«احترسوا من بدر مارس» (مسرحية يوليوس قيصر، الفصل الأول المشهد الثاني)
يبدو أن الجميع يجد صعوبة فى إيجاد الطرق الأفضل لاستثمار النقدية، وأدى ذلك إلى نقص فى أذون الخزانة فى الأسواق المالية، وهو نوع الإصدارات التى يمكن أن تستخدم كضمان لتداولات أخرى، ويقول المحلل سلطان بوتسار، من «كريدى سويس»: «انتهت تخمة المعروض من أذون الخزانة لأجل ثلاث سنوات وأطول، والتى امتدت من 2018 حتى بداية فبراير».
وأمر «الفيدرالى» بطباعة أموال من فئة الـ100 دولار، بما يعادل 230 مليار دولار – وهو ما يكفى لإرسال ألف دولار نقدا إلى كل رجل وامرأة وطفل فى الولايات المتحدة – ولكن هذه الأموال فئة 100 دولار لن تذهب للأمريكيين، وتم شحن %80 منها من مكتب طباعة الأموال إلى البنوك غير الأمريكية مباشرة.
ويستخف الأشخاص الأكثر علما بالدولار، فى حين يخزنه بغزارة أكثر الناس شعورا بالخوف، وغيرهم ممن يقومون بأعمال فى الظلام.
ويمكن أن تكون حالات الفزع المالى – خاصة تلك التى لا تؤدى إلى ركود اقتصادى أوسع – مفيدة للبعض.
وفى حين تظهر من العدم، فهى تجبر الأسواق والساسة على الانتباه إلى مواطن الإفراط التى تم تبريرها وإلى المشكلات التى تم تجاهلها.
وينبغى وضع جانبا وإن كان بشكل مؤقت، التكهنات المالية العشوائية والسياسات الحزبية حتى يتم الاتفاق على تغييرات غير شعبية ومعقدة وغير مألوفة.
ويبدو الأسبوعان الأخيران من مارس المقبل بمثابة تمهيد لبعض الفزع فى أسواق سندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية المدعومة برهن، ولن يشكل هذا الفزع نهاية العالم، ولكن الأمر سيشبه كونك فى طائرة ركاب تهبط فجأة عدة آلاف من الأمتار.
وكانت الإشارات الفورية الأكثر بروزا هى الهبوط فى عائدات أذون الخزانة قصيرة الأجل منذ بداية العام، وفى الأسابيع الستة الأولى من 2021، هبطت عائدات أذون الخزانة بأكثر من %66، وتراجع عائد الأذون لأجل عامين بأكثر من %21، وتلك تعد تحركات أكثر قوة من أى أوراق مالية أخرى تتداول على نطاق واسع.
وعلى عكس الأداة الأخرى المفضلة للفيدرالى وهى ودائع «الاحتياطيات الفائضة للبنوك» فى البنك المركزى، تعد أذون الخزانة بمثابة «ضمان»، ويمكن أن تستخدم فورا للإقراض أو لضمان معاملات أخرى، وعندما يشعر الأشخاص أو المؤسسات فى النظام المالى العالمى بعدم الحماسة أو الثقة فى بعضهم البعض، فهم يطلبون ضمانات أكثر.
ويبدو أن درجة عدم الثقة تلك ترتفع سريعا، ويمكنك أن ترى ذلك من خلال ليس فقط النظر إلى نتائج مزادات أذون الخزانة الرسمية، وإنما من نطاق العطاءات فى المزادات، وتعنى العطاءات الأقل أن المتداولين مستعدين لقبول أسعار فائدة منخفضة والتى وصلت إلى نقطة أساس واحدة مؤخرا، فقط لمجرد التأكد من أنهم حصلوا على جزء من هذا الضمان.
وفى الوقت نفسه، يتقلص معروض أذون الخزانة لأن وزارة الخزانة تريد إعادة التوازن لإصداراتها من خلال استرداد الأذون وبيع مزيد من السندات الأطول أجلا.
وهو ما يفسر جزئيا ارتفاع لا متوقع العام الحالى فى عائدات سندات الخزانة لأجل 10 و30 عام، والتى وصلت خلال الأسبوع الماضى إلى ما يزيد على %1.25، وهو ما أثار بدوره موجة من نشاط التحوط من قبل البنوك التى تقدم قروضا مدعومة برهن عقارى.
وكلما ارتفعت أسعار الفائدة، قل عدد الرهون العقارية التى يعاد تمويلها بأسعار فائدة أقل، وبالتالى يزداد «أمد» ارتفاع أصولها.
ولتخفيف مخاطر ما يعرف بـ«التحدب» (التحدب هو مقياس للعلاقة بين الأسعار والعائد، ويوضح كيف يتغير الأمد مع تغير سعر الفائدة، وعليه، فكلما زاد التحدب فى المنحنى، يعنى ذلك ارتفاع الأسعار تزامنًا مع انخفاض أسعار الفائدة، والعكس صحيح)، يتعين عليهم بيع ما يعادل عشرات أو ربما مئات الملايين من مشتقات سندات الخزانة، وهو ما يعزز بيع سندات الخزانة ويهدد بـ»دوامة تحدب» غير مشهودة منذ 2003، وفى الوقت نفسه، يتطلب ضمان ازدياد نشاط المشتقات بأذون خزانة التى ينقص معروضها.
وإذا كان تخمينى صحيحا، فسنشهد «حدثا» شهدنا مثله منذ عام، ولا نعرف لماذا يحدث الجمود فى الأسواق فى شهرى مارس وسبتمبر، وكأنها نوع من دورة ما، وهو ما قد يساعد ولو للحظات فى تجاوز المشكلات السياسية الخاصة برفع سقف الديون، وقد تحصل البنوك الكبرى على إعفاء لمدة عام آخر بشأن تقليص قاعدة أصولها.
بقلم: جون ديزارد
كاتب مقالات رأى لدى “فاينانشيال تايمز”
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا