رئيس التحرير أسامه سرايا |
أخبار

الطروحات الحكومية.. يستمر التأجيل أم إنجاز في اللحظات الأخيرة؟

التأجيل

كتب: هدى السهيلي – عبد الرحمن رشوان

الإسراع ببرنامج الطروحات الحكومة، هكذا كان توجيه رئيس الحكومة مصطفى مدبولي قبل يومين، والذي تزامن مع مطالبة صندوق النقد للقاهرة بإصلاحات أعمق وسط ترقب لإتمام المراجعتين الخامسة والسادسة بقيمة 2.5 مليار دولار ضمن برنامج مصر مع الصندوق.

النسخة الأخيرة من وثيقة ملكية الدولة كشفت عن خطط لطرح حصص في عشر شركات كبرى، مع الاستعانة ببنوك استثمار ومستشارين قانونيين لإدارة العملية، في خطوة تعكس التزام الحكومة ببرنامج الطروحات.

لكن قبل شهر من الآن، عندما استضاف مؤتمر ثنك كوميرشيال في نسخته العاشرة -الذي نظمته جريدة البورصة- رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس والذي بات مؤخرا أغنى شخص في مصر، قص ساويرس خطأ وقع فيه قبل سنوات، وهو التأخر في التخارج من شركة الاتصالات التي أسسها وأحبها “موبينيل” بقيمة 14 مليار دولار، ليتخارج منها لاحقا وبعد سنوات قليلة ولكن بـ6 مليارات فاقدا أكثر من نصف قيمتها حسب روايته.

قصة ساويرس إذا ما تم اقتباسها وقياسها على برنامج الطروحات الحكومية شبه المتعطل، والذي تقول الحكومة إن الأوضاع الاقتصادية العالمية تارة وتارة أخرى الإقليمية هي ما دفعتها لتأجيله قد يكون مثالا مشابها.

تأجيلات بلا نهاية

يرى عضو لجنة الاقتصاد الكلي الاستشارية لمجلس الوزراء، محمد فؤاد، أن كل تأجيل جديد للطروحات يحمّل مصر تكلفة ضمنية ثقيلة.

“غياب جدول زمني واضح يقلل من ثقة المستثمرين، فيما تجعل تقلبات سعر الصرف الأصول المقومة بالدولار أقل جاذبية”، هكذا عبر فؤاد لـ”إيكونومي بلس” عن وجهة نظره.

لكنه تدارك موضحا أن الطرح في أوقات الركود أو الضغوط المالية يؤدي عادة إلى تسعير متحفظ، وهو ما يخصم من القيمة الحقيقية للأصول ويضاعف من الخسائر غير المباشرة التي تتحملها الدولة.

طروحات تمت وأخرى قيد الانتظار

طرحت الحكومة المصرية خلال السنين الماضية حصصاً في عدد من الشركات والبنوك ضمن برنامج الطروحات شملت فوري للتكنولوجيا، أبو قير للأسمدة، مصر للألومنيوم، والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو)، المصرية للاتصالات، باكين، وعز الدخيلة، والشرقية للدخان، وإيلاب، وإيثيدكو، وشركة الحفر المصرية.

كما شمل البرنامج مؤخرا طرحا في البورصة لـ330 مليون سهم من المصرف المتحد، وبيع كامل أسهم شركة “تمويلي” للتمويل متناهي الصغر.

لكن بقت طروحات مثل محطة الوقود الشهيرة التابعة للقوات المسلحة –وطنية- وشركة المياه المعدنية صافي والتابعة للجهة نفسها موضع تساؤل، وربما رمزا لتأجيلات الطروحات، خاصة بعدما تحدث عن طرحهما الرئيس السيسي ورئيس الوزراء مصطفى في أكثر من مناسبة وربما أول مرة كانت في 2019، قبل جائحة كورونا وبالطبع برنامج مصر الحالي مع صندوق النقد، ومع الوباء أجلت الحكومة البيع خوفا من البخس.

لاحقا ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما تبعها من نزوح الأموال الساخنة تاركة البنوك المصرية بدولار قد لا يكفي أحيانا لتلبية مطالب مصر الشهرية، أجلت الحكومة البرنامج خوفا من استغلال الموقف والتفريط في شركات بأقل من قيمتها، حسب التصريحات الرسمية آنذاك.

رئيس الوزراء مدبولي أكد قبل أيام ومع إعلانه تسريع برنامج الطروحات، أن هذا القرار مصري خالص.

على كل حال، تستعد الدولة حاليا –بحسب الإعلان الرسمي- لجولة جديدة من الطروحات تشمل شركات في قطاعات الاتصالات، البنوك، البتروكيماويات، الأدوية، وغيرها، إلى جانب شركات أخرى مثل الشركة المالكة لمحطات وقود “وطنية” بالإضافة لـ”تشيل آوت” و”صافي” بالطبع، وغيرهم.

ديون متراكمة وحساسية في التنفيذ

يشير فؤاد إلى أن تعطيل برنامج الطروحات لا يرتبط فقط بالظروف الاقتصادية، بل أيضاً بمشكلات هيكلية داخلية مثل الديون المتراكمة على الشركات الحكومية وضعف الشفافية في الممارسات المحاسبية، بجانب غياب التنسيق الكافي بين الجهات المعنية بالملف.

ويضيف أن المناخ العالمي يزيد المشهد تعقيداً، في ظل تراجع شهية المستثمرين تجاه الأسواق الناشئة، فضلاً عن حساسية محلية نحو بعض القطاعات مثل البنوك والطاقة، ما يزيد من صعوبة القرار.

“الطروحات تعني تقليص ملكية الدولة، لكن ما نراه عملياً هو توسعها في قطاعات تعتبرها استراتيجية، وهو ما يعكس تناقضاً جزئياً مع وثيقة الملكية”، بحسب فؤاد.

عقدة التسعير ومخاطر الدولار

من جانبه يرى رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، مصطفى شفيع، أن جوهر المشكلة يكمن في التسعير، إذ يسعى المستثمرون دائماً لتقييم الأصول عند مستويات متدنية تعكس المخاطر، بينما تتمسك الدولة بالحصو على أفضل قيمة لمؤسساتها.

ضرب شفيع مثالاً بمفاوضات الاستحواذ على بنك القاهرة: “مصر كانت تطالب بمليار و800 مليون دولار، بينما عرض الجانب الإماراتي ملياراً و500 مليون فقط، وهو ما حال دون إتمام الصفقة”.

حالة بنك القاهرة قد تكون خطأً مشابها لخطأ ساويرس، إذ كانت الحكومة قد تلقت عام 2008 عروضاً مالية لشراء البنك، وعرض البنك الأهلي اليوناني الشراء بالكامل مقابل أكثر من ملياري دولار، وتراجع الرقم إلى 1.36 مليار دولار بحصة 67%.

عرض أكبر بنوك اليونان تجاوز بالفعل عروضًا أخرى مقدمة من بنك المشرق الإماراتي وتحالف مصرفي مكون من البنك العربي الأردني والبنك العربي الوطني، لكن هذا كله كان في وقت كان فيه العالم، ومصر ضمنه، أقل عنفا وأكثر استقرارا حتى في ظل الأزمة المالية العالمية ربما.

رغم تلك العروض وقعت الحكومة فيما يمكن أن نسميه خطأ ساويرس، فألغت صفقة البيع بحجة ضعف العروض المقدمة، وأغلقت الباب أمام العملية باستثناء فترات كانت تخرج فيها معلنة عن خطة لإعادة البيع عقب دمجه في بنك مصر، لكنها لم تتخذ خطوات جدية في هذا الشأن طوال السنوات الماضية.

ثمن التأجيل

يتفق فؤاد وشفيع على أن تأجيل الطروحات لا ينعكس فقط على تقييم الأصول وثقة المستثمرين، بل يمتد أيضاً إلى التزامات مصر مع صندوق النقد الدولي، بعدما تسبب في تأجيل المراجعتين الخامسة والسادسة للبرنامج.

أبدت كريستالينا جورجيفا، مديرة عام صندوق النقد، في لقاء تلفزيوني الأسبوع الماضي، تفهمها لإرجاء مصر برنامج الطروحات الحكومية للعام المقبل. لكنها أكدت على أن مستقبل اقتصاد مصر يعتمد على مشاركة قوية للقطاع الخاص، الذي يُسهم في توفير معظم الوظائف وتحسين مستوى معيشة المصريين.

الصندوق – والذي تحدث رئيس الوزراء مؤخرا أكثر من مرة عن إعداد برنامج اقتصادي وطني بعد 2026 بعيدا عنه- يرى أنه رغم ما أحرزته القاهرة مما يراه “تقدمًا في برنامج الإصلاح الاقتصادي”، لكنه يرغب في أن يرى إصلاحا أعمق على حد تغبير مسؤوليه، بما يتضمن إنجاز برنامج الطروحات، فهل تتحول التصريحات لواقع هذه المرة، أم يستمر التأجيل حتى انتهاء برنامج الصندوق -الذي لا ترغب القاهرة في تجديده- نهاية العام المقبل؟

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

العجز التجاري لمصر يتراجع 5.2% في يوليو بدعم من نمو الصادرات وتراجع الواردات

تراجع العجز في الميزان التجاري لمصر خلال شهر يوليو الماضي...

منطقة إعلانية