قبل الخوض فى أحكام اتفاقية سنغافورة بشأن إنفاذ اتفاقات التسوية المنبثقة من الوساطة، أود التلميح الى أهمية تجنب النزاعات التجارية مع استعراض حجم ما تمثله من خسائر للاقتصاديات خاصة الناشئة منها، ولا يعدو الأمر فى بساطته أن يشبه الابحار فى بحر الرمال المتحركة.
ليس منا من لم يسمع بهذه الظاهرة التى يغذيها الخيال العلمى وتسرد فى الكثير من الادبيات، كثيرا ما يستغل مخرجى أفلام الإثارة هذه الفكرة المبهمة، لإضافة الغموض وعناصر الشد الى أفلامهم، ولكن ماهى ظاهرة الرمال المتحركة فى مجال منازعات الاستثمار؟.
حينما يتعرض المشروع إلى أزمة أو نزاع ما تبدأ مشكلة بحر الرمال المتحركة فى الظهور بذات المغذى وذات المضمون الذى تشكله فكرة السقوط فى الدوامة العميقة الرملية دون استطاعة الخروج منها، لذلك لابد وأن يسعى أصحاب المصالح التجارية فى حال تورطهم فى نزاع يتعلق باستثماراتهم الى دفع العند والتعنت جانبا، والبحث عن اعلاء مصالحهم والسعى وراء الحفاظ على العلاقات التجارية واطالة حياة المشروع قبل أى شىء، الأمر الذى يتبعه اختيار الطريقة المثلى لحل النزاع.
أى تعنت فى إداره النزاع او اختيار الطريق الأقل حظا من وسائل التسوية سوف يدفع مشروعك الى منتصف الصحراء الجرداء ليواجه بحر الرمال المتحرك جاذبا اياهم بعنف الى داخل دوامة عميقة لا مخرج منها، الأمر الذى يعنى تعقد الأمور بشكل يصعب معه إنقاذ المشروع أو الحفاظ على العلاقات التجارية مستمرة ويبدأ نزيف الخسائر على كل الأصعدة ليخرج الطرفين خاسرين منهكين أمام طريق طويل من المنازعات القضائية المطولة.
ومن هنا كان بزوغ نجم الوساطة والتسوية الودية للمنازعات كأحد البدائل المتاحة للعمل على تسوية منازعات الاستثمار، وفى ذات الوقت تسعى دولنا العربية الى نشر فكر الوساطة فى المنطقة وتكلل هذه المجهودات بإصدار بعض التشريعات المنظمة للوساطة التجارية فى بعض الدول والبعض الآخر مازال على الطريق.
وتطل علينا لجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى «اليونيسترال» بالانتهاء من إعداد اتفاقية إنفاذ اتفاقات التسوية الودية الناتجة عن الوساطة) اتفاقية سنغافورة والتى يقوم أطراف الاتفاقية بإبرامها بغرض تسوية المنازعات التجارية وتهدف الاتفاقية الى توفير إطاراً ُموحداً وفعالاً من أجل إنفاذ اتفاقات التسوية الدولية المنبثقة من الوساطة، ومن أجل تمكين الأطراف من الاحتجاج بتلك الاتفاقات؛ وهو إطار يشبه الاطار الذى توفره اتفاقية الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها «اتفاقية نيويورك، 1958» وقد اعتمدت الاتفاقية بقرار الجمعية العامة رقم 73/198، في 20 ديسمبر 2018 بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، وتم فتح باب التوقيع عليها فى سنغافورة بتاريخ 17 أغسطس 2019، ووقع عليها 46 دولة فى احتفال مهيب، من بينها اقتصاديات هامة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والصين والهند وماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، ومن الدول العربية السعودية والأردن وقطر، بالإضافة إلى بعض دول المنطقة مثل إيران وتركيا وإسرائيل وبعض من الدول الأفريقية كنيجيريا والكونغو واواغندا.
وتأتى الاتفاقية مصحوبة بإدخال تعديلات جوهرية على قانون الوساطة النموذجى والصادر فى 2002، والانتهاء من القانون النموذجى ليصدر بمصحابة الاتفاقية فى 2019، والذى اعتمد استخدام تعبير الوساطة كتعبير موحد لعملية التسوية الودية بديلا عن التوفيق.
ومن الامور المستحدثة فى القانون النموذجى النص عل مادة إنفاذا تفاق التسوية الناتج عن الوساطة وهو مالم يتعرض له القانون قبل التعديل.
واستهدفت الاتفاقية تيسير التجاره الدولية ودعم انتشار الوساطة والترويج لها كأداه فعالة فى تسوية المنازعات التجارية الدولية. حيث تعد الوساطة وسيلة بديلة وفعالة لتسوية المنازعات التجارية.
وتكفل الاتفاقية أن تصبح التسوية التى يتوصل إليها الأطراف ملِزمة وواجبة الإنفاذ وفقاً لإجراء مبسط وموحد، فتسهم من ثم فى تعزيز ُسبل الوصول إلى العدالة وسيادة القانون.
وتتسم الوساطة كألية لتسوية المنازعات، بعدة مزايا: فهى تتسم بالمرونة، حيث يختار الأطراف القواعد الإجرائية الخاصة التى تحكم المسألة، كما ان الوساطة تعتمد على إعلاء سلطان الإرادة فيكون لأطرافها وحدهم حق تقرير كيفية تسوية النزاع القائم بينهم وصياغة اتفاق وساطة ينبثق من هذه الإرادة وبحرية تامة.
كما تتيح الوساطة فرصة مناقشة كافة الخلافات والمشكلات بحرية تامة فيمكن عرض الموضوعات القانونية والشخصية بل والعلاقات الانسانية على مائدة المفاوضات، كما يمكن تضمين اتفاق التسوية شروطا تتعلق بالمسائل سالفة الذكر، ويعمل الأطراف على بناء اتفاقهما معا وإيجاد انسب الحلول، وبذلك تكون الوساطة آلية صممت لتضمن المرونة، والسرعة، والكفاءة، والسرية مع الحفاظ على الوقت والجهد والمال، بعيدا عن اللجوء للتقاضى وما يصاحبه من تعقيدات وتكاليف ومدد فإن الاتفاقية تهدف الى تقديم نموذج متطور لإنهاء النزاعات التجارية على الصعيد الدول وإنفاذها بأيسر الطرق وتعمل بناء على اتفاقها معاً، ويمكنها مناقشة المسائل القانونية وغير القانونية أيضاً، كما يمكنها إيجاد الحل الأنسب للمنازعة فيما بينها، لأن الإجراء مصمم ليناسب احتياجات الأطراف وشواغلها.
وحتى تاريخ اعتماد اتفاقية سنغافورة لم تعرف الدول اطارا موحدا متناسقا للإنفاذ التسويات الناشئة عن عملية الوساطة دوليا لاتفاقات التسوية المنبثقة من الوساطة هو التحدى الشائع الذكر الذى يعترض سبيل اللجوء إلى الوساطة.
كما تعمل الاتفاقية على تخفيف العبء عن الدول وأجهزتها القضائية، حيث انه من المتوقع ان يلجأ المستثمرين الى استخدام الوساطة بنسب اعلى يؤدى حتما الى الحد طرديا من اللجوء للتقاضي.
وتلبية لهذه الحاجات عمدت الأمم المتحدة إلى وضع واعتماد اتفاقية سنغافورة، وفى هذا السياق، تساهم الاتفاقية فى تطوير نظام تجارى عالمى قائم على تنفيذ أهداف التنمية استهلال الاتفاقية استهلت الاتفاقية ديباجتها بالتعريف بالوساطة التجارية وعرفتها كوسيلة لتسوية المنازعات التجارية يطلب فيها أطراف المنازعة مساعدة شخص او أشخاص «وسيط / وسطاء» للتدخل ومساعدة الاطرف، تحليل الخلاف فى ايجاد الحلول، وتوليد الخيارات، وخلق البدائل ومساعدتهما فى سعيهما لتسوية المنازعة.
وتلاحظ أن الوساطة باتت تستخدم بازدياد فى الممارسات التجارية الدولية والمحلية كبديل للتقاضى، ولما كان استخدام الوساطة يعود بفوائد جمة مثل تقليل الحالات التقاضى وتجنب إنهاء العلاقة التجارية، وتيسير إدارة المعاملات الدولية من جانب الأطراف التجارية.
وتعمل الوساطة على دعم العدالة الناجزة مما يحقق للدول نجاحات فى مجال إقامة العدالة، ومن هنا عكفت لجنة الأمن المتحدة للقانون التجارى الدولى على وضع اسس الاتفاقية مستهدفة دعم التجارة الدولية، واقتناعاً منها بوضع إطار قانونى موحد، يكون مقبولا للدول بمختلف نظمها القانونية والاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذى من شأنه أن يدعم التجارة الدولية بشكل اكبر وهو الأمر الذى عكفت على دراسته اللجنة لمدة ثلاث سنوات متواصلة بمشاركة الدول الأعضاء والعديد من المنظمات الدولية والإقليمية.
ولتنفيذ الاتفاقية وضعت بعض الشروط الموضوعية، وهى أن تطبق الاتفاقية على اتفاق تسوية منبثق عن عملية وساطة تجارية دولية ومفهوم دولى فى هذه الحالة هو (دول أطراف التسوية، أو الدول الأوثق صلة باتفاق التسوية.
ووضعت بعض الشروط الشكلية لأنفاذ الاتفاقية ألزمت أن تكون اتفاقات التسوية المنبثقة عن الوساطة محررة كتابياً، وموقعة من أطراف التسوية وأن تكون ناتجة عن عملية وساطة وليس غيرها من الآليات التقدم بالمستندات اللازمة للجهة المختصة بالإنفاذ والتى يكون لها الحق فى طلب ما تراه لازما للتحقق من تطبيق احكام الاتفاقية.
ومن بين الاشتراطات أنه للقاض وهو فى سبيل إنفاذ اتفاق التسوية بموجب هذه الاتفاقية ان يطلب من الأطراف تقديم ما يفيد ان التسوية ناجمة عن عملية وساطة، وذلك بكافة طرق الإثبات سواء بطلب شهادة من الوسيط يقر بقيامه بتولى التسوية او بقيامة بالتوقيع على متن التسوية، كما ألزمت بالحصول على شهادة من المؤسسة التى أدارت عملية الوساطة؛ أو أى إثبات آخر تقبله السلطة المختصة، فى حال تعذر تقديم أى من الإثباتات السابقة.
ويمكن الاعتماد على الخطابات الإلكترونية الُمستوفية لأشتراطات توقيع الأطراف أو الوسيط، حسب الاقتضاء، على اتفاق التسوية، عإذا اسـُتخدمت طريقة لتعيين هوية الأطراف أو الوسيط وتبيان نوايا الأطراف أو الوسيط فيما يخص المعلومات الواردة فى الخطاب الإلكترونى إذا كانت الطريقة المستخدمة موثوقاً بها بقدر مناسب للغرض الذى أنشئ الخطاب الإلكترونى أو أرسل من أجله.
ويحق لسلطة الإنفاذ طلب ترجمة اتفاق التسوية أذا كان غير محرر بلغة رسمية لاحد أطراف الاتفاقية اذا كان مقر عمل اثنين من أطراف الاتفاقية يقع فى دولتين مختلفتين، أو أن يكون جزء جوهرى من اتفاق التسوية الواجب إنفاذه يقع فى دولة اجنبية.
ويجوز للسلطة المختصة أن تطلب أية مستند لازم من أجل التحقق من أن مقتضيات الاتفاقية قد استوفيت ما لا يدخل فى حيز هذه الاتفاقية، ويستعبد من نطاق الاتفاقية كلا من التسويات الناتجة عن دعوى قضائية انتهت صلحا بتسوية الخلاف بشكل ودى والتى تكون قد أقرتها أو ابرمت أمام محكمة فى سياق دعوى قضائية، والتسويات واجبة الإنفاذ باعتبارها أحكاماً قضائية صادرة فى دولة تلك المحكمة، وأيضا استبعدت التسويات الناجمة عن اجراء تحكيمى واصبحت واجبة النفاذ باعتبارها حكم تحكيمي.
كما يستبعد من نطاق الاتفاقية مسائل الإرث وقد آثرنا هذه النقطة اثناء المناقشات أمام لجنة الأمم المتحدة لما تمثله من حساسية خاصة بالنسبة للدول الإسلامية التى تطبق أنظمة مواريث محددة ومنظمة بموجب الشريعة الإسلامية، والمنازعات العمالية والمعاملات المتعلقة بعقود استهلاك شخصى او عائلى او منزلي.
وحددت الاتفاقية اسبابا عدة لرفض الإنفاذ وسمحت للطرف المقدم طلب الانتصاف ضده رفض الامتثال فى الأحوال الاتية، اذا كان احد أطراف التسوية ناقص الأهلية، أو كان اتفاق التسوية غير قابل للتنفيذ او باطل او غير سارى المفعول او كان اتفاق التسوية ليس ملزما او ليس نهائيا او قد عدل لاحقا.
كما حددت الاتفاقية أسباب اضافية لرفض الإنفاذ اذا كانت الالتزامات التى يفرضها اتفاق التسوية غير واضحة أو مبهمة أو إخلال الوسيط بالمعايير الواجبة التطبيق عليه أو على عملية الوساطة أو عدم إفصاح الوسيط عن شكوكه فيما يمس حيازة واستقلالة، وكان عدم الإفصاح مؤثرا تأثيرا جوهريا اثناء اتخاذه للقرار، أو مخالفة اتفاق التسوية للنظام العام أو ان كان موضوع المنازعة غير قابل للتسوية عن طريق الوساطة
ووضعت الأتفاقية بعض التحفظات هى أنه يجوز لأى طرف فى الاتفاقية أن يعلن أن لن يطبق هذه الاتفاقية على اتفاقات التسوية التى يكون طرفا فيها، أو التى يكون أى من أجهزته الحكومية أو أى شخص يتصرف بالنيابة عن أى من تلك الأجهزة الحكومية طرفاً فيها، إلى المدى المحدد فى الإعلان، أو أنه لن يطبق هذه الاتفاقية إلا فى حدود ما تتفق عليه أطراف اتفاق التسوية بشأن تطبيقها.
ويجوز لأى طرف فى الاتفاقية أن يبدى تحفظات فى أى وقت، التي ُتبدى وقت التوقيع على الاتفاقية، لدى التصديق على الاتفاقية أو قبولها أو إقرارها، ويبدأ سريان تلك التحفظات بالتزامن مع بدء نفاذ هذه الاتفاقية فيما يخص ذلك الطرف فى الاتفاقية، واذا ابديت التحفظات وقت التصديق على هذه الاتفاقية أو عند قبولها أو إقرارها أو الانضمام إليها، ويمكن للدول ابداء التحفظات فى مرحلة لاحقة على مرحلة التصديق وتعد سارية بمرور 6 اشهر من ايداعها ويجوز لأى من الأطراف التى سبق لها وأن أودعت تحفظاتها على الاتفاقية القيام بسحب تلك التحفظات فى اى وقت.
وباستعراض اهم العناصر التى تضمنتها اتفاقية سنغافورة يثار تساؤلاً حول مدى مواجهة الدول الموقعة على الاتفاقية او التى ترغب فى التوقيع عليه لاحقا فراغا تشريعيا فى حالة عدم تنظيم الوساطة من خلال تشريع وطني.
يمكن الإجابة عليه من منظورين مختلفين، المنظور الأول : يرى أنه مادام أن الوساطة وسيلة جاذبة تعتمد على قبول الأطراف وإعلاء سلطان الإرادة وبالتالى فإن المصلحة البحتة تقتضى الاتجاه نحو اختيارها من جانب الأطراف المتنازعة وذلك لحفظ حقوقهم وتسوية خلافاتهم فى أسرع وقت ممكن وبأقل التكاليف، وأن قواعد المراكز العاملة فى هذا المجال كافية لإدارة عملية الوساطة وكفالة العديد من الضمانات الواجبة.
المنظور الثانى يرى أنه لابد من استصدار تشريع ينظم استخدام الوساطة اعتماداً على أنه هناك العديد من العناصر العامة التى يجب النص عليها لضمان سير عملية الوساطة وكفالة العديد من الضمانات المحيطة بإجراء العملية ويستندون فى ذلك إلى القانون النموذجى للوساطة الصادر من لجنة للأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى كنموذج استرشادى يمكن الاستعانة به خاصةه ان النسخة المعدلة تتماش مع بنود الاتفاقية.
ونرى ان استصدار تشريع وطنى ينظم الوساطة اصبح امر ملح سواء لتنظيم الوساطة الوطنية او الدولية خاصة ان العديد من الإجراءات التى تحيط عملية الوساطة أصبحت فى حاجة الى تنظيم ومن أهمها الحفاظ على الحياد والاستقلال والسر المهنى بالنسبة للوسيط، وأيضا جهة الاختصاص صاحبة الولاية فى انفاذ اتفاق التسوية، واستصدار الصيغة التنفيذية لاتفاق التسوية.
ومن خلال إلقاء الضوء على الوضع التشريعى فى عالمنا العربى نلاحظ أن الدول التى أصدرت قوانين للوساطة عدد قليل للغاية لا يتماشى مع تزايد ظاهر استخدام الوساطة فى جميع مجالات القانون وخاصةً فى المعاملات المدنية والتجارية والأسرة والمجال الجنائى والعمالى وغيره. وتعد مملكة الأردن من أوائل الدول التى تضمنت الوساطة من خلال تدخل المشرع عام 2006 لإصدار القانون رقم 12 تلى ذلك المملكة المغربية فى عام 2007 والتى نظمت الوساطة بالقانون رقم 0805 ولحقت بهم دولة الجزائر فى عام 2008 بموجب قانون الإجراءات المدنية والإدارية مجموعة من المواد المنظمة للعدل بالوساطة فى الفصل الثانى من القانون. وأخيراً لحق بالركب لبنان ليصدر قانون الوساطة فى 2018 بالقانون رقم 82 للوساطة المدنية والتجارية.
وقد نص النطاق الموضوعى للتشريعات سالفة الذكر تغطية المنازعات المدنية والتجارية فى حين أن معظمها استبعد القضايا العمالية وقضايا الأسرة وذلك لسابقة التقييم بقانون خاص.
تضمنت جميع التشريعات الصادرة والمنظمة للوساطة فى الوطن العربى مسألة السرية فيعتبر إجراءات الوساطة سرية ولا يجوز الاحتجاج بها أو تقديم أى تنازلات قام بها طرف من الأطراف أثناء إجراءتها أمام أى محكمة أو جهة أخرى. كما يلتزم الوسيط بوجوب كتاب السر المهنى، كذلك يحظر على الأطراف والمركز وكل مشارك فى عملية الوساطة الإفصاح عن أية معلومات متداولة أثناء نظر الجلسات.
نوعية الوساطة التى أفرزتها التشريعات العربية فى مجال الوساطة هل هى قضائية أم اتفاقية غير قضائية، فنلاحظ تنوع الممارسات للأنظمة المعروضة ما بين ممارسة القاضى للوساطة وبين قيام القاضى بالإحالة إلى الوسيط الخاص سواء كان فرداً أو مؤسسة مع مراعاة موافقة الأطراف على الوسيط المختار من جانب المحكمة ونستثنى من ذلك القانون الجزائرى الذى يتولى فيه القاضى تعيين الوسيط دون الاعتداد بأراء الأطراف فى هذا الشأن.
وتعد الوساطة عملية اختيارية فى معظم التشريعات السابق عرضها كما تتفق معظمها فى المدد المتعارف عليها لإجراء عملية الوساطة فنجد أن الأمر يتراوح بين الشهر إلى ثلاثة شهور مع إمكانية تجديد المدة لمدة واحدة، ويزيل الاتفاق بالصيغة التنفيذية بعد مصادقة المحكمة عليه. الوضع التشريعى فى مصر لم تصدر مصر حتى الآن تشريع خاص منظم للوساطة المدنية والتجارية وأن كان هناك مشروع لقانون الوساطة عام 2013 وحتى الآن لم يصدر تشريع خاص.
وإن كان التعديل الأخير لقانون الإفلاس رقم 11 لسنة 2016 قد استحدث إدارة جديدة سميت إدارة الوساطة يقوم من خلالها القضاة بعرض وممارسة الوساطة بين أطراف الخصومة.
وتعد ممارسة الوساطة من خلال الاستناد إلى قواعد المراكز العاملة فى هذا المجال ونذكر منها مركز تسوية منازعات المستثمرين التابع للهيئة العامة للاستثمار ومركز القاهرة الإقليمى للتحكيم التجارى الدولى.
وكلاهما يمارس الوساطة التجارية ويشهد لهما بتحقيق نسب مرتفعة من النجاح فى هذا المجال.
وختاماً نرى ضرورة حث المشرع الوطنى فى البلدان العربية إلى استحداث تشريعات وطنية تنظم العمل بالوساطة فى المنازعات المدنية والتجارة تمشياً مع التوجهات الدولية فى هذا الشأن.
النظر بعين الاعتبار نحو اتفاقية سنغافورة لانفاذ اتفاقات التسوية الودية فى المنازعات التجارية سواء بالانضمام المباشر إليها أو استصدار التشريع الوطنى ثم الانضمام، حيث أننا سنواجه حتمية الالتزام بالتطور الحادث فى المجتمع الدولى والذى سوف يضع الوساطة على قدم المساواة مع التحكيم كآلية هام وفعالة فى تسوية المنازعات التجارية ومنازعات الاستثمار على الصعيد الدولى.
وهناك العديد من الإشكاليات مازلت مطروحة للنقاش أو بالاحرى متروكة للممارسات المستقبلية الناتجة عن تطبيق الاتفاقية، ومنها أيضا القانون الواجب التطبيق على اتفاق التسوية فعلى سبيل المثال إذا كانت الأطراف المتنازعة تنتمى الى انظمة قانونية متشابهة تكاد لا تثور مشكلة فى هذه الحالة إنما سيثور الخلاف فى حال اختلفت الأنظمة القانونية المطبقة ولأى منهما السيادة وللتوضيح فى هذا المجال يمكنا القول ان عملية الإنفاذ تبدو أكثر تعقيدا لاتفاقيات التسوية عبر الحدود.
فى الواقع ورغم التساؤلات المطروحة، فقد أعربت الاتفاقية عن نيتها فى الترويج لفكر الوساطة والعمل على نشره وتخفيف العبء عن المحاكم الوطنية واتاحة الفرصة أمام التجارة الدولية فى الحصول على فرص اكثر رحابة وضمانات اكثر فاعلية، لذلك فالأمر يستحق التجربة وعدم الأحجام عن المشاركة فى المبادرة الدولية، مع العمل على استصدار التشريعات الوطنية المناسبة والعمل على تطويرها وتنقيحها دورياً بما يتماشى وسرعة حركة التجارة الدولية، آملين أن يواكب المشرع فى بلداننا العربية مستحدثات العصر فى تسوية المنازعات وخاصة منازعات الاستثمار والتى تشغل حيز كبير من اهتمام الدول.
بقلم: د. إيمان منصور
مدير مركز تسوية منازعات المستثمرين بالهيئة العامة للإستثمار
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا