أثبت تخفيض الصين لقيمة اليوان أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مخطئ ومحق فى نفس الوقت، فهو محق فى أن سماح الصين لعملتها بالضعف يعنى أن الصين تدفع حالياً ثمن جزء من تعريفاته، ومخطئ لأن التعريفات على الأرجح لن تقدم الدفعة التى وعد بها الشركات الأمريكية.
وهذه هى المعضلة الجوهرية للحرب التجارية لترامب، فإذا دفع المستهلكين الأمريكين ثمن التعريفات، فسوف يساعدون الولايات المتحدة على تحسين تنافسيتها من خلال جعل البضائع المصنوعة فى أمريكا رخيصة نسبياً، وإذا دفعت الصين ثمن التعريفات، فلن يكون هناك فروق فى الأسعار ولن تتحسن تنافسية أمريكا، فلا يمكن الحصول على الأمرين معاً.
ولطالما أكد ترامب على أن الصين، وليس المستهلك الأمريكى هى من تدفع تكلفة تعريفاته، وهذا خطأ فادح، فكما أشار الاقتصاديون، فإن تكلفة التعريفات يتم تمريرها بقدر كبير إلى المستهلك الأمريكى فى صورة أسعار أعلى على الواردات الصينية.
ونتيجة للتعريفات، قد تشهد بعض الشركات الأمريكية ارتفاعاً مؤقتاً فى مبيعاتهم، ولكنه لن يكون ارتفاعاً كبيراً بقدر الخسارة التى ستمنى بها الشركات الصينية، وذلك لأن البضائع الأمريكية أسعارها مرتفعة بالفعل، وبالتالى قد يحول المستهلكون الأمريكيون مشترياتهم إلى المنتجات الأمريكية ولكن لن يتحملوا شراء الكثير منها، وقد يؤجل بعض المستهلكون ببساطة مشترياتهم تماماً.
والآن تتخذ الصين خطوات لتخفيف الضرر الذى لحق بمنتجيها، وسمحت الحكومة الصينية لقيمة عملتها بالانخفاض إلى أدنى مستوى فى 3 سنوات، وهو ما سيجعل الواردات الصينية أرخص فوراً، ولن يكون هناك حاجة لتخفيض المنتجين الصينين لأسعار منتجاتهم لأن اليوان المتراجع يخفض سعر جميع الصادرات الصينية.
وعلى ما يبدو، فإن هذه أنباء جيدة للمنتجين الصينين والمستهلكين الأمريكيين، فإذا كانت الصين ستسمح لليوان بمواصلة الهبوط، فسوف تعكس نظرياً أثر التعريفات، وسوف يرى المستهلكون الأمريكيون نفس الأسعار التى كانوا يرونها قبل فرض التعريفات.
وبما أن التعريفات لاتزال قائمة، فسوف تواصل الحكومة الأمريكية تحصيل إيرادات، فمن إذن سيدفع ثمن التعريفات؟ والإجابة هى المستهلك الصينى، فاليوان الأضعف يجعل الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لهم حيث تكون أسعار الطاقة والسلع التى يشترونها من الخارج أكثر تكلفة.
فما هو إذن الجانب السلبى؟ فالصين تدفع ثمن التعريفات كما قال الرئيس الأمريكى، والمستهلكين الأمريكيون لا يدفعون، ولكن المشكلة هى فى المنتجين الأمريكيين، فالتعريفات قد أعطتهم ميزة مؤقتة فى السوق الأمريكى لم تعد قائمة.
وعلاوة على ذلك، توجد مشكلة أعمق، فدفع الصين ثمن التعريفات لا يعنى أنها لا تضر بالاقتصاد الأمريكى بل إن هناك تأثيرين آخرين يتعين علينا النظر إليهم.
الأول، هو الارتفاع الكبير فى عدم اليقين، فالصين تدفع ثمن التعريفات حالياً ولكن من يقول أن المستهلك الأمريكى لن يفعل غداً؟ والشركات لا تعرف شيئاً بالتأكيد، وبالتالى تجد صعوبة فى تحديد أين يجب عليها الاستثمار، كما أن سلاسل التوريد الحديثة عالمية ولذلك الأمر أكثر تعقيداً من اختيار بسيط بين الصين أو أمريكا.
فبالنسبة لشركة مثل «كاتربيلار»، على سبيل المثال، سيكون الإنتاج الثقيل للآلات فى الولايات المتحدة ممكناً فقط فى حالة حصولها على صلب وألمونيوم رخيص من الصين، ونعم، خفض اليوان يساعد «كاتربيلار» على الاستمثار محلياً، ولكن نظراً لأن الشركة لا تعلم إلى متى سيستمر انخفاض قيمة اليوان، فسوف تظل المخاطر قائمة.
والأمر الثانى هو أن عدم اليقين يصاحبه تأثير خفض قيمة اليوان على المنتجين الأجانب، فالاقتصاد الأوروبى، وبالأخص ألمانيا، كان يعانى بالفعل قبل أحدث جولة من الحرب التجارية، وانخفاض قيمة اليوان سوف يجعل من الصعب على اقتصاد ألمانيا القائم على التصدير أن ينافس، كما أن ألمانيا بدروها مشترى كبير للمعدات الثقيلة من شركات مثل «كاتربيلار».
وبالتالى، يواجه المنتجين الأمريكيين سيف ذو حدين، خفض الصين لعملتها جعل مدخلاتهم أرخص، ولكنه أيضاً يجعل الطلب الأجنبى على منتجاتهم أضعف.
وكل عدم اليقين ذلك يعد عاملاً محبطاً كبيراً للاستثمار الأمريكى، ويظهر هذا التردد فى البيانات، ورغم أن بيانات الاستهلاك الأمريكية لاتزال مرنة، فإن الاستثمار التجارى يضعف، وطالما ستسمر الحرب التجارية، سيظل الضعف قائماً على الأرجح.
بقلم: كارل دبليو سميث
أستاذ مساعد فى الاقتصاد بجامعة “نورث كارولينا”، ومؤسس مدونة “موديلد بيهافيار”
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا