ملفات

غاز شرق المتوسط.. ثروة أم لعنة لدول المنطقة؟

غاز

لن يكفي ماء البحر المتوسط إخماد حرائق الحرب، التي قد تندلع في أي لحظة بين الدول المطلة عليه، نتيجة تنافسهم الشرس على الغاز الطبيعي، لاسيما أن غالبية هذه الدول تسعى لتعزيز دور الغاز في الصناعة ومختلف مناحي الحياة، بل بعضهم أصبح يعتمد على الغاز كمصدر رئيسي للطاقة في البلاد.

السباق على غاز البحر المتوسط، ليس بالجديد على دول المنطقة، وليست منافسة وليدة اللحظة، بل هو تصعيد لتزاحم خفي، لم يظهر على السطح إلا مع تزايد اهتمام الدول بالغاز الطبيعي، بالإضافة إلى تجديد أنواع التسلح الاقتصادي الذي طرأ مؤخرا على منطقة الشرق الأوسط.

لماذا “إيست – ميد” وأين مصر؟

في الثاني من يناير 2020، وقع قادة قبرص واليونان وإسرائيل، على اتفاق أولي في أثينا، لتمهيد الطريق أمام مد خط أنابيب الغاز المعروف باسم “إيست ميد”، والذي يصل طوله إلى 1900 كيلو مترا، لنقل الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى أوروبا.

ووفقا لتصريحات القادة الثلاثة في المؤتمر الصحفي الذي عُقد على هامش التوقيع، فإن مشروع “إيست – ميد” لا يستهدف أي دولة بعينها، وليس موجها ضد أي حكومة دولة تطل على المتوسط، وإنما هو جسر للتعاون بين بعض دول المنطقة لنقل الطاقة إلى أوروبا، من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة، وتوفير المزيد من مصادر الطاقة للقارة الأوروبية.

التوقيع بين الأطراق الثلاثة، جاء بعد اتفاق تركيا مع حكومة السراج في ليبيا، على تعيين الحدود البحرية في البحر المتوسط، وتعزيز التعاون الثنائي في المجال العسكري والأمني، وهو ما عارضته الدول الموقعة على إنشاء مشروع خط أنابيب “إيست – ميد”.

تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان المثيرة كعادتها، دليل قاطع على رفض أنقرة السماح بمثل هذا النوع من المشروعات في شرق المتوسط دون مشاركتها أو موافقتها، بل اتهم أردوغان التحالف الثلاثي بمحاولة تطويق تركيا اقتصاديا.

وفي أكثر من خطاب له في الآونة الأخيرة، شدد أردوغان على أن الاتفاقية الموقعة مع السراج، ستطبق بحذافيرها، كما أن بلاده لن تسحب سفن التنقيب من شرق البحر الأبيض المتوسط، ولن تتخلى عن حقوقها، كما أنها لن تطالب بشيء ليس من حقها.

أين تقف مصر من المعادلة؟

يقول المهندس، مدحت يوسف، نائب رئيس الهيئة العامة للبترول سابقا، لإكونومي بلس، إن هذا الاتفاق هو اتفاق أولي، غير قابل للتنفيذ في الوقت الحالي، ولكن حين تتوافر بعض البنود، والتي من أهمها توافر الاحتياطيات الغازية بمعدلات تسمح تصدير الغاز إلى أوروبا، وتتناسب مع سعة الخط والاستثمارات المطلوبة، فإنه من الوارد أن يكون الاتفاق قابل للتنفيذ، بحيث يصبح ذا جدوى اقتصادية.

وأضاف الرئيس السابق للهيئة العامة للبترول، أن كميات الغاز المطلوبة لتشغيل خط “إيست – ميد” غير متاحة حاليا، مشيرا إلى جميع الاكتشافات الحالية تكفي فقط لتغطية احتياجات دول إقليم شرق المتوسط، وهي إسرائيل وقبرص ومصر، كما أن الفائض الحالي من الغاز يتم تصديره من خلال التسهيلات المصرية، ولذلك ما يجري حاليا يتنافى مع فكرة اقتصاديات الخط العملاق لعدة أسباب.

السبب الأول هو أن غاز إسرائيل يستخدم حاليا في تغطية احتياجات تل أبيب المحلية، بالإضافة إلى أن إسرائيل ستوقع اتفاقا قريبا جدا مع الأردن لتلبية جزء من احتياجات الأردن الغازية.

كما أن الاتفاق مع الشركة المصرية لتسييل الغاز الإسرائيلي، ونصيب الشريك الأجنبي “نوبل انرجي” لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا من خلال اتفاق مُلزم لمدة 15 عام بمعدلات كبيرة، يعني أن إسرائيل لا تمتلك حاليا فائضا من إنتاج الغاز.

السبب الثاني، ارتباط قبرص مع مصر باتفاق مُلزم لمدة 25 عاما، لتسييل وتصدير غازها الطبيعي إلى أوروبا، من خلال خط أنابيب تحت البحر، على أن تقوم قبرص بتمويل الخط بمعرفتها، كما أن حجم الإنفاق على الخط يقيد قبرص إذا رغبت في تعديل اتفاقها مع مصر، نظرا لحجم الاستثمارات الضخمة، ونتيجة لذلك، فإن حجم الفائض القبرصي من الغاز الطبيعي اضمحل بشكل كبير.

السبب الثالث، عدم وجود اكتشافات كبيرة في اليونان حتى تاريخه، بالتالي فإن اليونان تثل فقط محورا ناقلا للطاقة من خلال هذا الخط المقترح إنشاؤه، إلا أن هناك جهود بحثية كبيرة تجري في المياه العميقة باليونان للبحث عن الغاز، ولكن حاليا تعتبر اليونان دولة ليس لديها فائض من الغاز الطبيعي.

ويضيف الرئيس السابق للهيئة العامة للبترول، مدحت يوسف، أنه مما سبق يتضح أهمية الدور المحوري الرئيسي لمصر لجميع دول شرق المتوسط، بإمكاناتها اللوجستية الكبيرة، ودورها المسيطر على الموقف.

وأشار إلى أن ابتعاد مصر عن توقيع الاتفاق غير صحيح، نظرا لاحتضان القاهرة منتدى دول شرق المتوسط، الذي يضم الدول الثلاث ومعهم فلسطين ولبنان والأردن وإيطاليا، والذي يهدف أيضا إلى تعزيز التعاون بين دول المنتدى في جميع المجالات، بما فيها الاستثمارات المشتركة بين الدول المنتجة والمستهلكة والعابرة، الأمر الذي يؤكد وجود مصر كطرف رئيسي في معادلة الغاز بالبحر المتوسط.

طريق الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا

ومن المتوقع أن يتيح خط أنابيب الغاز “إيست – ميد” البالغ طوله 1900 كيلومترا، نقل ما بين 9 إلى 11 مليار متر مكعب من الغاز سنويا من الاحتياطيات البحرية لحوض شرق المتوسط قبالة قبرص وإسرائيل إلى اليونان، وكذلك إلى إيطاليا ودول أخرى في جنوب شرق أوروبا عبر خط أنابيب الغاز “بوسيديون” و”إي جي بي”.

ويعود مشروع خط أنابيب غاز شرق المتوسط “إيست – ميد” إلى عام 2013 عندما سجلت شركة (ديبا)، وهي الشركة اليونانية العامة للغاز الطبيعي هذا المشروع على قائمة المشاريع ذات الاهتمام المشترك للاتحاد الأوروبي، مما مكنها من الاستفادة من الأموال الأوروبية لتغطية جزء من أعمال الإنشاء التحضيرية، وتقدر تكلفة المشروع الذي يصل إلى إيطاليا بنحو 6 مليارات يورو، وفقا لما نشرته صحيفة “كاثيمريني” اليونانية.

ارتفاع التكلفة سبب رئيسي لعدم تفعيل الاتفاق

ويقول الدكتور جمال القليوبي، عضو مجلس إدارة ‏جمعية البترول المصرية، إن الخط المزمع إنشاؤه بين قبرص وإسرائيل من الصعب تنفيذه، نظرا لارتفاع تكلفته الاستثمارية التي قد تصل إلى 10 مليارات يورو، إضافة لصعوبة تأمين الخط في هذه المنطقة، نظرا لعمق المياه والتغيرات الجغرافية، وهو ما يتطلب تأمينا جيوسياسي مرتفع التكلفة، بالإضافة إلى مراقبة دقيقة عبر الأقمار الصناعية، لحركة الأنبوب تحت المياه، وتأثير تقلب الأمواج على مستوى تدفق الغاز.

ويضيف القليوبي، أن منتدى غاز شرق المتوسط، يهدف إلى العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب، وتنمية الموارد على الوجه الأمثل، وترشيد تكلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية، وتحسين العلاقات التجارية.

وأكد أن مصر دولة تحترم الدبلوماسية والقوانين والأعراف والتعهدات الدولية، وترسيم الحدود، وأرادت أن يكون هناك نوع من المنفعة العامة من خلال النقاش والأطروحات ودعم المشروعات سواء مع الدول المجاورة أو الصديقة.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

“بولد رووتس” للتسويق العقاري تدشن أول مكتب إقليمي لها في دبي

عقدت شركة "بولد رووتس" للتسويق العقاري أولى فعالياتها في ختام...

منطقة إعلانية