تتزايد الأدلة على أن شهر مارس الماضى يمثل بداية الركود العالمى، وربما يكون هذا التوقع- وفقا لمنظمة التجارة العالمية- توقعا متفائلا.
بدأ اتساع نطاق الانهيار الاقتصادى بالظهور فى البيانات الاقتصادية الأولية على مستوى العالم، كاشفا عن صدمة تجارية، وانخفاض فى الاستثمار التجارى وأعداد المستهلكين، وارتفاع معدلات البطالة التى أثرت بدورها على بعض الصناعات.
وأظهرت بيانات «آى.إتش.إس ماركيت»، أن محيطات العالم شعرت بالضربة التى تلقاها الطلب. فقد أظهر مقياس حجم الصادرات الأمريكية فى أول أسبوعين من مارس، انخفاض الشحنات إلى أقل من نصف المستوى المسجل قبل عام.
واشتدت حدة الضرر فى قطاع السيارات، إذ قفزت نسبة السفن الراسية فى الموانئ- المخصصة لنقل المركبات- إلى 19%، بارتفاع من 11% قبل عام، وفقا لبيانات «بلومبرج».
وبعد إعلان الولايات المتحدة، مؤخرا، عن فقدان وظائف بشكل أعلى من المتوقع، أظهرت بيانات أخرى لشهر مارس كيف تساهم جائحة فيروس كورونا فى رفع نطاق الشلل من المنتجين إلى الأسر، ومن القوى التجارية الكبرى إلى الاقتصادات والأسواق الناشئة المعزولة.
وشهدت ألمانيا تراجع تسجيلات السيارات الجديدة فى مارس- وهو عادة ما يكون شهر الذروة- بنسبة 38% عن العام السابق، وتراجع المؤشر فى المملكة المتحدة بنسبة 44%. وسجلت ثلاثة من أكبر الاقتصادات العربية تراجعا أيضا، وكان مؤشر الخدمات فى البرازيل عند أدنى مستوياته منذ عام 2016، كما انخفضت مبيعات السيارات فى جنوب أفريقيا بنسبة 30%.
وفى أستراليا، التى تفادت الركود لثلاثة عقود زمنية، تراجعت إعلانات الوظائف إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2009، رغم أن البلاد لم تدخل فى حظر صارم حتى نهاية الشهر الماضى.
وتحدث المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، روبرتو أزيفيدو، عن توقعاتها المعدلة مؤخرا للتجارة العالمية والنمو الاقتصادى، موضحا أن هذه الأرقام سيئة ولا يوجد مهرب منها.
ووضع مدير المنظمة العالمية، ومقرها جنيف، مجموعة من السيناريوهات، من انخفاض متفائل بنسبة 13% فى تجارة البضائع العالمية التى من شأنها التغلب على النسبة المسجلة خلال الأزمة المالية العالمية قبل 12 عاما إلى انخفاض تشاؤمى بنسبة 32% بشكل يتغلب على الكساد الكبير فى ثلاثينيات القرن الماضى.
وقالت منظمة التجارة العالمية، إن وجهة النظر التفاؤلية تعنى انكماشا بنسبة 2.5% فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى هذا العام،فى حين سيشهد السيناريو الأسوأ انخفاضا بنسبة 8.8%.
وأوضحت «بلومبرج» أن التباين الشاسع يعكس كثيرا من عدم اليقين بشأن توقعات منظمة التجارة العالمية، ولكن النتيجة النهائية ستتوقف على مدى سرعة احتواء كوفيد-19 وانتعاش سلاسل الإمداد.
وحث أزيفيدو ، الدول على العمل سويا بدلا من اعتماد حواجز التصدير فى مكافحة تفشى الوباء، قائلا: «إذا عملت الدول معا، فإننا سنشهد انتعاشا أسرع وأكثر قوة مما لو قامت كل دولة بالعمل بمفردها».
وتعكس الصورة القاتمة توقعات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، اللذين يتوقعان تراجعا كبيرا فى النمو العالمى هذا العام، فضلا عن التوقعات التشاؤمية بشكل كبير من خبراء الاقتصاد فى القطاع الخاص.
ووفقا لمتتبع الناتج المحلى الإجمالى العالمى التابع لـ «بلومبرج إيكونوميكس»، يفقد الاقتصاد العالمى المتراجع بالفعل زخمه بشكل أسرع مما كان عليه فى الأيام الأولى للأزمة المالية العالمية. فقد أظهرت قراءة شهر مارس تراجع الاقتصاد العالمى بمعدل سنوى يقدر بـ0.5% مقارنة بـ0.1% فى فبراير.
وتسببت عمليات الإغلاق الناتجة عن «كوفيد-19»، من الهند إلى إيطاليا، فى إغلاق الأنشطة التجارية وأبقت مليارات الأشخاص فى منازلهم لأسابيع، مما أثار صدمة متزامنة فى العرض والطلب وبالتالى أثرت على شبكات الإنتاج والخدمات اللوجستية العالمية المشيدة دون قدرة كافية لاستيعاب هزة بهذا الحجم.
اضطراب اقتصادى
فى الأيام الأخيرة، قالت الشركات، بما فى ذلك «إيرباص» فى أوروبا و «فيديكس» فى الولايات المتحدة، إنه من السابق لأوانه تقدير طول مدة الركود أو تقييم الضرر، مما يظهر مستوى من عدم اليقين يمتد إلى شبكات الموردين التابعة للشركات الصغيرة الواقعة غالبا فى المناطق الريفية والاقتصادات النامية. لذا سارعت الحكومات فى أوروبا والولايات المتحدة بتقديم المساعدة للشركات الصغيرة لمنع مزيد من عمليات الإغلاق بشكل دائم.
وأبلغت شركة «إيرباص»، التى تضم نحو 135 ألف عامل، الموظفين، فى رسالة بعثتها الأسبوع الماضى، أن العودة إلى العمل بشكل كامل أمر غير ممكن على المدى القصير بسبب نقص قطع الغيار وعدم قدرة شركات الطيران المتعثرة على استلام طائرات جديدة.
وفى الوقت نفسه، حذرت شركة «فيديكس» من إمكانية تأثير الفترة الطويلة، التى تتسم بالاضطرابات الاقتصادية واضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، بشكل سلبى ومادى على الأعمال التجارية للشركة. كما أن الركود العالمى الطويل سيرفع مستوى الضغط على الشركة، مشيرة إلى أنها تتخذ خطوات لإدارة التدفقات النقدية والسيولة، مثل مراجعة ودراسة الفرص والاستراتيجيات لخفض النفقات الرأسمالية أو تأجيلها.
حلقة مفرغة
مع تراجع الاستثمار وزيادة أعداد العاطلين عن العمل، يمكن أن تنخفض معدلات الناتج المحلى الإجمالى العالمية اعتمادا على المدة التى تحافظ فيها الحكومات على عمليات الإغلاق، والمتوقع استمرار العديد منها حتى مايو أو يونيو.
وتقدر منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، ومقرها باريس، أن كل شهر من الإغلاق الاقتصادى سيقابله انخفاضات بنسبة 2% فى نمو الناتج المحلى الإجمالى السنوى.
إذا لم يستطع العالم احتواء «كوفيد-19 « فى غضون عدة أسابيع، ربما يؤدى انخفاض الناتج وتراجع الطلب على التجارة إلى حدوث حلقة مفرغة تؤدى بدورها إلى تفاقم التوقعات الخاصة باستثمارات الشركات والتوظيف، وبالتالى تفاقم مشاكل سوق العمل.
ومع ذلك، لا تشير العلامات حتى الآن إلى نهاية سريعة وتعافى اقتصادى واضح.
وقالت شركة «هوندا موتور» مؤخرا إنها ستتوقف عن دفع أجور العمال فى كافة مصانعها العشرة فى الولايات المتحدة لثلاثة أسابيع، كما قدم أكثر من 10 ملايين أمريكى طلبات للحصول على إعانات البطالة الشهر الماضى، وحذرت منظمة العمل الدولية من خسارة نحو 25 مليون وظيفة إذا لم يتم احتواء الفيروس سريعا.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا