مقالات

محمد العريان يكتب: الحياة تصبح أكثر صعوبة على البنوك المركزية

ﻷسباب خارجة عن سيطرته، يُلام «الاحتياطى الفيدرالى» بشدة على عدم الاستقرار فى الأسوق المالية ومخاطر تقويض الاقتصاد الأمريكى، وهذا يعد تناقضا واضحا منذ أشهر قليلة ماضية، عندما كان ينتقده كثيرون على دوره كقامع ناشط وفعال للتقلبات السوقية المالية.
وكذلك قد تكون المسألة مسألة وقت، قبل أن يجد البنك المركزى الأوروبى نفسه فى وضع مشابه وربما أصعب.
وفى الواقع، فقد دخل البنكان فى مرحلة جديدة أقل يقينية ستدوم على الأرجح لبعض الوقت.. وستتطلب تقدما حذرا، وتواصلا سياسيا، وبعض التغييرات التشغيلية.
ومع خروجها من الأزمة المالية العالمية فى 2008، سلكت البنوك المركزية طريقا عزز أسعار الأصول كوسيلة لدعم الاقتصاد، وقمعت التقلبات من خلال خفض أسعار الفائدة، وشراء كميات هائلة من السندات.. وعندما كانت تحدث نوبة تقلبات فى الأسواق، كانت تتحرك سريعا لطمأنة الأسواق بأن دعمها واسع ومتواصل.
ولكن كان لهذه المرحلة غير المسبوقة للبنوك المركزية حدود طبيعية.
وكما فصلتُ فى كتابى الصادر فى 2016، فإن مزايا شراء الوقت للاقتصاد لكى يتعافى لها تكاليف وعواقب غير مقصودة، ونتيجة لذلك، عندما ظهرت الظروف المواتية لتطبيع السياسة، استجاب «الفيدرالى» من خلال وقف برنامج مشتريات الأصول، ورفع أسعار الفائدة 9 مرات، وقلص ميزانيته ببطء.
وتلاه «المركزى الأوروبى» بخطوات متاخرة كثيرا، وبعدما قلص برنامج شراء الأصول خلال الشهور القليلة الماضية، سيوقفه بنهاية العام الحالى، وقد يبدأ رفع أسعار الفائدة فى الصيف المقبل.
ولكن.. ما بدأ كعملية سلسة نسبيا ومنظمة، أصبح أكثر إشكالا، خصوصا بالنسبة لـ«الفيدرالى» الذى يتهم بزعزعة استقرار الأسواق المالية ويهدد سلامة اقتصاد الدولة.
وتختبر أسواق الأسهم تأرجحات عنيفة خلال اليوم الواحد. وتسبب تراجع الأسعار فى أن يكون شهر ديسمبر هو أسوأ ديسمبر على الإطلاق للأسهم. وعلاوة على ذلك، ظهر مؤشر معنويات الأسر دون التوقعات وكذلك هبطت ثقة المستهلك.
ومع ذلك، فإن معظم التقلبات فى الأسابيع الماضية تعود إلى عوامل خارجة عن سيطرة «الفيدرالي«، وتتضمن التوسع العالمى الأبطأ نظرا لمعاناة اوروبا والصين فى تطبيق سياسات داعمة للنمو، والمخاوف الاقتصادية الأخرى مثل الإغلاق الجزئى للحكومة الفيدرالية الأمريكية والسياسة التجارية حيث تنتظر الأسواق لترى ما التنازلات التى ستقدمها الصين للولايات المتحدة لإنهاء الحرب التجارية بين البلدين.
ومن العوامل الأخرى أيضا انفصال أسعار الأصول لسنوات عن الأسس الاقتصادية بسبب السيولة الوفيرة والمتوقعة، وانتشار استراتيجيات الاستثمار السلبية وصناديق المؤشرات التى تعد بسيولة كبيرة فى جوانب من السوق أقل سيولة.
والمسألة مسألة وقت قبل أن تنتقل الأضواء لـ«المركزى الأوروبى»، الذى لم يجذب نفس الاهتمام حتى الآن، لأن عملية التطبيع لا تزال تركز على سياسة الميزانية وليس التحركات الواضحة فى أسعار الفائدة.
ومع ذلك، فإن تقليص الميزانية يواجه الكثير من الشكوك بسبب النمو البطيء لمنطقة اليورو، والضعف فى النظام المصرفى للمنطقة، والمديونية المفرطة فى بعض الأماكن والجمود السياسية الذى يعوق الإصلاحات الهيكيلة والمالية المطلوبة.
واستنادا على هذه الخلفية، ازدادت مخاطر تقويض التقلبات للاقتصاد العالمى، وفقدان بعض المستثمرين للثقة فى طريقة العمل المنظمة للأسواق المالية. ومن الطبيعى أن يعوق ذلك رؤية فوائد التحول المنتظر منذ وقت طويل لنظام مالى أقل تشوها، وإلا كان استمرار التدابير غير المسبوقة سيجلب أضرارا اقتصادية أكبر مع الوقت.
ولايوجد طريق سهل للخروج من الفترة الانتقالية.. وبالفعل ستسلط الأضواء أكثر على «الفيدرالى» العام المقبل، وسيظهر ذلك فى المؤتمرات الصحفية التى سوف تعقد بعد كل اجتماع للجنة السوق المفتوح الفيدرالية، حيث سيُطلب من رئيس «الفيدرالى» جيروم باول، أن يشرح القرارات والخيارات والتوقعات السياسية الصعبة وغير اليقينية.
وأيا كانت الزاوية التى تنظر بها للأمر، ستتعرض البنوك المركزية لمزيد من الانتقاد من الساسة والمشاركين فى السوق والمحللين، وبعد أن قلت ذلك، توجد بعض الأشياء القليلة التى بإمكانهم القيام بها.
ففى حالة «الفيدرالى» على سبيل المثال يمكن اتخاذ خطوات تتعلق بتعديل أساليب التواصل التى أطلقها باول مثل التأكيد بشكل مستمر وموثوق على أن صناع السياسة منتبهين لمخاطر الأثار المرتدة من الاقتصاد العالمى المتباطئ والتقلبات السوقية، والإشارة إلى احتمالية مراجعة التقليص التلقائى للميزانية، وكذلك التخلص التدريجى من المخطط النقطى الذى يصدر بشكل دورى من الفيدرالى ويوضح توقعات المسئولين بشأن الرفع المستقبلى للفائدة واستبداله بأنواع تواصل أخرى توضح النتائج المحتملة لكل قرار سياسى، وهو ما يشبه تقريبا ما يفعله البنك المركزى البريطانى فى تقرير التضخم الربعى الذى يصدره.
وهذه الخطوات لن تبعد «الفيدرالى» عن النيران، ولكنها ستلعب دورا فى خفض مخاطر الأخطاء السياسية والأحداث السوقية.

محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية