كان الحصار أشد إيلاماً بالنسبة للأوكرانيين، إذ وجه الغزو الروسى ضربة قاسية لاقتصاد البلاد، لتحتدم بذلك المعارك على الأرض، التى أنتجت العام الماضى خمس الناتج المحلى الإجمالي.
تشير كلية كييف للاقتصاد إلى أن القصف تسبب فى أضرار بقيمة 10 مليارات دولار للشركات، وانضم العمال إلى القتال أو فروا إلى بر الأمان، وأصبح هناك 6.2 مليون نازح داخلياً من بينهم الثلث عاطلون عن العمل.
كذلك، يعتقد صندوق النقد الدولى أن الناتج المحلى الإجمالى لأوكرانيا سينكمش بنسبة %35 خلال العام الحالي.
ومع ذلك، فقد تكيف اقتصاد البلاد ببطء وكآبة مع الحرب، ويبدو أنه ينمو مرة أخرى.. فعلى سبيل المثال موانئ أوديسا باتت تعمل الآن لكن بأقل من طاقتها العادية.
سمحت صفقة حبوب تم التفاوض عليها فى يوليو تحت رعاية الأمم المتحدة لأوكرانيا بتصدير المنتجات الزراعية، ومنذ ذلك الحين نجحت البلاد فى تصدير ما لا يقل عن 7.8 مليون طن من الحبوب المنتجة.
وتتوقع البلاد حصاد ما يتراوح بين 65 مليون و70 مليون طن من الحبوب هذا العام، بانخفاض بمقدار الثلث عن مستويات ما قبل الحرب، لكنه إجمالى صحى نظراً للظروف.
ويجب أن يكون المحصول مربحاً بدرجة كافية للتمكن من استمرار البلاد فى الزراعة للموسم الجديد.
وبما أن الطعام يمكن أن يغادر بالسفن، يتم تحرير سعة السكك الحديدية لتصدير المعادن.
أفادت مجلة «ذا إيكونوميست» البريطانية أن نجاح أوكرانيا فى ساحة المعركة أحدث فارقاً أيضاً، فقد شهدت البلاد فى أغسطس دخول أفراد من الاتحاد الأوروبى بنفس عدد من خرجوا فى الاتجاه الآخر.
وبلغت حصة الشركات العاملة بأكثر من نصف طاقتها الإنتاجية حوالى %80 فى سبتمبر، ارتفاعاً من %57 فى مايو، وهذا يعكس كلا من تنامى الدعم الأمنى والرسمي.
كما قدمت البلاد برنامج حكومى ساعد 745 شركة على الانتقال إلى مناطق أكثر أماناً فى البلاد.
فى غضون ذلك، منع صنع السياسات الذكية البلاد من الدخول فى أزمة مالية، فعندما بدأت الحرب، قفز عجز الميزانية إلى 5 مليارات دولار شهرياً، مقابل توقعات ما قبل الحرب البالغة 600 مليون دولار.
ورغم الجهود الحثيثة التى بذلها البنك المركزى الأوكرانى، لم يكن أمامه فى يوليو خيار سوى تخفيض قيمة العملة.
ويبدو من المحتمل الآن حدوث انخفاض آخر فى قيمة العملة نظراً للفجوة بين سعر الصرف النقدى والسعر الرسمى، كما تقول أولها بينديوك، من معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية.
ومع ذلك، ثبت أن هذه المشاكل يمكن التغلب عليها، فقد دخلت البنوك الحرب برأس مال جيد، وذلك بفضل الدمج والتصفية بعد استيلاء روسيا على الأراضى فى عام 2014، كما استمرت المهارات الرقمية التى انتشرت خلال فترة تفشى وباء كوفيد-19، وساعد استقلال البنك المركزى، الذى تأسس فى إصلاحات ما بعد 2014، فى منع الذعر.
تقول ناتالى يارسكو، وزيرة المالية فى الفترة بين 2014 إلى 2016: «لم يكن أياً من هذا ممكناً قبل ثمانية أعوام».
عززت الجهات المانحة الدولية الأموال التى هم فى أمس الحاجة إليها، ففى البداية، كانت العروض كافية لإبقاء الحكومة واقفة على قدميها، لكن مع استمرار الحرب، أصبحت الحاجة لالتزامات أكبر أكثر وضوحاً.
يذكر أن الولايات المتحدة أرسلت 8.5 مليار دولار وستضيف قريباً 4.5 مليار دولار أخرى، وقد وعد الاتحاد الأوروبى والدول الأعضاء فيه بمبلغ مماثل، لكنه فشل فى تحقيق ذلك، لكنهم وافقوا فى سبتمبر على إرسال قروض بقيمة 5 مليارات يورو.
ربما يكون لا غرابة فى أن صبر الولايات المتحدة على أوروبا آخذ فى النفاد.
وكذلك الحال بالنسبة لأوكرانيا، حيث تعتقد الحكومة أنها ستواجه عجزاً فى الميزانية قدره 38 مليار دولار العام المقبل، أى ما يعادل %19 من الناتج المحلى الإجمالى قبل الحرب، كما أنها بحاجة إلى نحو 17 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية الحيوية والمنازل للعائدين إلى أرض الوطن.
لا شك أن قدوم المال فى الوقت المناسب أكثر أهمية من الشكل الذى يأتى فيه.
تأمل إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن فى إرسال 1.5 مليار دولار شهرياً فى شكل منح العام المقبل، إذا تمكنت من التغلب على معارضة الجمهوريين، كما تعمل المفوضية الأوروبية على مقترح مقدم، لكن ميزانيتها قد حُددت.
يقول تقرير حديث صادر عن مركز أبحاث السياسة الاقتصادية إن حكومة أوكرانيا لديها دوراً تلعبه أيضاً، خاصة أن بعض الإجراءات، مثل وضع حد أقصى لأسعار الغاز والتدفئة المحلية التى أعلنت فى يوليو، تعتبر مهدرة، كما أن مساعدة النازحين تأخذ شكل دخل أساسى الذى يستفيد منه الجميع بغض النظر عن الحاجة إليه.
ينصح هذا التقرير بالاستفادة من الدور الأمريكى فى الحرب العالمية الثانية، فخلال الصراع زاد عدد الأسر الأمريكية التى تدفع ضريبة الدخل عشرة أضعاف، وتضاعفت الضرائب الفيدرالية.
نظام الضريبة الثابتة فى أوكرانيا، المصمم لجعل البلاد مكاناً جذاباً للاستثمار فى الأوقات العادية، غير مناسب لدعم اقتصاد الحرب، الذى ما زالت التوقعات الخاصة به غير مؤكدة، رغم نموه الآن، كذلك ستكون هناك حاجة إلى دعم إضافي.
إذا اتخذ الوزراء الأوكرانيون بعض القرارات الأكثر صرامة، فإن الأوروبيين المتشددين سيكون لديهم عذر واحد على الأقل لعدم الدفع.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا