مقالات

محمد العريان يكتب: ما الذى يخبرنا به الأسبوع الماضى عن مستقبل السوق؟

ظهرت ثلاثة أحداث بوضوح فى الأنباء المالية الأسبوع الماضى، وكان كل حدث منهم له أهمية خاصة.
ولكن اجتماع الأحداث معاً، يشير إلى المخاطر فى الأشهر القادمة والمتمثلة فى أن التقلبات وقلق المستثمرين قد يعقبان ما كان ربع أول مريحاً ارتفعت فيه العائدات عبر فئات الأصول المختلفة، وكانت التقلبات منخفضة نسبياً، وارتباطات الأصول محببة.
أولاً: الملحمة الفوضوية لخروج بريطانيا
كان البرلمان مجدداً، غير قادر على التوصل لإجماع بشأن مستقبل علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبى، ورفض للمرة الثالثة مقترحاً قدمته حكومة تيريزا ماى. كما رفض ثمانية بدائل أخرى قدمها المشرعون.
وما سيأتى لاحقاً بعيد كل البعد عن الوضوح، خصوصاً مع انتهاء الموعد النهائى الذى وضعه الاتحاد الأوروبى فى أقل من أسبوعين، وتضيف الانتخابات البرلمانية الأوروبية، فى مايو، المزيد من التعقيدات، ومن المحتمل أن تستمر ملحمة الخروج بالنظر إلى عدم رغبة الحكومة البريطانية الحالية والمسئولين الأوروبيين فى أن يذكرهم التاريخ كالقوة الحاسمة فى الانفصال غير المنظم.
وأثارت أحداث الأسبوع الماضى احتمالية ثلاثة «تطورات لاحقة».. وهى خروج غير منظم، أو استفتاء ثانٍ، أو انتخابات عامة مبكرة. وإحدى الرسائل التى تبعث بها هذه الأزمة بشكل مستمر، هى أن النمو الاقتصادى سيكون مجدداً ضحية العملية السياسية التى تعرف تحديداً ما تريده أكثر من كيف السعى وراء تحقيقه.
وهذا صحيح بشكل خاص بالنسبة لبريطانيا، المرجح أن تواصل المعاناة من عدم اليقين وتأجيل الاستثمارات والنمو المنخفض.
وتعامل الاتحاد الأوروبى مع خروج بريطانيا سيؤثر كذلك على النمو الأوروبى، وإن كان بقدر أقل، ويفاقم مشكلة عدم وجود القيادة الحاسمة التى فشلت فى تطبيق سياسات داعمة، فى الوقت الذى يمكن أن ينخفض فيه النمو بسهولة إلى نصف مستوى العام الماضى، وإذا كان النمو عند 1% أو أقل، فستصبح مشكلات الركود أكبر لقطاعات ودول بعينها، وهو ما سيجعل أوروبا تهديداً أكبر للنمو العالمى والاستقرار المالى للدول الناشئة بشكل خاص.
والحدث الثانى: تعقيدات «الفيدرالى»
بعد التأكيد على تحوله الكبير نحو النهج التطمينى فى 20 مارس الماضى، كان «الفيدرالى» يأمل فى أن يبقى بعيداً عن الأضواء لفترة، ولكن بدلاً من ذلك، وجد نفسه فى حرب علنية متصاعدة.
وحذر العديد من المسئولين فى «الفيدرالى»، الأسبوع الماضى، من أن خفض الفائدة غير محتمل العام الحالى، فى حين أشار البعض إلى أن الرفع خارج المناقشة، وفى الوقت نفسه، اندفعت الأسواق للاستعداد لخفض فى الفائدة فى الربع الرابع، وعاد البيت الأبيض مجدداً للضغط على الفيدرالى.
وتزيد هذه الإشارات المتضاربة احتمالية حدوث تقلبات مثارة من قبل «الفيدرالى» وكذلك ترفع مخاطر الأخطاء السياسية، وترتفع هذه الاحتمالات فى أوروبا بالنظر إلى السياق الاقتصادى الأصعب مع خضوع البنك المركزى الأوروبى لتغيير فى القيادة، وكل ذلك يحدث مع زيادة الضغوط على استقلالية عمل البنوك المركزية.
والحدث الأخير: الإشارات المختلطة من الأسواق
رغم أن التحركات فى السندات الحكومية جذبت الكثير من الاهتمام، ليس من الواضح إذا كان ينبغى تفسيرها على أنها علامات على ركود قادم كما اقترح البعض.وعلاوة على ذلك، نفت مؤشرات أخرى فى أسواق الأسهم والدخل الثابت وجهة النظر تلك، فالفروق فى العائد سواء فى سندات الشركات أو سندات الأسواق الناشئة ظلت مستقرة، وخلقت الطروحات الأـولية للجمهور، وخاصة طرح «ليفت»، المُراقب عن كثب، والإصدارات الجديدة للسندات طلباً قوياً من قبل المستثمرين. وبالطبع كان هناك بعض حالات الاختلال فى تركيا على سبيل المثال توقعاً للانتخابات المحلية يوم الأحد الماضى، ورغم ذلك فقد ظل محتواه بدون أى عدوى تذكر.
السياق السوقى والآفاق:
سجل هذا الأداء القوى، وحالات الارتباطات غير المعتادة تاريخياً (مثل بين السندات الحكومية والأسهم) نهاية ربع اتسم بالعائدات الأعلى منذ سنوات عديدية فى قطاعات كثيرة من السوق مثل الأسهم وسندات الشركات والأوراق المالية وسندات الأسواق الناشئة، كما استقرت مؤشرات التقلبات، وهبط مؤشر «فيكس» خلال الربع من 25.5 فى يناير إلى 13.7 نقطة فى 29 مارس، كما انكسرت الارتباطات بشكل واضح لصالح المستثمرين؛ حيث تحركت الأسهم والسندات والسلع لأعلى جميعها خلال الربع.
وحدث كل ذلك رغم البيئة الاقتصادية والسياسية العالمية التى كانت على أقل تقدير مائعة بقدر ما كانت أثناء التطورات السلبية فى الأسواق فى الربع الأخير من 2018، ويوضح ذلك مجدداً إلى أى مدى يمكن أن يعوض التحول فى مواقف البنوك المركزية نحو نهج أكثر طمأنة – سواء فى أمريكا أو أوروبا – بجانب النقدية التى تم ضخها فى الأسواق من ميزانيات الشركات عن عدم اليقين فى النمو العالمى والسياسة عندما يتعلق الأمر بتفضيلات المستثمر للمخاطر واختيار الأصول.
وبينما يتعين على المستثمرين الاحتفال بالربع المربح والتحسن الملحوظ من مآسى الأشهر الثلاثة السابقة، ينبغى عليهم تذكر أن محرك الأوقات الجيدة – وهى السيولة الوفيرة – أصبح تأثيرها محدوداً خاصة فى ظل التقييمات الحالية، وفى غياب التحسن المدفوع سياسياً فى الأسس الاقتصادية، ينبغى أن يستفيد المستثمرون من حظوظهم الجيدة للاستعداد للتقلبات الأعلى، والارتباطات الأقل تحبيذاً بين فئات الأصول، والمكاسب غير الأكيدة.. وعلاوة على تخفيض التعرض للمخاطر، تتطلب المراحل الأخيرة من الدورات الاقتصادية والسوقية إعادة التفكير فى أن أساليب الإدارة التقليدية التكتيكية للنقدية لا تنطبق على التخصيص الاستراتيجى للأصول، وكذلك بنبغى أن تفسح أساليب الاستثمار من أعلى لأسفل والتى تعتمد بشدة على منتجات المؤشرات السلبية المجال لتكوين محافظ يقودها الاختيار الحذر والقائم على إدارة المخاطر للأوراق المالية التى تعتمد بقدر أقل على الدعم من الدخل وأكثر على مرونة الميزانيات.

بقلم: محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية