%150 نسبة الدين للناتج المحلى الإجمالى.. وصندوق النقد يتوقع ارتفاعها إلى %180 فى 5 أعوام
وسط الصراعات اﻷخيرة واﻷزمة المالية التى تتعرض لها، لبنان تحتاج حزمة إنقاذ على الطراز اليونانى.
قالت وكالة أنباء بلومبرج إن لبنان، التى تعد أكثر الدول مديونية فى العالم، بدأت تتشابه أكثر مع اليونان من الناحية المالية، مما يشكل مشكلة أساسية لها، ولكن إذا كان بقاء اليونان كجزء من منطقة اليورو أمراً حاسماً بالنسبة للمشروع الأوروبى، فإن لبنان أيضاً مفتاح الحفاظ على ما تبقى من السلام فى منطقة الشرق الأوسط.
وقال نائب رئيس مجلس الوزراء اللبنانى «غسان حاصبانى»: «لا أعتقد أن الجميع يتفهم خطورة الوضع، فقد أن الوقت لتفعيل حزمة مساعدات دولية من شأنها إجبار لبنان على اتباع إصلاحات اقتصادية على الطراز اليونانى قبل فوات الأوان».
ولم يطرأ أى جديد فى أمة يجمعها توازن طائفى قوى فى السلطة، ولكن الجديد هو عدم مواجهة لبنان لمثل هذه المجموعة الشاقة من التحديات، وذلك فى الوقت الذى يمكن فيه الاعتماد بشكل أقل على المصادر التقليدية للمال من الخارج، سواء كان ذلك من الجاليات أو المتبرعين السعوديين السابقين.
وتعتبر البلاد ساحة معركة سياسية بين الخصمين الإقليميين السعودية وإيران، اللتين تدعمان الجانبين المتقابلين فى الحرب السورية الناشبة منذ 7 سنوات، والتى أدت إلى لجوء 1.5 مليون سورى عبر الحدود، مما تسبب فى حجب صادرات البلاد واندلاع معارك بين الفصائل اللبنانية، وبالتالى عرقلة الجهود الساعية إلى تخفيف الضغط على الموارد المالية للبلاد.
وتراجعت السندات اللبنانية بينما ارتفعت الودائع المصرفية بأبطأ وتيرة لها منذ نهاية الحرب الأهلية قبل نحو 30 عاماً، هذا فضلاً عن أن الإيرادات الحكومية لا تستطيع مواكبة الإنفاق فى ظل مرور الاقتصاد بمأزق وتشاجر السياسيين قبل الانتخابات النيابية التى كان من المقرر انعقادها فى مايو الماضى.
وحذر صندوق النقد الدولى من أن الاقتصاد يسير على طريق غير مستدام ويحتاج إلى إجراءات عاجلة، حيث يحتاج البنك المركزى اللبنانى إلى تخفيف التباطؤ فى الودائع المصرفية، التى ساعد نموها فى دعم الدين العام المرتفع.
ويصل إجمالى الدين العام اللبنانى الحالى إلى 79 مليار دولار، ما يعادل %150 من إجمالى الناتج المحلي، ويتوقع صندوق النقد أن يصل إلى %180 فى 5 أعوام، وهو ما سيضعها، حيث تقبع اليونان الآن، بعد أن خضعت ﻷكبر إعادة هيكلة للديون بالعالم عام 2012.
والجدير بالذكر أن اليابان تعد أكبر الدول مديونية فى العالم، ولكنها لا تقع تحت رحمة القوى الخارجية، نظرا لتداول عملتها بحرية على عكس لبنان التى ترتبط عملتها بالدولار أو اليونان المتواجدة ضمن نطاق منطقة العملة الموحدة اليورو.
وقال زياد داود، كبير الخبراء الاقتصاديين لشئون الشرق الأوسط لدى بلومبرج إكونوميكس، خلال الأسبوع الماضى: «سيؤدى ارتفاع عائدات السندات إلى جعل تكاليف خدمة الدين تشكل عبئاً أكبر، وحتى أن مستوى الديون سيكون غير مستدام».
وقفز العائد على السندات اللبنانية المقومة بالدولار المستحقة بحلول عام 2037 بمقدار 59 نقطة أساس فى يناير الماضى، ليسجل أعلى ارتفاع له منذ الإفصاح عن أرقام الدين فى العام الماضى، وتلجأ الحكومة للدين كملاذ فى أوقات الاضطرابات وتدعمها البنوك المحلية، ولكن مكاسب البنوك وصلت إلى 3 أضعاف متوسط الزيادة فى عائد سندات الأسواق الناشئة فى فبراير، وذلك وفقاً لمؤشر «بلومبرج باركليز».
وقال مروان دوميث، الذى يدير نحو 250 مليون دولار استثمارات فى السندات اللبنانية الدولية، إن الاستثمار فى الديون الحكومية اللبنانية لم يعد آمناً بسبب عدم توافر السيولة، فالبنوك لم تعد توفر سيولة مجدداً.
ويعكس الوضع المالى المحفوف بالمخاطر فى لبنان الوضع الاقتصادى المتفاقم وتدهور الحوكمة، وسط تراجع لبنان فى مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية إلى المركز 143 من أصل 180 دولة مدرجة فى التصنيف.
وتمكن البرلمان من الموافقة على موازنة عام 2017، للمرة اﻷولى منذ 12 عاما، حيث يتوجه أكثر من %70 من النفقات إلى المرتبات الحكومية وخدمة الدين بينما يذهب %10 إلى دعم الكهرباء، مما يترك للحكومة مجالاً ضئيلاً لخفض الإنفاق.
وفى الوقت الذى، قال فيه حاصبانى إن بلاده تحتاج إلى مساعدة دولية، أثيرت العديد من اﻷسئلة حولها، كما امتنعت بعض دول الخليج، بما فى ذلك السعودية، عن تقديم مساعدات مالية للبنان تماماً مثلما فعلت من قبل، بسبب حزب الله، المدعوم من إيران، التى تمارس نفوذاً كبيراً فى لبنان.
ومع ذلك، يبدو أن العلاقات اللبنانية السعودية بدأت تعود إلى مجراها مرة أخرى، فقد تم الترحيب برئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى فى الرياض مؤخراً، وذلك بعد تم الضغط عليه فى نوفمبر الماضى ليعلن استقالته عندما كان هناك حتى يستطيع العودة مرة أخرى لبلاده.
وقال الحريرى، إن السعودية تعتزم حضور مؤتمرات للمانحين المقرر انعقادها فى أوروبا هذا العام لجمع اﻷموال اللازمة للبنية التحتية اللبنانية والجيش، وذلك وسط مساعى بلاده إلى جمع اﻷموال اللازمة لبرنامج البنية التحتية البالغ قيمته 16 مليار دولار عبر مؤتمر المانحين المقرر انعقاده الشهر المقبل فى باريس لدعم الاقتصاد اللبنانى.
وقال هانى صبرة، مؤسس شركة للاستشارات: «لا أصدق نية السعودية بتقديم مساعدات كبيرة إلى لبنان، فالاتجاه السائد فى لبنان هو تمكين القوات، مثل حزب الله المعارض للمصالح السعودية، وبالتالى فإن ضخ المال من الرياض لن يغير من مسار الاتجاه السائد فى البلاد أو يخدم المصالح السعودية فى لبنان أو المنطقة الأوسع نطاقاً».
ويعتمد لبنان على الودائع المصرفية لقطاع اﻷعمال الخاص، خاصة من ملايين اللبنانيين ممن يقيمون خارج البلاد ويرسلون اﻷموال إلى الداخل، وذلك حتى تتمكن البلاد من الحفاظ على استقرار البنوك والدفاع عن ارتباط سعر صرف عملتها بالدولار، وكلما استمر تدفق اﻷموال، كلما سعدت البنوك بالتحكم فى الدين الحكومى.
وقال محافظ البنك المركزى رياض سلامة أن اقتصاد بلاده أثبت قدرته على الصمود، عندما تباطأ نمو الودائع إلى %3.8 فى العام الماضى، نظراً للإقامة الجبرية التى خضع لها الحريرى فى الرياض خلال نوفمبر الماضى.
خلال تلك الفترة، شهدت البلاد تدفقات خارجة بمقدار 2 مليار دولار بعد أن أعلن الحريرى استقالته المفاجئة، ومن ثم أرسلت بعض البنوك عروض عن طريق الرسائل النصية تطالب فيها اللبنانيين الذين يعيشون خارج البلاد بإرسال أموالهم إلى الداخل فى شكل ودائع مقابل الحصول على أسعار فائدة مرتفعة، فقد عرض أحد البنوك %6 على الودائع التى تصل قيمتها إلى مليون دولار أو أكثر، ويرتفع معدل الفائدة إلى %10.50 لودائع العملة المحلية المرتفعة.
وكانت تلك التدفقات الخارجة أقل نسبياً، مما كانت عليه خلال اﻷزمتين الكبيرتين الماضيتين، عند اغتيال رئيس الوزراء اﻷسبق «رفيق الحريرى» عام 2005، وحرب لبنان عام 2006.
وقال جوليانو بالومبو، مدير محفظة يورو موبيليار الذى يساعد فى إدارة 20 مليار يورو من اﻷصول، أن السندات الحكومية اللبنانية لا تزال توفر عائدات جيدة واحتياطياتها الأجنبية لاتزال كبيرة بالمقارنة مع العجز الخارجى.
وقال النائب إبراهيم كنعان، رئيس لجنة المال و الموازنة، إن الحكومة اللبنانية تدرس تدابير لازمة لخفض الديون ووضع حد للإنفاق المسرف، مثل الإنفاق على المهرجانات الموسيقية.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا