قد يفعل «كوفيد 19» لشركات البترول الكبيرة ما فعله «كويكب تشيكشولوب» للديناصورات عندما ضرب الأرض منذ 66 مليون عام.
ومثلها مثل «السحليات الرهيبة العملاقة» كانت شركات البترول الكبيرة بالفعل فى تراجع قبل أن يضرب فيروس كورونا المستجد، حيث يتغير العالم الذى انتعشت فيه ويواجهون تهديدات عديدة لصحتهم المستقبلية، ولكن تأثير الوباء سرّع هذه العملية.
وخفض الوباء الطلب على البترول، وأخذ الأسعار معه لأسفل، وكان المنتجون فى كل مكان بطيئون فى الاستجابة، والآن يأخذ التعافى وقتا أطول مما كان متوقعا مبدئيا فى ظل بقاء معدلات الإصابة مرتفعة بشدة فى الولايات المتحدة وزيادتها مجددا فى أوروبا.
وفى هذا العام الرهيب، ترى وكالة الطاقة الدولية، الطلب على البترول أقل بمقدار 8.4 مليون بريل يوميا مما كان عليه فى 2019، وفى 2021 سوف يظل أقل بمقدار 2.5 مليون برميل يوميا عن العام الماضى، وتتوقع وكالات البترول الرئيسية الأخرى مستقبلا مشابها، وهو ما يجعل الأعوام القليلة المقبلة غير مريحة لجميع منتجى البترول.
وفى الربع الثانى، عندما كانت تأثيرات الوباء على الطلب والأسعار فى ذروتها، تمكنت كبرى شركات البترول الأوروبية من تعويض بعض خسائرها من خلال الأرباح الهائلة من أقسام التداول، وكانت هذه الفترة تتسم بتقلبات مفرطة فى الأسعار، ولن يكون للشركات مثل هذا الدعم فى نتائج أعمالهم خلال الربع الثالث.
وينعكس كم المعاناة التى تواجهها شركات البترول الكبيرة فى أسعار الأسهم، وتبلغ قيمة «إكسون موبيل كورب» الآن نصف قيمتها فى بداية العام، كما تقلصت قيمة «شيفرون كورب» بأقل قليلا من %40، وتراجعت قيمة «رويال داتش شل» بنسبة أكبر من ذلك.
وكانت الأسابيع الماضية صعبة بشكل خاص على «إكسون»، فأولا، فقدت مكانها فى مؤشر «داو جونز» الصناعى، تاركة منافستها «شيفرون» كشركة البترول الوحيدة فى المؤشر، والأسبوع الماضى، فقدت لوقت قصير لقب أكبر شركة بترول أمريكية من حيث القيمة السوقبة لأول مرة منذ أن أُسست منذ قرن، وهذا اللقب ذهب إلى «شيفرون».
وتواجه «إكسون» انتقادات لعدم رغبتها فى التكيف مع التغيرات فى البيئة المادية للكوكب، وباع صندوق معاشات «تشيرش أوف أنجلند» البريطانى جميع ممتلكاته فى الشركة بعدما فشلت فى وضع أهداف لتقليل الانبعاثات.
أما شركات البترول المنافسة، خاصة فى أوروبا، تحركت سريعا لوضع أهداف طموحة لتقليل انبعاثات الكربون، ومع ذلك من الأهمية بمكان أن نحافظ على مستوى معقول من الشك فى قدرتهم على الوصول لهذه الأهداف.
وتصبح كذلك شركات البترول الكبيرة أصغر حجما، وتخطط «بى بى» لخفض 10 آلاف وظيفة، أى ما يعادل %14 من قوته العاملة، وسوف تسرح «شل» 9 آلاف عامل أو %11، كما ستقلص «شيفرون» كشوف مرتباتها بمقدار 6 آلاف عامل أى %13، وستخفض «إكسون» أيضا عدد العاملين رغم أنها لم تعطى رقما محددا حتى الآن.
ورغم الآمال بهدوء الوباء، فإن التهديدات القائمة بالفعل نتيجة التحول عن أنواع الوقود القائمة على البترول لن تهدأ، وترى كلا من «بى بى» و«توتال» الفرنسية الطلب العالمى على البترول يتضخم إلى 100 مليون برميل يوميا بحلول 2030 قبل أن يبدأ فى التراجع.
وتتوقع «شل» أيضا أن يصل الطلب على المنتجات البترولية إلى ذروته، وقال أحد مديريها التنفيذيين، «دى لا رى فنتر»، فى قمة السلع العالمية التى نظمتها «فاينانشيال تايمز» الشهر الماضى: «سوف يصل الطلب على البترول إلى ذروته سواء فى العقد الجارى أو القادم».
حتى أن منظمة الدول المصدرة للبترول، «أوبك»، يمكنها أن ترى اقتراب ذروة الطلب، وهى فكرة وصفتها من قبل بأنها مضللة، وقالت فى احدث تقاريرها لآفاق البترول العالمى، والصادر الأسبوع الماضى، إن الاستهلاك العالمى للوقود السائل سوف يصل إلى ذروته فى 2040.
وتشير توقعات «أوبك» إلى تحدى آخر أمام شركات البترول الكبيرة، فهى تتوقع تباطؤ إنتاج البترول من الدول غير الأعضاء فى «أوبك» بعد الانتعاش من المستويات الدنيا الناتجة عن الوباء بحلول 2025، وعندما يحدث ذلك، سوف يحتاج العالم من أعضاء «أوبك» ضخ المزيد من البترول حتى مع ركود الطلب.
ورغم أن شركات البترول يمكن نظريا أن تستكشف وتضخ البترول من أى مكان، فهى لا تتمع بالمزيج الأكثر جاذبية وهو الاحتياطيات الوفيرة والتكلفة المنخفضة مثل السعودية.
بقلم: جوليان لى
كاتب مقالات رأى لدى بلومبرج
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا