كتب: سليم حسن
لم تستغرق العترة المرضية الجديدة من الحمى القلاعية “سات 1” سوى أسابيع لتتحول من فيروس ظهر في دول مجاورة إلى مصدر تهديد مباشر للثروة الحيوانية في مصر. ورغم استعداد مبكر وتحركات حكومية سريعة، لكن الفلاحين وصغار المربين وجدوا أنفسهم في مواجهة موجة إصابات رفعت المعروض من اللحوم وخفضت الأسعار في الأسواق.
قال رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة المصرية حامد الأقنص، لـ”إيكونومي بلس”، إن سلالة “سات 1” تفشت في عدد من المناطق الجغرافية المجاورة لمصر في أبريل الماضي، ومنها ليبيا والسودان ودول خليجية، وظهرت السلالة الجديدة في مصر للمرة الأولى خلال شهر يونيو الماضي.
أضاف الأقنص، أن الهيئة رصدت انتشار المرض في المناطق المجاورة، واستعدت مبكرا عبر توفير التحصينات اللازمة لمواجهته، وظهرت في نهاية يونيو الماضي أول بؤرة مصابة في قرية كفر علم على طريق الإسكندرية الصحراوي.
أشار إلى أن الوزارة أبلغت منظمة الصحة الحيوانية العالمية بدخول المرض إلى مصر في يونيو الماضي، وتم عزل البؤرة وتقديم التحصينات اللازمة للسيطرة على المرض نظرا لأن الحمى القلاعية تنتشر عبر الهواء بسرعة كبيرة، وهذا أساس خطورته.
الحمى القلاعية مرض فيروسي شديد العدوى وسريع الانتشار يصيب الحيوانات ذات الظلف المشقوق، مثل الأبقار والأغنام والماعز والخنازير، ويؤثر على إنتاجها بشكل كبير ويتسبب في خسائر اقتصادية فادحة حال عدم السيطرة عليه، ولا يشكل المرض تهديدًا لصحة الإنسان، ويختلف عن مرض اليد والقدم والفم الذي يصيب الأطفال.
حملة قومية للتحصين
لاحقا في مطلع أغسطس الماضي، بدأت الهيئة في تنفيذ حملة قومية على مستوى محافظات الجمهورية، لرفع مناعة الثروة الحيوانية قبل الظهور الكبير والتفشي، وخلال 45 يوم – حتى منتصف سبتمبر، حصنت الهيئة 4 ملايين رأس من الماشية ضد “سات 1”.
أضاف: “الهيئة بدأت حملة ثانية للتحصين مطلع نوفمبر الجاري، وخلال أول 10 أيام فقط تم تحصين نحو 2.8 مليون رأس، ونأمل في وصولها إلى 8 ملايين رأس بنهاية الحملة”.
أين تتركز الإصابات؟
قال الأقنص، إن الإصابات في الماشية تتركز حاليا لدى الفلاحين وصغار المربين الذين يهملون التحصينات، بينما – على العكس – سارعت المزارع في الاستجابة لحملة التحصين الأولى في أغسطس، لذلك لم تصلنا شكاوى من أي إصابات بعد.
وفق الأقنص، حصلت جمعية منتجي الألبان منفردة على نحو مليون جرعة ضمن حملة تحصين أغسطس، وقدمتها للمزارع المختلفة أيا كان حجمها، كبيرة وصغيرة أو نموذجية.
يتوزع سوق الثروة الحيوانية في مصر من حيث الإنتاج بين 75% لصالح الفلاحين وصغار المربين، بينما لا تتجاوز حصلت المزارع النظامية والكبيرة 25% من قوة السوق، وهو ما يوضح أهمية الإلتزام بالتحصينات.
التحصين وحده لا يكفي
قال رئيس مجموعة شركات “نور الدين للثروة الحيوانية”، إبراهيم نور الدين، لـ”إيكونومي بلس”، إن الحمى القلاعية فيروس ضعيف جدا، لكنه قادر على إهلاك رؤوس الماشية حال عدم الاهتمام بالتحصين، لكنه حتى الأن لم نر نسب كبيرة في النفوق.
أوضح أن المزارع تستخدم أنظمة “BIOSECURITY” ولم تشهد أي حالات إصابة حتى الأن، على عكس الفلاحين الذين يملكون 1-2 رأس وصغار المربين الذين يملكون 7-8 رؤوس على سبيل المثال كانت لديهم إصابات أعلى.
أضاف أن البعض ينظر للتحصينات على أنها عديمة الجدوى، وهي على العكس من ذلك تماما، لكن الخطأ يتم خلال عملية الاستخدام، حيث أن التعطعيمات تحتاج إلى الحفظ في ثلاجات بدرجة حرارة منخفضة، مع ضرورة نقلها في “ICE BOX” خلال عمليات الاستخدام، وهو ما لم يهتم به الأطباء البيطريين أثناء تحصين روؤس الماشية لدى الفلاحين وصغار المربين.
وقال شكري غباشئ، صاحب مزرعة ماشية في محافظة كفر الشيخ، إن الإصابات لدى صغار المربيين متعدي الرؤوس بالمحافظة تجاوزت 50% من الأعداد، والبعض يشكو من حالات نفوق.
القطاع الخاص شريك أساسي
أشارت مصادر بالقطاع إلى أن شركة يونايتد بايوميد – أكبر شريك من القطاع الخاص لمعهد الأمصال واللقاحات البيطرية – هي التي تولت عزل الفيروس “سات 1” وإنتاج اللقاحات الخاصة به، وأنتجت بالفعل نحو 4 ملايين جرعة لصالح وزارة الزراعة ، وهو ما ساعد الوزارة على تحصين أكبر عدد ممكن من الرؤوس في فترة زمنية قليلة.
أضافت المصادر، أن تكاليف التحصين ليست مرتعفة، إذ أن مربو الماشية بشكل عام يحصلون على الجرعة الواحدة بما لا يتجاوز 14.5 جنيها.
أسعار اللحوم تنخفض
قال رئيس شركة “ماس للتجارة”، إبراهيم النادي، لـ”إيكونومي بلس”، إن اسعار اللحوم قائم انخفضت نتيجة لانتشار الفيروس الجديد لدى صغار المزراعين بواقع 10 جنيهات في الكيلو تقريبا، لتبلغ 150 جنيها في المتوسط، بينما انخفض سعر الكيلو في الرؤوس كبيرة العمر إلى 112 جنيها مقابل 125 جنيها قبل أسابيع قليلة.
أشار إلى أن انتشار المرض بين الفلاحين يضغط على الأسواق في الفترة الحالية، حيث ارتد صداه إلى ارتفاع المعروض تخوفا نمن النفوق، بينما قل الطلب بصورة واضحة للسبب نفسه.
نوع النادي، إلى أهمية الإلتزام بالتحصينات بصورة دائمة لتجنب حدوث خسائر اقتصادية بالقطاع نتيجة تفشي المرض قائلا: “من سيلتزم بالتحصينات سينجو، ومن لم يلتزم سيشهد إصابات قد تتطور إلى حالات نفوق”.
تاريخ الحمى القلاعية مع مصر
قال رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، حامد الأقنص، إن مرض الحمى القلاعية ظهر للمرة الأولى في مصر قبل نحو 50 عاما من خلال عترة واحدة تسمى “A”، ثم ظهرت العترة الثانية “O” في عام 2006، والتي تسببت في فقدان جزء كبير من الثروة الحيوانية في مصر وقتها.
أضاف أن عام 2012 شهد ظهور عترة ثالثة سميت “سات 2″، ثم ظهرت العترة الرابعة في عام 2022 كمتحور من العترة الأولى “A”، بينما ظهرت العترة الخامسة في العام الجاري.
يذكر أن الحمى القلاعية تسببت في خسارة مصر أكثر من نصف ثروتها الحيوانية تقريبا خلال عام 2018 على خلفية تفشي كبيرة وقتها أهلكت نحو 54% من أعداد الرؤوس لتنخفض إلى 7.4 مليون رأسا في 2019 مقابل 16.3 مليون رأس في العام السابق له مباشرة، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا