مقالات

محمد العريان يكتب: الطلب عاد.. والمشكلة تكمن فى جانب العرض

ما الفارق الذى أحدثه عام للعديد من رؤساء الشركات فى الاقتصادات المتقدمة. قبل حوالى 12 شهراً، كانوا يعانون الاختفاء المفاجئ والوحشى في الطلب على منتجاتهم.. واليوم، الطلب ليس مشكلة بالنسبة لمعظمهم لأنه يتزايد.

وبدلاً من ذلك، فهم يكافحون من أجل تأمين الإمدادات بدءاً من المدخلات من المواد الخام إلى العمال اللازمين لتلبية هذا الطلب، وستحدد عواقب ذلك ما هو أكثر بكثير من نجاح الشركة.

يعزز الاستهلاك والاستثمار القويان بفضل إعادة فتح الاقتصاد والميزانيات العمومية القوية للشركات والأسر، الطلب الكلى إلى درجة فاجأت الكثيرين سواء كانوا مديرين تنفيذيين أو اقتصاديين أو صناع سياسات أو محللين فى «وول ستريت»، وهى ظاهرة من المرجح أن تستمر فى الأشهر والأرباع المقبلة، خصوصاً فى تلك البلدان القادرة على احتواء عدوى «كوفيد 19» وتطعيم العديد من المواطنين والوقاية من السلالات الجديدة للفيروس.

ويمثل جانب العرض تحدياً أكبر بكثير.. وفى الواقع، إنه فى حالة فوضى كبيرة.

تؤدى الاختناقات وأوجه الجمود الأخرى إلى تعطيل العديد من سلاسل التوريد، وأصبح تأمين الشحن، بما فى ذلك توافر الحاويات، أكثر صعوبة، ويضيف تفشى فيروس «كوفيد 19» فى بعض البلدان التى تعد جزءاً لا يتجزأ من سلاسل التوريد العالمية – مثل بنجلاديش والهند وفيتنام – وحالات عدم اليقين الجيوسياسية، بما فى ذلك التوترات الدورية بين الصين والولايات المتحدة وأوروبا، على الصداع الذى يواجه أولئك الذين لا يحاولون فقط الحصول على المواد الخام لمصانعهم فى الوقت المناسب وبطريقة فعالة من حيث التكلفة، ولكن أيضاً لتلبية الطلب الموسمى على منتجاتهم النهائية.

وما يزيد هذه المشكلة تعقيداً هو نقص العمالة المحير، والذى نتج عنه الأسبوع الماضى، أكبر خطأ فى التنبؤ ببيانات الوظائف غير الزراعية فى الولايات المتحدة.

وبالفعل، رفعت «أمازون دوت كوم»، و«ماكدونالدز كورب» أجور المبتدئين فى محاولة لمواجهة النقص المتزايد فى العمال، ومن المؤكد أن العديد من الشركات الأخرى ستتخذ الخطوة نفسها.

قد يساعد هذا فى جذب بعض الأشخاص الذين يستفيدون من إعانات البطالة إلى القوة العاملة، ولكن من غير المرجح أن يتغلبوا على العوامل المختلفة التى تُبقى العمال المحتملين خارج العمل مثل نقص رعاية الأطفال، والمدارس المغلقة، وعدم تطابق المهارات.

وكلما سمعت أكثر من الشركات التى تتعامل مع كل هذه المشكلات، قل اقتناعى بأن مشاكل جانب العرض ستتبدد قريباً، وبدلاً من ذلك، قد يتفاقم الوضع قبل أن يتحسن.

وفى سعيها لحماية هوامش ربحها، ستميل العديد من الشركات إلى تمرير تكاليف المدخلات الأعلى إلى الأسعار النهائية، وتعد احتمالية استمرار مثل هذه الزيادات فى الأسعار مرتفعة بالنظر إلى الطلب المتزايد والتركز الصناعى المرتبط بـ«كوفيد» الذى حمى، وفى بعض الحالات، عزز قوة تسعير العديد من الشركات.

وعندما يتعلق الأمر بالسياسات، فإن الاضطرابات المتزايدة فى جانب العرض تزيد من أهمية تحرك الكونجرس بشكل عاجل للنظر فى مقترحات البنية التحتية التى طرحتها إدارة بايدن، إذ إنها لا تحاول فحسب تحسين أداء سلاسل التوريد وزيادة الإنتاجية، وإنما تتضمن تدابير لتشجيع مشاركة أكبر من قبل القوى العاملة وتقليل مشكلة عدم تطابق المهارات بمرور الوقت. ثم هناك الاحتياطى الفيدرالى، الذى يصر مراراً وتكراراً على أن الضغوط التضخمية مؤقتة وقابلة للانعكاس، فى حين أن الأمر سيستغرق عدة أشهر أخرى من البيانات لتقييم طبيعة ارتفاع التضخم وديمومته، لكن هناك بالفعل أدلة كافية على مستوى الشركات والاقتصاد الكلى تشكك فى أن ارتفاع الأسعار سيكون «مؤقتاً».

وبدلاً من تكرار هذه العبارة وكأنها تعويذة ما وزيادة احتمالية تحقق سيناريو واحد أساسى من الأفضل أن ينظر الاحتياطى الفيدرالى فى مجموعة من النتائج المحتملة، وهذا من شأنه أن يمكّنه من تطوير استجابة وتوصيل بحذر رسالة مفادها أنه مستعد لاستجابات سياسية أكثر سرعة وفى الوقت المناسب إذا لزم الأمر.

لسنوات عديدة، شعر العديد من المحللين وصانعى السياسات أن التحدى الاقتصادى الأكثر أهمية الذى يواجه العديد من البلدان المتقدمة هو النقص الحاد فى الطلب الكلى، ولكن اليوم وفى الأرباع القليلة القادمة، سيكون جانب العرض هو المحدد الرئيسى لنجاح الشركات وصانعى السياسات والاقتصاد ككل.

بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادى لشركة «أليانز»، و«جرامسرى»، ورئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

البنك الأهلي يستحوذ على 24% من رأسمال “هايد بارك” العقارية

استحوذ البنك الأهلي المصري على حصة البنك العقاري المصري العربي...

منطقة إعلانية