مقالات

الضريبة العقارية.. أداة بديهية لتعزيز النمو والعدالة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تحت الضغوط المتزايدة من الشعوب المتذمرة التى تطالب بفرص اقتصادية وعدالة اجتماعية، تحرص العديد من الحكومات فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تسريع النمو الاقتصادى وخلق الوظائف.
لكن سياساتهم، فى أغلبها، تحابى جذب الأجانب وتعزيز استثمار القطاع الخاص محلياً، وأيضاً تعزيز الاقتراض الأجنبى، بدلاً من إعادة توزيع الدخل والثروة.
وتغفل الحكومات عن واحدة من أسهل السياسات تنفيذاً وأكثرها إدراراً للإيرادات وهى الضريبة العقارية.
ويمكن أن يساعد فرض ضرائب على العقارات وتحسين عملية التحصيل، على تلبية المطالب بالعدالة الاجتماعية، وعلى تعزيز التنمية الاقتصادية.
وتعد هذه الضريبة بديهية فى الغرب؛ حيث شكلت ضريبة العقارات ما متوسطه %5.8 من إجمالى الإيرادات الضريبية فى دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فى 2017.
وتصل الحصة فى فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى %9.5 و%12.5 و%16 على التوالى.
لكن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها سجل سيئ فى هذا الشأن، وتعد الضريبة على العقارات هزيلة، مقارنة بالضرائب غير المباشرة، والإيرادات غير الضريبية.
وبشكل عام، لدى الدول فى المنطقة قدرة محدودة لفرض ضرائب على اقتصاداتها، ورغم أن هذا مرتبط بشكل تاريخى بوفرة العائدات البترولية، فإنَّ هذا النهج مشهود، أيضاً، بالدول غير البترولية.
وفى 2018، كانت نسب الإيرادات الضريبية للناتج المحلى الإجمالى %21.9 و%21 فى المغرب وتونس على التوالى، فى حين كانت %12.5 فقط فى مصر، مقارنة بـ%40.3 فى الاتحاد الأوروبى.
وكانت حصة الضرائب العقارية من إجمالى الإيرادات تافهة عند %0.92 و%0.55 فى تونس ومصر على التوالى، فى حين كان المغرب هو الاستثناء عند %5 فى 2017، وكانت حصة الضرائب على الممتلكات غير القابلة للنقل %2.6.
ونتيجة ذلك، يساهم القطاع العقارى بالقليل جداً فى الإيرادات الضريبة، رغم أنه يجذب استثمارات هائلة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وعلاوة على ذلك، لم يساعد الاستثمار العقاري على تطوير الأصول القابلة للتداول والمنتجة التى من شأنها تقليص العجوزات المزمنة فى ميزان المدفوعات بالمنطقة من خلال زيادة الصادرات أو تقليص الواردات، وهذا بدوره يساهم فى الأزمات المالية المطولة خصوصاً فى الدول غير البترولية، ويزيد عدم المساواة فى الدخل وتوزيع الثروة وازدياد الشعور بعدم العدالة.
وتعد الضريبة العقارية شكلاً من أشكال الضرائب المباشرة، ويمكن أن يتم تصميمها بحيث تكون تصاعدية.. وبالتالى تخدم الهدف المزدوج لتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة.
وعلى عكس تدفقات الدخل، تستهدف هذه الضرائب، العقارات التى يتم تسجيلها فى الدولة.. وبالتالى يمكن التغلب على مشكلات قدرة المؤسسات الضعيفة على تحصيلها.
كما أن الأصول العقارية، عكس الأصول المالية، لا يمكن تحويلها إلى الخارج ولا يمكن إخفاؤها.
وبالنظر إلى أن القطاع غير الرسمى الذى يشكل حصة كبيرة من اقتصادات المنطقة، فإنَّ العقارات هى مؤشر جيد على الدخل والثروة، وبالتالى تعالج عدم المساواة.
وعلاوة على ذلك، تعد الضرائب العقارية أداة للتنمية الاقتصادية، وتكون العقارات بمثابة أصل ميت؛ لأن معظم الوحدات المصممة للإسكان لا تستخدم لإنتاج البضائع أو الخدمات بعد ذلك، ولا تكون الضريبة العقارية بمثابة ضريبة على رأس المال فى الدول التى تنقصها سلعة ما تحتاج مزيداً من الاستثمار فيها.. وبالتالى لن تساهم فى هروب رؤوس الأموال أو تقلل الاستثمار المطلوب لنمو وخلق الوظائف.
بل على العكس، ستساعد على الأرجح فى تصحيح المشكلات الهيكلية التى تعانى منها أغلب الدول العربية، وهى التواجد المفرط للقطاعات غير القابلة للتداول والمليئة بالمضاربة مثل الإنشاءات والخدمات العقارية.
وتنتشر هذه القطاعات فى الأماكن التى يتفشى فيها الفساد والمحسوبية الرأسمالية، بالنظر إلى السيطرة الشديدة للدولة على معروض الأراضى.
وفى العديد من الدول العربية، تستحوذ العقارات على أغلب مدخرات الطبقة المتوسطة، وتخلق أصولاً ميتة، وهو ما يخنق احتمالات تطوير أسواق مالية لخدمة الاستثمار فى مزيد من القطاعات الأكثر إنتاجية والقابلة للتداول، والتى يمكن أن تؤثر بفاعلية على وضع ميزان المدفوعات.
ويمكن للضريبة العقارية أن تساعد على تصحيح هيكل الحوافز، وتوجيه المدخرات إلى القطاعات الأكثر إنتاجية مثل التصنيع أو الخدمات عالى المهارات.
وأخيراً وليس آخراً، تحدث معظم الطفرة العقارية فى دول المنطقة فى المجمعات السكنية الفاخرة والفيلات، ولا تساهم فى حل مشكلة الإسكان.
ومعظم المعروض من الشقق السكنية فى الدول العربية يحدث من خلال الإسكان غير الرسمى وغير المخطط الذى يتناسب مع متطلبات الأغلبية منخفضة الدخل.
وتقدم مصر مثالاً فى هذه النقطة.
وفحص الخبير العمرانى، ديفيد سيمز، حوالى 20 مدينة فى الصحراء أطلقت منذ عهد الرئيس أنور السادات فى 1976، والتى كان من المفترض أن تضم أكثر من 20 مليون نسمة مجتمعين.
ولكن بحلول 2014، بلغ مجموع السكان فى هذه المدن مجتمعين أقل من مليون نسمة.
أما أغلب النمو السكانى، فتم استيعابه من خلال البناء غير الرسمى على الأراضى الزراعية المتفرقة القريبة من المدن الرئيسية، وتشكل العشوائيات %40 من المناطق الحضرية فى مصر.
كما أن معظم الاستثمار فى الإسكان من قبل شرائح الدخل الأعلى فى هذه المدن الجديدة لا يخدم الأهداف الاجتماعية المباشرة، ويمكن استهدافه بالضريبة العقارية دون تأثير سلبى على توافر السكن للأغلبية.
ولا يمكن حل المشكلات المزمنة المتعلقة بسياسات الضريبة العقارية وتحصيلها عبر المنطقة بين يوم وليلة. وستواجه التغييرات المفاجئة مقاومة قوية من أصحاب المصالح الذين تمتعوا لوقت طويل بالوصول إلى الأراضى بأسعار مدعمة ودون دفع ضرائب.
ولذلك يجب إدخال هذه الإصلاحات تدريجياً للسماح للمستثمرين والمنتجين بالتكيف مع المجموعة الصحيحة من السياسات التكميلية.
ومع ذلك، فإنَّ الحكومات ليس أمامها الكثير من الوقت لإضاعته، وهذا هو الدرس الذى يجب تعلمه من الاحتجاجات التى اندلعت فى شوارع لبنان وإيران ومصر وغيرها من دول المنطقة.
ويتعين على الدول العربية التحرك سريعاً لمعالجة إعادة التوزيع غير المتساوية للثروة دون الإضرار بالاستثمار والنمو، والضريبة العقارية نقطة انطلاق جيدة.

بقلم: عمرو عدلى

أستاذ مساعد فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة

 

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

التموين: الإعلان عن أسعار الخبز غير المدعوم خلال أسبوع

قال علي المصيلحي، وزير التموين والتجارة الداخلية في بيان اليوم،...

منطقة إعلانية