لدى كل بلد من بلدان الأسواق الناشئة الرئيسية مجال لتخفيف السياسة المالية أو النقدية أو كليهما معًا لمواجهة التباطؤ الحاد فى نمو العالم النامى الذى دام على مدى عقد من الزمان.
وفى يوليو الماضى خفض صندوق النقد الدولى، توقعاته لنمو الأسواق الناشئة إلى %4.1 فقط العام الحالى أى أقل بمقدار 0.3 نقطة مئوية من تقديرات أبريل والذى يعد أدنى رقم منذ ذروة الأزمة المالية العالمية.
ومع ذلك قال باتريك زويفل، كبير الاقتصاديين بشركة «بيكتيت» لإدارة الأصول السويسرية والتى تدير أصول بقيمة 190 مليار دولار إنه على النقيض من العالم المتقدم الذى يعانى من أسعار فائدة حقيقية سلبية فإن الدول الناشئة لديها حرية السياسة النقدية لمعالجة تباطؤ النمو.
وأضاف زويفيل، «يتحدث الكثير من الناس حول ما إذا كان تخفيف السياسة النقدية لا يزال خيارًا بالنسبة لمعظم الأسواق المتقدمة، وهناك العديد من النقاشات حول ما إذا كان يتعين على هذه الدول النظر فى سياساتها المالية».
وأشار إلى أن هذه مشكلة غير موجودة فى الأسواق الناشئة وبالتالى فإن لديها مساحة أكبر بكثير لمواجهة التباطؤ.
وكشف تحليل «بيكتيت» لـ19 دولة من الأسواق الناشئة الرئيسية أن كل دولة لديها إما أسعار فائدة حقيقية إيجابية أو عجزًا ماليًا متوقعًا لعام 2019 يقل عن %3 من الناتج المحلى الإجمالى وهو الأمر الذى يتيح لهم على الأرجح تخفيف السياسة النقدية.
ووفقًا لشركة «بيكتيت» فإن دول مثل روسيا وكوريا الجنوبية والفلبين وإندونيسيا وتايلاند فى وضع يمكنها من تخفيف السياسة المالية والنقدية وهو محرك محتمل للنمو فى وقت يعانى فيه النشاط الاقتصادى بجميع أنحاء العالم من توترات متصاعدة من الاضطرابات التجارية.
وقال زويفل، إنه من غير المعتاد أن يكون لدى الكثير من الدول الناشئة مجال لتخفيف السياسة فى وقت واحد خاصة حينما يتعلق الأمر بالسياسة النقدية.
وأضاف «باستثناء تركيا والأرجنتين، فإن الأسواق الناشئة الرائدة ليست فى بيئة جيدة حيث يؤدى تخفيض أسعار الفائدة إلى تراجع غير متناسب فى عملاتها المحلية».
وأشار إلى أنه حتى الدول التى بدأت فى خفض أسعار الفائدة مثل تركيا والهند وإندونيسيا فإن لديها مجال أكبر لمزيد من التخفيضات.
وعلى الصعيد المالى، انخفض متوسط عجز الموازنة فى 19 دولة إلى ما يعادل %1.9 من الناتج المحلى الإجمالى وهو أدنى مستوى منذ عام 2009.
وتوقع زويفل، أن نشهد المزيد من التخفيف فى السياسة النقدية والمالية بالنظر إلى أن نمو الناتج المحلى الإجمالى فى منطقة الشرق الأوسط والذى قد يسجل أقل قليلاً من نسبة %4 وهى أقل من إمكاناته التى تقدر بـ%4.5 إلى %5.
وعلاوة على ذلك، لا يوجد ضغط تضخمى حيث كان التضخم فى أسعار المستهلكين تحت السيطرة فى آسيا وأمريكا اللاتينية فى حين أن التدهور بمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا يعود إلى حد كبير لتركيا حيث أدت سياساتها النقدية إلى انهيار الليرة وحدوث نوبة شديدة من التضخم.
يأتى ذلك فى الوقت الذى سعت فيه الهند إلى إحياء النمو الهائل من خلال الكشف عن حزمة جريئة من التخفيضات الضريبية للشركات بقيمة 20 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن هذه التخفيضات سيكون لها أثار بشأن القدرة على تحمل التكاليف قال زويفل، إنه كان قرارًا جيدًا وسيكون له تأثير طويل الأجل مثل المساعدة فى جذب الشركات التى تسعى إلى الانتقال بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وقال مارتن يان بكوم، كبير خبراء الأسواق الناشئة فى «إن إن باتنر» للاستثمار إن معظم البلدان النامية لا يمكنها تخفيف السياسة النقدية إلا إذا كانت التدفقات المالية قوية.
وأضاف أن هذا الأمر سيعتمد على توقعات سياسة مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، فى المستقبل والتى تعد مصدر اهتمام بلدان الأسواق الناشئة.
وأضاف «لقد خفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة منذ بداية العام الحالى بشكل رئيسى بسبب توقعات بنك الاحتياطى الفيدرالى، بالتحرك نحو مزيد من التيسير النقدى مؤكدًا أنه إذا كانت التدفقات ضعيفة فإن البنوك المركزية لن تستطيع خفض أسعار الفائدة فى المستقبل».
وأشارت «فاينانشيال تايمز» إلى أن جنوب إفريقيا تكافح فى الوقت الحالى لسد فجوة مالية فى وقت لا تزال البرازيل تكافح فيه من أجل تعزيز الموارد المالية الحكومية بالإضافة إلى تركيا التى أصبحت مقيدة حيث أضعف الركود الموارد المالية العامة فى البلاد بينما تستغل الهند قوتها الاقتصادية فى وقت تعتمد فيه روسيا لأجل زيادة الإنفاق على أسعار البترول.
وكان جون بول سميث، الشريك فى «إيكسترات» وهى شركة استشارية استثمارية، أكثر تفاؤلاً بحجة أنه حتى عندما كان لدى الدول الناشئة مساحة لخفض أسعار الفائدة فإنها لم تحقق فوائد ملموسة.
وعلى الجانب المالى، قال سميث، إن الصين لا يمكنها مواصلة سياسة التحفيز لأنها قامت بالكثير بالفعل وإذا فعلوا ذلك فإنها ستزيد من المخاطر كما يتضح من أزمة قطاع مصارف الظل الذى أخذ أكبر حصة من إجمالى الإقراض منذ 2013 على الأقل فى الربعين الثانى والثالث من العام الحالى.
وأكد سميث، أن مصير الأسواق الناشئة لا يزال يتحدد إلى حد كبير من خلال تصرفات العالم المتقدم وسوف تظل آفاق النمو كئيبة ما لم تكن تلك الدول جادة بشأن الإصلاح.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا