فى وقت سابق من الشهر الماضي، صوتت لجنة السوق المفتوح الفيدرالية، بالإجماع على زيادة أسعار الفائدة قصيرة الأجل بمقدار ربع نقطة مئوية، ورفعتها من %2.25 إلى %2.5.
وكان هذا الرفع، هو الرابع فى 12 شهراً، وهى سلسلة رفع متوقعة منذ عام.
وأوضح أعضاء اللجنة، أنه سيكون هناك رفعان آخران بمقدار ربع نقطة مئوية فى 2019.. وقوبل هذا الإعلان برفض واسع.
وأشار منتقدو مسار “الفيدرالي” إلى ضعف النمو الاقتصادى فى الربع الحالي، وإلى أن مقياس التضخم المحبب لديه دون المستوى الرسمى المستهدف عند %2.
وبالنظر إلى أن «الفيدرالي» لطالما قال إن سياسة رفع الفائدة «قائمة على البيانات»، فلماذا يمضى قدمًا فى خطته المعلنة سابقاً عن مواصلة تضييق الظروف النقدية؟
ولم يعط بيان لجنة السوق المفتوح فى أحدث رفع لأسعار الفائدة أى سبب واضح له، وكذلك لم تعط تعليقات رئيس «الفيدرالي» جاى باول، فى المؤتمر الصحفى أى أسباب لمواصلة مسار الرفع رغم التباطؤ الاقتصادي.
ويعتمد تحديد المستوى المناسب لأسعار الفائدة على الموازنة بين مجموعة متغيرة من الاعتبارات.
إذاً.. ما هى الاعتبارات التى أخذتها لجنة السوق المفتوح فى الاعتبار عندما قررت رفع أسعار الفائدة الشهر الماضى ومواصلة رفعها فى 2019؟
هناك ثلاثة احتمالات، الأول، أن المستوى الحالى لأسعار الفائدة (المعدلة وفق التضخم) منخفضة بقدر كبير، وكانت أحدث قراءة للتضخم السنوى المقاس وفقا لارتفاع مؤشر الأسعار الاستهلاكية %2.2.
وإذا طرحنا هذا التضخم من أسعار الفائدة الفيدرالية الاسمية عند %2 فسنجد أن سعر الفائدة الحقيقى كان سلبيا قبل أحدث رفع وأصبح صفر تقريبا بعد الرفع.
وتكون الفائدة الصفرية الحقيقية مناسبة فى اقتصاد راكد للغاية وليس فى اقتصاد ينمو ناتجه المحلى الإجمالى بأكثر من %3 العام الحالي، ومعدل بطالة منخفض بشكل استثنائى عند %3.7، وتقف تقديرات «الفيدرالي» للمستوى المعقول للبطالة، أعلى بكثير عند %4.4.
ويمكن أن تتسبب أسعار الفائدة شديدة الانخفاض فى مشكلات خطيرة، إذ تستجيب الشركات لانخفاض تكلفة رأس المال بالتحمل المفرط للديون، وتبحث البنوك وغيرها من المقرضين عن العائد من خلال إقراض المقترضين ذوى التصنيف الائتمانى السيئ وفرض شروط أقل على القروض، ويرفع المستثمرون فى الأسواق المالية أسعار الأسهم إلى مستويات غير مستدامة، وتنجذب الحكومات لإدارة عجوزات كبيرة بسبب انخفاض تكلفة خدمة الديون نسبيا،
والسبب الثانى لرفع أسعارالفائدة، أن لجنة السوق المفتوح تريد مستويات أعلى من الفائدة الآن حتى تتمكن من خفضها مجددًا فى الركود الاقتصادى المقبل عندما ترغب فى تحفيز الطلب.
ودامت دورة التوسع الحالية، الأطول منذ الحرب العالمية الثانية، 114 شهراً منذ بدايتها فى يونيو 2009، ومع ذلك هناك علامات تحذيرية كافية توحى بأن الركود سيبدأ خلال العامين المقبلين، بما فى ذلك انخفاض أسعار الأسهم والضعف فى قطاع الإسكان والركود فى الدول الأوروبية الكبرى والمستويات المتقلبة للصادرات الأمريكية.
وفى فترات الركود الثلاثة السابقة، خفض «الاحتياطي» أسعار الفائدة الرسمية بحوالى 5 نقاط مئوية من %4.8 و%5.3، ولكن مع وقوفها عند %2، لا يمكنه تخفيضها سوى بنقطتين مئويتين قبل أن تصل إلى الصفر.
ورغم أن البنك المركزى السويسرى والبنك المركزى الأوروبي، خفضوا أسعار الفائدة دون الصفر، فقد تسبب ذلك فى مشكلات لشركات التأمين والبنوك، كما أنه من غير الواضح ما هى المشكلات التى ستظهر عندما تبدأ هذه البنوك فى تطبيع الفائدة.
والسبب الثالث هو أن لجنة السوق المفتوح ربما أرادت رفع أسعار الفائدة لإعادة أسعار الفائدة الحقيقية إلى مستوياتها «المحايدة» (التى تدعم الاقتصاد عندما يكون فى حالة العمالة الكاملة والإنتاج الأقصى مع الحفاظ على استقرار التضخم)، وقال بعض الاقتصاديين إن سعر الفائدة المحايد الذى لا يرفع أو يقمع الطلب الكلي، تراجع بقدر كبير فى السنوات الأخيرة، لكن الفائدة المحايدة ليست رقما يمكن حسابه بطريقة مباشرة مثل معدل التضخم، بل يجب تقديرها من خلال نموذج اقتصادى معقد.
وأكد باول، وغيره أنه من الصعب حساب قيمة هذه الفائدة «المحايدة».
ووجهة نظرى الشخصية هى أن التقديرات تتضمن أن قيمة الفائدة المحايدة تراجعت بحدة فى السنوات الأخيرة، وهو ما ينعكس بالفعل فى تراجع معدلات الفائدة التى يحددها «الفيدرالي» وغيره من البنوك المركزية. وفى الماضى كان عادة يفترض أن سعر الفائدة المحايد يقف عند حوالى %2، وبالنظر إلى أن الفائدة الحقيقية قريبة من الصفر، فهناك حاجة لرفع كبير حتى نعود للمستوى المحايد التقليدي.
وتفسر هذه الأسباب الثلاثة، وربما غيرها أيضا، وجهة نظر لجنة السوق المفتوح بأن أسعار الفائدة منخفضة للغاية ويجب رفعها، ولسوء الحظ، ربما تكون الزيادات الأخيرة متأخرة للغاية وقليلة للغاية.
بقلم: مارتن فيلدشتاين
أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا