»، يقول إن هناك اختلافاً رئيسياً، ففى البلوكتشين يستطيع أى شخص على الشبكة رؤية جميع المعلاملات ولكن فى الدفتر الموزع لا يحدث ذلك بالضرورة.
ويرى بلات أنه رغم عدم وجود مجال كبير لتطبيق تكنولوجيا البلوكتشين فى القطاع المصرفى أو حتى ما يعرف بالبلوكتشين المرخص الذى يُحدد فيه الأشخاص والأطراف التى يمكنها الدخول على الشبكة، ولكن يوجد بعض الاستخدامات للدفتر الموزع مثل مبادلات أسعار الفائدة وغيرها من المشتقات لأنهم لا يكون لهم مركز تداول محدد، ولكنه أوضح أن هذه الأدوات الجديدة لن يتم تبنيها سريعاً ولن تهز القطاع فجأة.
وحتى الآن، لايزال على تكنولوجيا الدفتر الموزع أن تثبت نفسها، أما التطبيق الواسع لتكنولوجيا البلوكتشين فقد أصبح حلماً دخانياً، وحتى إذا تم تطبيق البلوكتشين فى بعض العمليات المصرفية، سيكون هناك عادة طرق أفضل وأسرع وأرخص وأكثر كفاءة للقيام بها.
ويقول واكر: «الأمر لا يتعلق بخطأ فى التكنولوجيا وإنما هى ليست الأداة المناسبة للمشكلة.. فهل ستحاول فتح علبة طعام معلب بمطرقة أو سلاح آلى؟ بالتأكيد تستطيع فعل ذلك، ولكن هل ستريد؟».

بقلم: جيميما كيلى

صحفية لدى “فاينانشالتايمز” متخصصة فى أسعار الصرف والعملات الرقمية والتكنولوجية المالية

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية