يتغير سوق الطاقة المصرى، مع بدء الإنتاج من حقل الغاز الجديد الضخم، ومن المفترض أن تحقق الدولة الاكتفاء الذاتى خلال الـ18 شهراً المقبلة، ويمكن أن تصبح الدولة مصدراً للغاز من جديد، وتزيد على دورها الحالى كواحدة من المراكز التجارية الأكثر أهمية فى المنطقة، نظراً لموقعها المثالى الذى يربط الأسواق الغربية والشرقية، ويحدد الموقع الجغرافى لدولة ما إمكاناتها وفرصها، فإذا لم تكن كردستان، على سبيل المثال، دولة حبيسة، لكانت دولة مستقلة بالكامل.
وتتمثل فرصة مصر فى أنها على مفترق طرق التجارة الدولية الناشئة فى الغاز الطبيعى، وبدأ إنتاج الغاز الطبيعى من حقل «ظهر» فى ديسمبر، وهو يبعد 150 ميلاً عن الساحل المصرى فى شرق البحر المتوسط، ووصلت أولى الإمدادات من الحقل إلى بورسعيد، فى حين تقدر الاحتياطيات فى الحقل بنحو 30 تريليون قدم مكعبة، وتعد من أكبر الاكتشافات فى 20 عاماً.
ومن المتوقع أن يرتفع الإنتاج إلى 2.7 مليار قدم مكعبة يومياً بحلول 2019، ويعد تطوير الحقل فى أقل من عامين، نجاحاً كبيراً للشركة الإيطالية «إينى» المشغلة له، وتضيف التطويرات الأصغر مثل تطوير «بى بى» لحقل فى غرب الدلتا على الإمدادات من حقل «ظهر».
وجعل اكتشاف حقل ظهر، مصر مكاناً ساخناً للاستثمار الصناعى، وهناك إمكانات هائلة متوقعة فى جولة التراخيص التى ستبدأ فى وقت لاحق من العام الحالى، واشترت «روسنفت» حصة من الحقل، فى حين تبحث «أكسون موبيل» وغيرها عن فرص أخرى فى الدولة.
وتحتاج مصر إلى الغاز، نظراً لأن 70% من الكهرباء التى تستهلكها تنتج من الغاز، ومن المفترض ألا تؤدى الإمدادات الجديدة إلى استعادة الاكتفاء الذاتى فحسب، وإنما أيضاً تقليل أو القضاء على انقطاع التيار الكهربائى، واضطرابات الإمدادات وهى مشاكل كانت شائعة فى الآونة الأخيرة.
ومع ذلك، لا يقتصر طموح الدولة على أن تصبح مورداً للموارد، فقناة السويس تقدم واحداً من أسهل الطرق التجارية للبترول والغاز، إن لم يكن أرخصها، واستناداً على ذلك، تبنى شركة «سوميد» المملوكة جزئياً للحكومة، رصيفاً ضخماً للغاز الطبيعى المسال على خليج السويس.
ومن المتوقع الانتهاء منه بنهاية 2018، وسيضيف على القدرة الإنتاجية الحالية لمرافق الغاز الطبيعى المسال فى إدكو ودمياط على ساحل البحر المتوسط، وعندما يتسارع الإنتاج من حقل «ظهر» ستتجاوز الإمدادات الطلب المصرى حتى فى حالة تراجع الإنتاج من بعض الحقول المنتجة القديمة.
ويمكن أن تصبح الدولة مجدداً مصدراً للطاقة على نطاق قد يرتفع بشدة إذا سمحت السياسة للدولة بأن تصبح مركزاً للإنتاج عبر منطقة شرق البحر المتوسط، أى الغاز من قبرص وإسرائيل وحتى ذلك المحتمل من لبنان، حيث من المفترض أن يتم إعطاء التراخيص الموعود بها منذ وقت طويل العام الحالى، وبشكل عام يعد الحوض الشرقى بأكمله واعداً.
وخلال معظم العقد الماضى، بدا أن السياسة ستعوق التطوير المنطقى لشبكة من الخطوط تجتمع فى نقطة واحدة سيتم من خلالها تصدير الغاز للسوق العالمى، ورغم أن الأوضاع السياسية اهدأ الآن، فلا تزال هناك مخاطر ومخاوف بشأن حقوق الإنسان.
ولكن مصر تبدو حالياً أكثر الدول استقرار فى شمال أفريقيا، بجانب أنها وحدها فى المنطقة التى لديها علاقات جيدة، إلى حد ما، مع جميع جيرانها.
وفى الوقت نفسه، أصبح من الواضح أنه لا يوجد أى طريق تصديرى آخر ممكناً للغاز من حقل “لوثيان” الضخم فى المياه الإسرائيلية قبالة سواحل حيفا، وأيضاً من حقل “أفروديت” القبرصى.
وتتجاهل فكرة إنشاء خط أنابيب تحت المياه عبر البحر المتوسط، من إسرائيل وقبرص إلى اليونان، حقائق كثيرة جداً، أولها الاقتصاديات فى وقت تعد فيه أسعار الغاز منخفضة، وغياب الشبكة التى تربط اليونان بالأسواق الرئيسية فى وسط وشمال أوروبا.
والأكثر أهمية من ذلك، هو تعقيد الظروف تحت البحر، وكل ذلك يضع مصر فى قلب التطوير التجارى للغاز الطبيعى، وربما أيضاً البترول، فى منطقة شرق البحر المتوسط.
والخاسرة فى كل ذلك هى تركيا، فقد دمرت فرصتها فى تقديم طريق تصديرى للغاز من قبرص من خلال ربط التجارة بالتوصل إلى تسوية بشأن الانقسام الإقليمى الممتد منذ وقت طويل فى الجزيرة، كما تدهورت علاقاتها مع إسرائيل فى السنوات الأخيرة، ويبدو من المستحيل الآن أن تثق إسرائيل فى وضع غازها تحت سيطرة حكومة وصف قائدها إسرائيل «كدولة إرهابية».
ولا يوجد شىء يتم ببساطة أبدا فى الشرق الأوسط، وسنرى الكثير من العثرات قبل أن يحدد الطريق التجارى الجديد نهائياً، ولكن إذا كان لمنطقة شرق البحر المتوسط أن تتطور، فإن دور مصر كالمركز التجارى الإقليمى الجديد يبدو محتوماً.
بقلم/نيك بوتلر رئيس معهد «كينجز» للسياسة
المصدر: صحيفة “فاينانشال تايمز”
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا