يلقى تباطؤ الاقتصاد الصينى، بجانب الدلائل المتزايدة على خضوع النمو الأوروبى لضغوط، بغيامة كبيرة من عدم اليقين فوق الاقتصاد العالمى فى 2019.
وقدمت البيانات التى نشرت الأسبوع الماضى، المزيد من الدعم لفكرة الاستقرار قصير المدى فى الصين. ولكن لا يوجد دليل أقوى على النمو الأعلى على المدى الطويل ولا على طريق أكثر يقينية للاقتصاد العالمى الذى يتسم بأداء متباين بين أهم اقتصاداته.
وعلى مدار عقود، استخدمت الصين، الاقتصاد العالمى كرياح خلفية لتعديل تحولات العرض والطلب محليا، بدءا من دخول الأسواق الأجنبية وتوسيع الإنتاج والدخل والوظائف إلى استيراد وتوطين التقدم التكنولوجى الذى يحسن الإنتاجية ويمكن الصين من التنافس عبر سلاسل القيمة المضافة العالمية.
وهذه المجهودات ساعدت على مضاعفة تأثير الإدارة المبهرة للسياسة الاقتصادية فى الدولة، مما سحب مئات الملايين من المواطنين من الفقر، ودفع النمو المرتفع وحول المحرك الآسيوى إلى ثانى أكبر اقتصاد فى العالم.
ومع ذلك، تحولت هذه الرياح الخلفية مؤخرا، إلى رياح معاكسة تتميز بثلاثة عوامل مختلفة وقوية.
الأول.. أن سوق الصادرات الصينى أصبح أقل ديناميكية خصوصا فى أوروبا.
والثانى.. أن الولايات المتحدة فرضت تعريفات على الواردات الصينية وهددت بالمزيد استجابة لاستخدام الصين للحواجز غير الجمركية وسرقة الملكية الفكرية.
والعامل الثالث.. أن بعض جوانب التنفيذ المبدئى لمبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة قد أثارت مخاوف متزايدة بشأن نقص شفافية البنود والشروط، وبشأن ازدياد مديونية بعض أكثر الدول الناشئة ضعفا، وحتى بشأن قضايا الأمن الوطنى.
ومع انعكاس الرياح المعاكسة من الخارج، فى ازدياد المؤشراء الاقتصادية المحلية سوءا، لجأت السلطات الصينية إلى مجموعة عنيفة من السياسات التحفيزية، بما فى ذلك التدابير النقدية والمالية التوسعية، وبشكل أساسى، كان هناك عودة لمجموعة من التدابير التى استخدمت بنجاح فى الماضى لتجنب التباطؤ الاقتصادى المطول، بما فى ذلك بعد الأزمة المالية العالمية فى 2008.
ومع ذلك، كانت الدلائل الأولية على فاعلية هذه الجولة من المحفزات أقل تشجيعا، على الأقل حتى وقت قريب، واستغرق الاقتصاد وقتا اطول للاستجابة لها، وفى الوقت نفسه، ازدادت المخاوف بشأن الأضرار الجانبية لهذه التدابير، وهناك أيضا قائمة التناقضات المحتملة المتعلقة بالإصلاحات الهيكلية طويلة الأجل المطلوبة لمواصلة دفع الاقتصاد الصينى للانتقال من دولة ذات دخل متوسط إلى دخل مرتفع، وهى أكثر المراحل صعوبة فى عملية التنمية.
ووقعت العديد من الدول النامية فى فخ الدخل المتوسط فى العقود الماضية بما فى ذلك الأرجنتين والبرازيل.
ومع ذلك، توحى البيانات الأخيرة، أن التدابير التحفيزية بدأت تؤتى ثمارها. وصاحبت قراءة مؤشر مديرى المشتريات الجيدة، الأسبوع الماضى، مؤشرات على المزيد من الائتمان فى الاقتصاد الحقيقى، بجانب تعافى فى أرقام الصادرات الشهرية فى مارس، وازدياد التوقعات بشأن اتفاق تجارى بين الصين وأمريكا فى الأسابيع القليلة المقبلة، ما يعزز أسباب توقع حدوث تحسنا فى النمو.
ويعد ذلك أنباء جيدة للاقتصاد العالمى وللأسواق بعد التوقعات التى أصدرها صندوق النقد الدولى الأسبوع الماضى والتى تظهر أنه يتوقع تراجع النمو فى ثلثى العالم فى 2019.
وقاومت أسعار الأصول المالية بقوة التأثير غير المحبب لهذه، التوقعات، وساعدها على ذلك التحول فى موقف الفيدرالى إلى نهج أكثر طمأنة فى الربع الأول من العام الجارى، ولكن اعتماد الأسواق المتواصل على البنوك المركزية يغذى المخاوف بشأن الاستدامة ومخاطر الاستقرار المالى فى المستقبل.
وبشكل عام، من المبكر جدا ان نحول هذه الراحة قصيرة الأجل إلى تفاؤل قوى على المدى البعيد سواء بالنسبة للصين أو للاقتصاد العالمى.
واستوعبت السلطات الصينية أن الدولة بحاجة للعودة سريعا إلى التركيز السياسى على مواصلة تطبيق الإصلاحات الجوهرية اللازمة لدفع الاقتصاد المعقد بشكل متزايد، ولن تثبت التدابير التحفيزية قصيرة الأجل عدم فعاليتها مع الوقت فحسب، وإنما هى تتناقض مع أهداف السلطات لخفض مديونية أكثر القطاعات استدانة فى الاقتصاد، وتقليص الاعتماد على الشركات الحكومية، والتحول إلى تخصيص للموارد قائم على الأسعار.
كما أنه من المبكر للغاية أن نعلن أن الاجواء أصبحت صافية أمام الاقتصاد العالمى. فبالإضافة إلى المخاوف بشأن استدامة التعافى فى النشاط الاقتصادى الصينى، هناك مشكلات هامة بشأن صحة أوروبا والتى لم يتم التعامل معها من خلال تحركات سياسية حاسمة، ومن بينها خضوع أكبر خمسة اقتصادات (فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا) إلى ضغوط متواصلة، وكذلك تقوض التوترات (مثل خروج بريطانيا، والتورات بين ألمانيا وفرنسا، وفرنسا وإيطاليا، وإيطاليا والسلطات الأوروبية، والمجر والسلطات الأوروبية) التنسيق السياسى الإقليمى، كما يقترب نمو المنطقة من سرعة الصفر، وأخيرا، تعد بعض أكثر الدول ضعفا فى خطورة بشكل خاص، بما فى ذلك إيطاليا حيث تواصل مخاطر الركود إشعال المخاوف بشأن استدامة الديون على المدى البعيد.
وخلال الأسابيع والشهور القليلة المقبلة، سيشكل الاستقرار الاقتصادى الصينى، أنباء جيدة لمواطنيها وللاقتصاد العالمى، أما الآفاق طويلة الأجل لكليهما لا تزال غير أكيدة.
وسيعتمد كثيرون فى الصين، على قدرة السلطات على التعامل مع الخليط السياسى الصعب وهو المحافظة على المحفزات وفى نفس الوقت التحول مجددا نحو السياسات الإصلاحية الدائمة.
وتحتاج صحة الاقتصاد العالمى والأسواق أكثر من ذلك، فهى تتطلب حشد الإرادة السياسية الاوروبية على المستويين الوطنى والإقليمى، لتنفيذ سياسات داعمة للنمو والتى من شأنها تجنب الركود الاقتصادى، وتقليص محاطر الديون، وتهدئة ضغوط الانقسامات الإقليمية، وتعد التحديات التى تواجه أوروبا أكبر بكثير من تلك التى تواجه الصين، رغم أن أوروبا تسبقها بكثير فى عملية التنمية.
بقلم: محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا