كتب: سليم حسن
في قلب الحقول الممتدة على طول الدلتا والصعيد، يقف الفلاح المصري في مواجهة جديدة مع معادلات الاقتصاد، حيث لم يعد السماد مجرد حفنة تُلقى في الأرض، بل أصبحت معادلة بين ما تزرعه اليد وما تحسبه الآلة.
دولار واحد أضيف إلى سعر الغاز الطبيعي، لكنه حمل معه سلسلة من التغييرات التي بدأت في المصانع وانتهت في جيب الفلاح، وبينهما منظومة دعم تعيد تشكيل نفسها، فهل تستطيع الأرض أن تُثمر كما كانت؟ أم أن ارتفاع التكلفة سيخصم من خصوبة الأرض وإنتاجها، ويضيف عبئا جديدا إلى فاتورة المعيشة؟
ما الذي حدث؟
رفعت الحكومة الحد الأدنى لسعر توريد الغاز الطبيعي المسال لقطاع الأسمدة إلى 5.5 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، بدلا من 4.5 دولار.
الغاز الطبيعي يمثل نحو 60% من مدخلات إنتاج طن الأسمدة، وليس مجرد عامل مساعد للتشغيل، ويحتاج كل طن إلى نحو 28 مليون وحدة حرارية بريطانية.
ما المقابل؟
مقابل رفع أسعار الغاز الطبيعي، حصلت المصانع على 3 مميزات، أولها زيادة بنحو 33% في أسعار توريد الأسمدة المدعمة إلى وزارة الزراعة وستتحملها وزارة المالية عن الفلاحين، بحسب مصادر حكومية تحدثت مع “إيكونومي بلس”.
وفقا لذلك، سترتفع أسعار توريد الأسمدة المدعمة من المصانع إلى 6000 جنيها للطن مقابل 4500 جنيه، وهو السعر الذي استقر لنحو 4 سنوات، وتحديدا منذ نوفمبر 2021.
اقرأ: بلغت 46.7%.. الحكومة ترفع سعر طن الأسمدة المدعمة إلى 4500 جنيه
أيضا، حصلت المصانع على ميزة ثانية، وهي تقليص حصة وزارة الزراعة من الأسمدة المدعمة إلى 37% من الإنتاج الشهري مقابل 55% سابقا، بالإضافة إلى زيادة حصة التصدير من 45% إلى 53% وطرح 10% من الإنتاج في السوق الحرة المحلية.
الأرقام تتحدث
وفقا للتغيرات الجديدة في هيكل منظومة دعم الأسمدة، فإن الكميات التي ستلتزم المصانع بتوريدها سنويا ستنخفض بنحو 30% أو (1.080 مليون طن).
بداية من زراعات الموسم الصيفي المقبل، ستورد المصانع ما لا يتجاوز 2.47 مليون طن مقابل نحو 3.55 مليون طن كانت توردها سابقا، بحسب مصادر حكومية تحدثت لـ”إيكونومي بلس”.
فاتورة الدعم تتقلص
بحسب بيانات لوزارة الزراعة، فإن الدولة تتحمل سنويا نحو 30 مليار جنيه عن دعم الأسمدة، لكن مع التغيرات الجديدة، سيقلص هذا الرقم رغم التوجه الحكومي لتحمل 1500 جنيه عن كل طن تدفعها للمصانع بدلا من الفلاحين.
تقليص مليون طن من الكميات المدعمة سيوفر على الحكومة نحو 4.8 مليار جنيه من فاتورة الدعم، لكن في المقابل، ستدفع الحكومة نحو 3.7 مليار جنيه هي تكلفة الفارق بين ما تحصل عليه المصانع مقابل طن الأسمدة المدعمة (6000 جنيه) وما سيدفعه الفلاح (4500 جنيه)، ما يعني أن فاتورة الدعم ستتقلص بنحو 1.1 مليار جنيه سنويا، وفق حسابات إيكونومي بلس.
ماذا يرى الفلاح؟
يقوله نقيب الفلاحين، حسين أبوصدام: “لم نحصل يوما على كامل احتياجاتنا من الأسمدة المدعمة، ودائما ما نواجه عجزا في توريدات المصانع التي لم تبلغ يوما نسبة الـ55%، وهو ما يدفع أغلب الفلاحين مجبرين نحو تعويض النقص عبر السوق الحرة، والتي أصبحت تعمل بأسعارا مبالغ فيها لا يمكن أن يتحملها القطاع الزراعي دون أن تظهر عليه تأثيرات سلبية من تفاقم أزمات التكاليف المتواصلة”.
تقليل الكميات من وجهة نظر الحكومة يعني تقليل عمليات تسميد المحاصيل الزراعية، مع الرغبة في تحقيق عنصر الكفاية للأسمدة المدعمة من قبل المصانع، وفق أبو صدام.
وبحسب أبو صدام، فإن النقص في الكميات المدعمة سيتجه إلى التصدير والبيع في السوق المحلية بأسعار مرتفعة للغاية لا يمكن أن تجاريها الاحتياجات الزراعية وقدرة الفلاحين، وهو ما سيرتد على الإنتاج الزراعي في النهاية.
تباع شيكارة الأسمدة الحرة زنة (50 كج) محليا بنحو 1300 جنيه منخفضة من 1700 جنيه في يونيو الماضي.
نقص عمليات التسميد سيؤثر على قدرات وكفاءة الأرض الإنتاجية، وبالتالي نقص الإنتاج الزراعي بالإضافة إلى انخفاض جودة المحاصيل نفسها.
الغاز ليس عنصر الطاقة الوحيد
ينتظر القطاع الزراعي أيضا زيادة جديدة في أسعار السولار خلال الأيام القليلة المقبلة، مع توجه الحكومة لزيادة أسعار المحروقات – مرة أخيرة – قبل نهاية العام الجاري، وذلك على الرغم من الزيادة التي طالته في أبريل الماضي. وأعلنت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في أبريل الماضي عن رفع أسعار البنزين والسولار، إلى جانب عدد من منتجات الطاقة الأخرى، ليرتفع سعر لتر السولار من 13.50 جنيه إلى 15.50 جنيه، بنسبة زيادة اقتربت من 15%.
يحتاج القطاع الزراعي السولار لتشغيل المعدات التي لا يتوفر لها مصدر كهرباء مستقر، مثل الجرارات، الحصادات، والمضخات الزراعية، بالإضافة إلى استخدامه في عمليات نقل المحاصيل والأسمدة والمبيدات باستخدام الشاحنات والمركبات التجارية الثقيلة، ما يجعله ضروريا لتنفيذ معظم الأنشطة الزراعية بداية من حرث الأرض وحتى بعد الحصاد.
أسعار الأسمدة محليا أعلى من العالمية
مع بداية أكتوبر الجاري، بلغ سعر تصدير الأسمدة الأزوتية عالميا 383.5 دولارا للطن، منخفضا من 493 دولار في مايو الماضي، بتراجع تجاوزت نسبته 22%.
تصدير الأسمدة بهذه القيمة يعني أن الطن لا يتجاوز 18.3 ألف جنيه عند سعر صرف (47.8 جنيه للدولار).
في المقابل يشتري الفلاحين حاليا طن الأسمدة الحرة بما يتراوح بين 25-27 ألف جنيه، ما يعني أن سعر التصدير يمثل نحو 70% فقط من البيع المحلي.
وبحسب مصدر في أحد مصانع إنتاج الأسمدة الأزوتية الحكومية، فإن تكلفة إنتاج طن الأسمدة حاليا لا يتجاوز 11 ألف جنيه على أقصى تقدير.
طالب نقيب الفلاحين حسين أبوصدام بتدخل الحكومة لتقليل سعر الأسمدة في السوق الحرة لأن الفلاح سيجتاج إليها بصورة أكبر خلال الفترة المقبلة نتيجة نقص الكميات المدعمة، وذلك لتخفيف أثر التغيرات الكبيرة التي طرأت على أحد الأعمدة الريئيسية في القطاع.
وفي النهاية، كل ذلك قد يرتد على مؤشر التضخم بسبب ارتفاع أسعار سلة الغذاء، وبلع مؤشر تضخم أغسطس الماضي 12% في اتجاه هبوطي للشهر الثالث على التوالي.
اقرأ أيضا: بين السياسات والتحديات.. قراءة في الأسباب المؤثرة على أسواق السلع والأسعار.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا