يشهد الاقتصاد الأمريكى، الذى انهار؛ بسبب أزمة صحية عالمية فى مارس الماضى، تعافياً كبيراً، لكن لا يزال أمامه طريق طويل لاستعادة قوته بشكل كامل.
وأوضحت وكالة أنباء «بلومبرج»، أنَّ تريليونات الدولارات من الدعم المالى الذى قدمه المشرعون، وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية التى أعلنها صانعو السياسة الفيدرالية لعبتا دوراً كبيراً فى إعادة إنعاش الاقتصاد فى الأشهر القليلة الماضية، لكن لا يزال هناك حالات تفاوت كبيرة فى مستويات التقدم فى القطاعات الاقتصادية المختلفة، منذ أن شهدت البلاد أسوأ انتشار للوباء.
انتعاش مفاجئ
اجتمع إنفاق الأسر القياسى، بقيادة مشتريات البضائع، والقفزة الأكبر فى الإنفاق التجارى على المعدات، لدفع أكبر اقتصاد فى العالم فى الربع الثالث لتسجيل أسرع وتيرة نمو منذ أن بدأت الحكومة فى حفظ سجلات تلك البيانات فى أربعينيات القرن الماضى.
ومع ذلك، لا يزال حجم الاقتصاد منخفضاً عن ذروته التى وصل لها فى نهاية العام الماضى، حتى فى ظل تسجيله معدل نمو قوياً فى الربع الثالث.
وأظهر تقرير حكومى، صدر الأسبوع الماضى، أيضاً، أنَّ الدخل لا يزال مرتفعاً، ما يمنح الأسر الأموال اللازمة لمواصلة الإنفاق، فى حين أن الأعمال التجارية ومخزونات الإسكان لا يزال لديهما القدرة على تعزيز التصنيع والبناء.
القوة النارية للمستهلك
تعتبر قيمة مبيعات التجزئة أعلى من مستويات ما قبل تفشى الوباء؛ حيث حوَّل الأمريكيون إنفاقهم بعيداً عن الخدمات، مثل الوجبات فى الخارج والسفر، وبدلاً من ذلك توافدوا على وكلاء السيارات ومتاجر المستلزمات المنزلية وتجار التجزئة عبر شبكات الإنترنت.
وتجاوز نمو الدخل، حتى مع استبعاد مدفوعات الحكومة الفيدرالية، الإنفاق، لكن لا يزال من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الإنفاق فى العطلات فى شهرى نوفمبر وديسمبر سيعزز الاقتصاد بشكل أكبر حتى نهاية العام.
قطاع الإسكان
أسهمت معدلات الرهن العقارى المنخفضة بشكل قياسى ورغبة الأمريكيين فى بناء منازل أكبر، خاصة فى الضواحى- حيث أجبر الوباء ملايين الأشخاص على العمل من المنزل- فى إشعال طفرة فى قطاع الإسكان خلال العام الجارى، وهى واحدة من النقاط المضيئة بشكل مفاجئ فى الاقتصاد الذى يعانى من الوباء.
فى سبتمبر الماضى، كانت العقارات الحالية معروضة فى السوق لمدة 21 يوماً فى المتوسط، وهو أدنى مستوى على الإطلاق.
والجدير بالذكر، أنَّ هذا الطلب المرتفع أسهم فى دفع الأسعار إلى مستوى قياسى مع انخفاض المخزون، ما ينذر بتشييد أقوى للمبانى السكنية حتى بداية عام 2021 على الأقل.
قطاع التصنيع
انتعش الإنتاج الصناعى بسرعة بعد عمليات الإغلاق، على الرغم من استقرار وتيرة التحسن فى الأشهر الأخيرة، كما أن مقياس الاحتياطى الفيدرالى لإنتاج المصانع لا يزال أقل من مستويات ما قبل الوباء.
وهناك خبر سار يدور حول أن طلب المستهلكين، خاصة على السيارات، والاستثمار التجارى الأقوى ترك المخزونات هزيلة للغاية، ما يشير إلى أن التصنيع سيواصل الارتفاع.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت أحدث الدراسات الاستطلاعية الإقليمية التابعة للبنك الاحتياطى الفيدرالى، أنَّ المزيد من المصانع تبلغ عن طلبات أقوى، لكن الاقتصاد العالمى لا يزال يتأرجح، ما يمثل بيئة مليئة بالتحديات بالنسبة للمنتجين الأمريكيين الذين يأملون فى نمو الصادرات بشكل أقوى.
الاستثمار فى الأعمال التجارية
لم يقتصر الطلب المكبوت على قطاع الخدمات الاستهلاكية فقط، بل سجل الاستثمار التجارى فى معدات، مثل معدات الاتصالات والآلات وأجهزة الكمبيوتر، انتعاشاً ملحوظاً فى الربع الثالث، فقد بلغت قيمة شحنات السلع الرأسمالية الأساسية وكذلك الطلبيات أعلى مستوى لها، فى ستة أعوام، فى شهر سبتمبر الماضى.
ومع ذلك، تعتبر التوقعات أقل يقيناً إلى حد كبير، وانتقلت فكرة الحفاظ على رأس المال لاحتلال مركز الصدارة داخل الشركات الأمريكية؛ بسبب الوباء، كما تؤكد بيانات الاستفادة من المصانع الركود المستمر، الذى يثير تساؤلات عن الحاجة إلى نفقات استثمارية كبيرة فى المستقبل.
تداعيات سوق العمل
يمكن القول؛ إنَّ سوق العمل هو الجزء الأكثر تضرراً فى الاقتصاد، فقد انخفضت العمالة بأكثر من 22 مليون فى شهرى مارس وأبريل، أى أثناء ذروة الوباء وفى ظل إغلاق الحكومة للاقتصاد، لكن سوق العمل استعاد ما يزيد قليلاً على نصف تلك الوظائف خلال الأشهر الخمسة التالية.
وحتى فى قطاعات، مثل البناء وتجارة التجزئة- حيث انتعش الطلب بشكل حاد- تشهد كشوف الأجور نمواً، لكنها لا تزال منخفضة عن ذروة ما قبل الوباء.
بالنسبة لشركات السفر والترفيه والخدمات الغذائية- حيث لا تزال القيود الحكومية سارية المفعول إلى حد كبير- يواجه سوق العمل معاناة كبيرة الحجم.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا