ملفات

ألمانيا.. خزائن ممتلئة وبلد محطم

الأزمة

نادراً ما يحتفل اﻷلمان بتسجيل بلادهم لنمو اقتصادى ضئيل، ولكن هذا ما حدث بعد الإعلان عن نمو اقتصادى يقدر بـ%0.1 فى الربع الثالث من 2019، خاصة أن البلاد قضت وقتاً طويلاً فى حالة خوف من الانزلاق فى ركود اقتصادى.
وكان الطلب المحلى القوى واﻷداء الجيد بشكل مدهش للصادرات كافيين لتفادى ألمانيا الوقوع فى أول ركود تقنى منذ عام 2013، خاصة بعد تراجع اقتصاد البلاد بنسبة %0.2 فى الربع الثانى.
وأفادت مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية أن الخوف من الركود الوشيك أدى إلى إحياء جدال مألوف فى ألمانيا، يدور حول ما إذا كان يتعين على الحكومة إنفاق المزيد لتفادى مخاطر الركود، خاصة أنها اعتادت تحقيق فائض فى الموازنة منذ عام 2014 وسط تطبيق سياسة «الصفر الأسود»، وهى سياسة تستهدف الحفاظ على الوضع المالى إما فى حالة توازن أو فائض.
أوضحت المجلة أن فائض الموازنة بلغ %1.9 من الناتج المحلى الإجمالى فى العام الماضى، ويرجع الفضل فى ذلك إلى العمالة المزدهرة وتكاليف خدمة الدين المنخفضة.
ولكن مع تزايد حاجة ألمانيا للبنية التحتية وانخفاض تكاليف الاقتراض وإصدار البلاد لسندات لأجل 10 أعوام ذات عائد سلبى وتباطؤ الاقتصاد أيضاً، أصبح من الصعب الدفاع عن الالتزام بسياسة الموازنة المتوازنة.

اقتصاد ألمانيا
ووفقاً لهذا الصدد، تصدر عنوان «خزائن ممتلئة وبلد محطم» غلاف مجلة «شتيرن» الألمانية الأسبوعية.
وفى مارس 2018، شغل أولاف شولز، من الحزب الاشتراكى الديمقراطى من الوسط فى ألمانيا، منصب وزير المالية الألمانى، ولكن رغم ذلك تلاشت الآمال بسياسة مالية أكثر توسعية بكثير، وكُتبت سياسة «الصفر الأسود» فى صفقة الائتلاف بين الحزب الديمقراطى المسيحى، الذى ترأسه أنجيلا ميركل، والحزب الديمقراطى الاجتماعى الألمانى الذى ترأسه مارتن شولتز، كما أن البرامج الحكومية الكبيرة، مثل الحزمة الأخيرة للحد من الانبعاثات الكربونية، صُممت فى الأساس لتتماشى مع القواعد المالية.
وفى الوقت نفسه، جادل شولتز، الذى يريد أن يخلف ميركل كمستشار لألمانيا، أن الإدارة المالية الثابتة تركت البلاد فى وضع جيد للاستجابة لأى تراجع حاد، وستسير هذه الاستجابة – وفقاً للمسؤولين – بشكل جزئى على نهج التكتيكات المستخدمة فى أزمة 2008-2009، حيث سيبدأ تأثير عوامل الاستقرار الأوتوماتيكية، كإعانات البطالة، كما أن إعانات الضمان الاجتماعى ستسهل على الشركات تخفيض ساعات العمل وسيهدف تعديل القواعد الضريبية على الاستهلاك لزيادة الاستثمار الخاص.

سياسة الصفر الأسود

وقال المسؤلون فى وزارة المالية الألمانية إنهم سيستغنون عن سياسة «الصفر الأسود» إذا لزم الأمر، وهو أمراً من المستبعد أن تقاومه ميركل، رغم كل الخطب التى قدمتها حول دولة تعيش وفقاً للإمكانيات المتاحة أمامها.
وقال أحد المسؤلين إن ألمانيا ستنفق الأموال بشكل كبير إذا واجهت أزمة حقيقية.
ومع ذلك، يوجد خوف من ألا يكون الركود سيئاً بشكل يكفى لإثارة إجراءات تجدى نفعاً، فقد قال جينس سودكم، أستاذ الاقتصاد بجامعة دوسلدورف الألمانية، إن هناك حافزاً نُفذ على عجل يمكن أن يحد من احتياجات ألمانيا فى مجال الاستثمار وإعادة الهيكلة على المدى الطويل، فعلى سبيل المثال يمكن أن تشجع الإعانات أو التخفيضات الضريبية شركات السيارات للإبقاء على التكنولوجيات القديمة.
ويعتبر سودكم واحداً من بين عدد كبير من خبراء الاقتصاد الراغبين فى استغلال ألمانيا لتكاليف الاقتراض المنخفضة من أجل تمويل خطة الاستثمار العام التحويلية متعددة الأعوام.
ومع ذلك، حتى لو استغنت الحكومة عن «الصفر الأسود»، فإنها ستصطدم بسياسة كبح الديون، وهو حظر دستورى يمنع العجز الهيكلى الذى يزيد على %0.35 من الناتج المحلى الإجمالى ومصمم لتقييد أيدى السياسيين المبذرة.
وكان هناك اقتراحات عديدة للتغلب على هذا الأمر، بما فى ذلك إدراج بنود غير مدرجة فى الموازنة مثل بند المركبات المرتبطة بالهيئات العامة، مثل الجامعات أو جمعيات الإسكان التى يمكنها الاستفادة من الأسواق دون انتهاك سياسة كبح الديون.
ولكن هناك نهج أكثر طموحاً، اقترحه حزب الخضر، يمكن أن يساهم فى التخلص من سياسة «الصفر الأسود» واستكمال سياسة كبح الديون بقاعدة استثمار تستغل لوائح الاتحاد الأوروبى الأقل صرامة، ويعتقد الخضر أن هذا النهج قد يؤدى إلى بدء استثمارات عامة بقيمة 35 مليار يورو سنوياً، رغم أنه يتطلب تغيير دستورى حاد.
وأشارت «ذا إيكونوميست» إلى أن الاستثمار العام فى ألمانيا نما بنسبة %3.8 فى العام الماضى، وهو ما يعتبر أقل من المتوسط فى منطقة اليورو، كما أنه منخفض للغاية حتى للمحافظة على اﻷصول الرأسمالية.
وقال إيكهاردت ريبيرج، الذى يقود الاتحاد الديمقراطى المسيحى فى المناقشات المتعلقة بموازنة العام المقبل، إن القيود المفروضة على القدرات والإجراءات البيروقراطية تصعب إنفاق المزيد دون تسريع تكاليف البناء.
ويجادل النقاد بأن وجود خطة استثمار طويلة الأجل مستهدفة، بدلاً من برامج تبدأ فى العمل وتتوقف بشكل متكرر فى السنوات الأخيرة، ستوفر للشركات الضمانات التى تحتاجها لتوسيع قدراتها ولكن يبدو أن مثل هذه الأمور لن تنتهى فى أى وقت قريب.

المخاطر

وفى الوقت نفسه، تعتبر التوقعات الاقتصادية غير مؤكدة، فالاقتصاد الألمانى الأكثر اعتماداً على الصادرات لا يزال معرضاً لمخاطر، مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى دون صفقة وعدم اليقين المتعلق بالنزاع التجارى بين الولايات المتحدة والصين، كما أن شركة «آى إتش إس ماركت» البحثية أشارت إلى انخفاض مؤشر توقعات الأعمال الألمانية بشكل كبير.

وتعتقد المفوضية الأوروبية أن النمو الألمانى لن يتفوق سوى على النمو الاقتصادى فى إيطاليا خلال عام 2020.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

منطقة إعلانية