يحتاج سوق السندات عالية العائد اسما جديدا، وانخفض متوسط العائد الأسبوع الجارى عبر ما يعرف بالسندات مرتفعة العائد فى الولايات المتحدة إلى نحو 3.9%، وهو ما يزيد بفارق بسيط عما تدفعه «جونسون آند جونسون» – واحدة من شركتين فقط فى العالم تحمل تصنيف «AAA» – كعائد سنوى لسنداتها لأجل 10 سنوات الصادرة فى 2011، ولم تكن تعتبر الشركة عالية العائد حينها، وجمعت «مايكروسوفت» – الشركة الأخرى الحاملة نفس التصنيف الائتمانى – أموالا لأجل 10 سنوات فى 2013 بكوبون يبلغ 3.63%، وهى لم تكن نسبة عالية كذلك.
ومنذ أسبوعين، أصبحت «سنتين كوروبورايشن» (Centene Corporation)، ثانى شركة العام الجارى تصدر سندات عالية العائد لأجل 10 سنوات بفائدة 2.5%، ومنذ عامين كانت الحكومة الأمريكية تدفع عائدا يزيد على ذلك.
وحتى فى فترات فائض المعروض من السندات قبل أزمة 2008، وصل متوسط العائد إلى مستوى منخفض فى 2004 يبلغ 6.8%، وفقا لمزودة البيانات «آيس داتا سيرفيسيز»، ويقول مات إيجان، مدير محفظة فى «لوميز سايلز»، إن ذلك يعنى بالنسبة للمستثمرين اليوم أنهم يحملون نفس المخاطر ولكن بعائد أقل بكثير، وأضاف: «لا أحب حقيقة انخفاض العائد بهذا القدر ولكن بالأخير هذه هى البيئة التى نعمل بها»
وهذه ليست ظاهرة جديدة بالكامل، ففى أوروبا، تدفع السندات عالية العائد أقل مما تدفعه الولايات المتحدة منذ بعض الوقت، وربما يكون الاسم الأفضل هو سوق السندات ذات العائد الأعلى، وبذلك سيصف الاسم بوضوح بعض القوى العاملة فى السوق، وحاليا يقف العائد الإضافى التى تقدمه تلك السندات فوق سندات الخزانة الأمريكية – أو ما يطلق عليه فارق العائد – عند حوالى 3.5%، وهو ما يمثل العلاوة التى يطلبها المستثمرون مقابل امتلاكهم تلك الديون بدلا من سندات الخزانة فائقة الأمان.
وعند مستواه الحالي، يعد الفارق فى العائد منخفضا ولكن ليس بنفس القدر الذى كان عليه سابقا، وأدنى فارق قبل أزمة 2008 كان عند 2.5% فى 2007، وقبل ذلك، كان الفارق أقل من 4% منذ يونيو 2005، والفرق بين اليوم وحينئذ أن عائدات السندات الحكومية كانت أعلى، وفى الفترة ما بين 2004 و2006، رفع الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة من أقل من 1% إلى أعلى من 5%، أما الحد الأدنى لفائدة الفيدرالى حاليا قرب الصفر.
ويعنى ذلك أن المستثمرين لا يسعرون مخاطر إقراض الشركات الأقل تصنيفا بشكل مختلف عما فعلوا فى الفترات السابقة لانتعاش سوق الأوراق المالية الأمريكية، ويكمن السؤال فى إذا ما كانوا ينبغى أن يكونوا متفائلين اليوم أم لا، خاصة وأنه لم يمر على الوباء سوى عام واحد.
وتتمثل حجة التفاؤل فى أنه مع توزيع الأمصال وإعادة فتح الاقتصاد ستتجه الولايات المتحدة نحو دورة نمو من شأنها أن تساعد على رفع السندات الأقل جودة ائتمانية، ولكن تقول السخرية ، أو ربما الحكمة ، إنه مع فروق العائد المنخفضة جدًا، لا يوجد مجال لامتصاص الخسائر إذا فشل التعافى فى ترسيخ جذوره، ويقول إيجان: «هذا هو الخطر الكبير».
والآفاق الاقتصادية ليست العامل الوحيد فى اللعبة، وهناك عامل مهم آخر وهو مقدار الأموال التى يريد المستثمرون إنفاقها، والخيارات الاستثمارية الأخرى المتاحة، وفى ظل انخفاض عائدات سندات الخزانة بشدة، يسعى المستثمرون لاقتناص السندات عالية العائد لتحقيق عائدات أفضل، وربما ينبغى أن نطلق على هذه الفترة «أرجوك! اعطنا بعض العائد»، وفى نفس الوقت، فإن فرص شراء السندات الجديدة هزيلة على أرض الواقع، والنتيجة هى طوفان من الأموال يطارد صفقات أكثر خطورة، ويقلص بقدر أكبر الفارق فى العائد.
وهناك مخاطر أخرى أيضا بشكل عام، فكلما يتحسن الاقتصاد، سيرفع الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة، وهو ما سيضر بأسعار السندات ثابتة العائد ولكن سيقابل ذلك انخفاض فى فوارق العائد نتيجة تحسن الجدارة الائتمانية للشركات.
ولكن إذا لم ينطلق الاقتصاد الأمريكى انطلاقة حقيقية فى 2021، فإن رفع أسعار الفائدة سوف يأكل قيمة السندات منخفضة العائد، لأنه يوجد مساحة كبيرة لانخفاض الفوارق الائتمانية أكثر.
وسعى الفيدرالى لتهدئة مثل هذه المخاوف، وتعهد بإبقاء السياسة النقدية فضفاضة حتى مع بدء ترسخ التعافي، ورغم ذلك، فإن القوى التضخمية تم تسعيرها فى السوق، وتضاعف العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بالفعل خلال الأشهر الخمسة الماضية.
ومع ذلك، هناك حجة تدعم استمرار المستثمرين فى الإقراض بغض النظر عن المخاطر، فقد أثبت الفيدرالى فى مارس أن لديه القدرة على التدخل فى أسواق الائتمان فى حالة وقوع ركود، ما عزز التعافى فى الأسعار، وقال مصرفى متخصص فى الديون: «عندما يتوقف الفيدرالى عن الدعم، ستكون النتائج سيئة للغاية، وأعتقد أن يوم الحساب، إذا وصلنا إليه يوم ما، سيكون كارثيًا».
بقلم: جو رينيسون
محلل الأسواق الرأسمالية لدى صحيفة فاينانشال تايمز
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا