تواجه الأسواق الناشئة حول العالم، ومن بينها مصر، تحديا في الفترة المقبلة، إذ بدأ الفيدرالي الأمريكي في إنهاء سياسة التيسير النقدي التي بدأها لتجنب الوقوع في الركود وسط الأزمة التي خلفها الوباء.
تفصيلا، التيسير النقدي يمكن تعريفه اختصارا بإجراءات البنوك المركزية من خفض الفائدة وضخ الأموال في السوق، أما التشديد فهو العكس.
قرر الفيدرالي الأمريكي الأربعاء خفض برنامج شراء الأصول 30 مليار دولار، ينوي الفيدرالي أيضا إنهاء برنامج شراء الأصول تماما في مارس المقبل، بالإضافة لرفع معدلات الفائدة -التي أبقاها بين 0 و0.25% منذ بداية الوباء- بـ0.25% ثلاث مرات في 2022، ومثلها في 2023.
اقرأ أيضا:
الفيدرالي الأمريكي يثبت الفائدة ويخفض برنامج شراء الأصول مرة أخرى
لكن ما هو التحدي؟
رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة يعني جذب المستثمرين نحو أدوات الدين الأمريكية، بالتالي تنسحب الأموال جزئيا من الأسواق الناشئة لتتجه للولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة التي سترفع الفائدة.
ستأتي هذه الخطوة في وقت تحتاج فيه مصر لمزيد من التمويل لدعم خطتها التوسعية.
كيف تواجه مصر الأمر؟
تعتقد وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن مصر قد تحتاج للاقتراض من صندوق النقد، خاصة إذا واجهت صدمة سيولة.
ويرى خبراء تحدثت إيكونومي بلس معهم إن اللجوء إلى الصندوق قد يكون مستبعداً حال نجاح الحكومة في خلق قنوات تمويلية تمكنها من مواجهة العجز، والتعامل مع نقص السيولة الدولارية المتوقع خلال العامين المقبلين، بسبب توجه الفيدرالي الأمريكي نحو رفع سعر الفائدة.
“مصر تعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجي، ما يعرضها للسيولة العالمية والظروف النقدية”، قالت وكالة فيتش في تقرير قبل أيام.
“سيكون هناك تراجع نسبي في إقبال المستثمرين على أذون الخزانة والسندات المصرية، نتيجة إعلان الفيدرالي برفع أسعار الفائدة 3 مرات في عام 2022″، قال رئيس أحد المؤسسات المصرفية في مصر، والذي طلب عدم ذكر اسمه.
توقع أيضا تنامي العجز في الميزان التجاري، الذي يشهد انخفاضاً حالياً مع تحسن إيرادات قناة السويس، ونمو تحويلات العاملين بالخارج، وكذلك السياحة، وقال: “ربما ستكون هذه العوامل غير كافية للعام القادم”.
كم تبلغ ديون مصر حالياً؟
بداية، نجحت مصر بعد تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في تحقيق فائض أولي في موازنتها خلال الأعوام القليلة الماضية.
يبلغ إجمالي الديون الخارجية لمصر حاليا 137.9 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، بحسب بيانات البنك المركزي.
بشكل عام حجم الديون كرقم مطلق لا يعبر عن شيء، لكن الأهم هو حجم الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي، والذي شهد تراجعا خلال سنوات ما قبل الوباء وتزامنا مع برنامج الإصلاح الاقتصادي ليصل إلى 33.9% إلى حجم الاقتصاد في العام المالي 2019/2020، إلا أنه شد تصاعدا من جديد في ظل احتياجات الوباء إلى 34.2% في العام المالي 2020/2021.
ترى فيتش أن مصر ستحتاج إلى برنامج مختلف هذه المرة يوفر السيولة.
ما الحل؟
تعمل الحكومة حاليا على طرح حصص من الشركات المملوكة لها في البورصة ما سيوفر تمويلا، بحسب ما قاله المسئول المصرفي.
تابع: ” الحكومة يجب أن تعمل على خلق قنوات تمويلية جديدة، ممثلة في تنمية الاستثمارات الأجنبية الدولارية، سواء عن طريق طرح حصص من الشركات الحكومية في البورصة، أو تعزيز مشاريع صندوق مصر السيادي ونجاحه في اجتذاب مستثمرين أجانب”.
اتفق مع هذا الرأي، رئيس البورصة الأسبق، سامح الترجمان، وقال: “الحل في ضخ استثمارات قوية في الاقتصاد المصري، من القطاعين الحكومي والخاص”.
لابد من خلق ميزة تنافسية للاقتصاد المصري لمواجهة هذه التحديات، مع ضرورة تبني سياسات تسهم في تشجيع المستثمرين على ضخ استثمارات جديدة، وفق الترجمان.
التحديات ضخمة في هذه الحالة
حال عدم تحقيق ذلك سيكون هناك تحديات ضخمة؛ إذ ستزداد الفجوات المالية، وسيتمكن التضخم من تآكل البيئة الاستثمارية، حسبما أضاف.
“التحدي الرئيسي حالياً هو كيفية اجتذاب مستثمرين جدد” قال الترجمان، الذي شغل سابقاً رئاسة مجلس إدارة شركة بلتون المالية أيضا.
وبناء عليه، لابد من استغلال الطفرات التي حققتها الحكومة في البنية الأساسية والتحتية خلال الفترات الماضية، وتمهيد الطريق للمستثمرين، وتذليل أي عقبات أمامهم، لضمان خلق سيولة جديدة، حسبما أضاف.
سيناريوهات بديلة
“تتضاعف إيرادات السياحة، وكذلك معدلات الاستثمارات الأجنبية، هي الحل الرئيسي لتجنب اللجوء لصندوق النقد، والتعامل مع عجز الحساب الجاري، أو قد نتجه إلى الحصول على تدفقات نقدية من الإمارات أو السعودية أو الكويت”، قال المسئول الذي طلب عدم الكشف عن هويته.
لا تزال العديد من العوامل تدعم مرونة مصر الخارجية، بما في ذلك علاقاتها الجيدة مع المقرضين الثنائيين ومتعددي الأطراف، بحسب فيتش، التي حافظت على التصنيف الائتماني لمصر عند B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة.
تمكنت مصر من تعزيز جاذبيتها للمستثمرين الأجانب في السنوات الأخيرة من عبر الإصلاحات القياسية، وبرامج صندوق النقد الدولي، وأسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة، واستقرار سعر الصرف، حسبما ذكرت وكالة التصنيف الائتماني.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا