ساهم تفشى وباء «كوفيد19-» فى الصين والعالم في تسريع العديد من التغيرات، وأكثرها بروزاً كان طريقة صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، ومقرهما الولايات المتحدة، فى تنفيذ السياسات.
لقد ولت الشروط القاسية التى فرضتها كلتا المؤسستين على تمويل المشاريع منذ الثمانينيات، وهو نهج سياسى يُعرف باسم إجماع واشنطن.
وعادةً ما كانت تتضمن هذه الإجراءات تقشفاً مالياً وخفض مستوى الرفاهية وإلغاء دعم الأسعار والخصخصة، فكل هذه التدابير كانت تُتخذ فى الدول التى كانت تعانى بالفعل من ظروف اقتصادية ومالية صعبة.
وغالباً، لا يكون أمام الحكومات خيار سوى الموافقة، وهو ما آثار استياءً شديداً فى العالم أسره، خصوصاً فى آسيا، إذ جاءت مسودة «إجماع واشنطن» لترمز إلى كيف يمكن للمؤسسات غير المنتخبة فرض شروط قاسية على دول ذات السيادة.
لكن الأمور آخذة فى التغير الآن بعد تفشى كورونا، والتى استجاب لها صندوق النقد الدولى من خلال تقديم 250 مليار دولار لمنشآت الإقراض المختلفة وللمساعدة فى تخفيف خدمة الديون، بجانب مساعدات مالية بقيمة 107 ملايين دولار إلى 85 دولة.
وتم توفير هذه التدابير عبر مجموعة برامج متنوعة ذات شروط بسيطة أو دون شروط، وبدلاً من ذلك ركزت على حماية الأرواح وتقديم الدعم للأشخاص الذين فقدوا سبل عيشهم، بحسب مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
وتعتبر التدابير الحالية مصممة لتخفيف حدة الديون التى تعانى منها الدول نتيجة تفشى الوباء، مثلها مثل حد الائتمان المرن غير المشروط الذى أنشأه صندوق النقد الدولى بعد الأزمة المالية العالمية لمساعدة الدول التى تعانى من أزمة سيولة.
هذا التحول فى السياسة مرحب به، حتى لو جاء بعد بعض الإخفاقات الكبيرة فى سياسة مساعدة الدول على الخروج من أزمات الديون، فقد كانت اليونان واحدة من أحدث وأبرز الحالات على هذا الإخفاق.
لكن هل هذا التحول كان سيحدث دون تحول الصين إلى مقرض مهم للغاية للدول المحتاجة؟
تعد الصين الآن أكبر مصدر رسمى لتمويل التنمية فى العالم، متجاوزة الإقراض المقدم من قبل أى مؤسسة متعددة الأطراف أو جهات إقراض ثنائية أخرى، بما فى ذلك الولايات المتحدة، و%70 تقريباً من هذه القروض تم منحها من قبل البنوك السياسية المملوكة للدولة، خصوصاً بنك التنمية الصينى وبنك الصين للاستيراد والتصدير.
وخلال الأعوام العشرة حتى عام 2019، منح بنك التنمية الصينى وبنك الصين للاستيراد والتصدير قروض لدول آسيا والمحيط الهادئ النامية بقيمة إجمالية تقدر بنحو 120 مليار دولار، مقارنة بـ 220 مليار دولار منحها البنك الدولى بين عامى 2012 والربع الأول من عام 2021.
تتمتع الصين بمجموعة متنوعة من أدوات الإقراض تحت تصرفها، لكل منها ميزات ووظائف مميزة، ومنذ منتصف عقد 2010، ظهرت مبادرتان لتجسيد دور الصين المتنامى فى الإقراض العابر للحدود، وهما مبادرة الحزام والطريق، والبنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية، ومقره بكين وتقوده الصين.
وسلطت الأضواء بشكل كبير على المبادرتين، بفضل مزيج الموارد المالية والشبكة الكبيرة التى تضم الدول الموقعة عليهما وعداء الولايات المتحدة، ومع ذلك، فإن حجم الأموال التى تم قُدمت فعليا حتى الآن صغير نسبياً، إذ تمثل قروض مبادرة الحزام والطريق حوالى %10 فقط من إجمالى الإقراض فى الصين.
ورغم عدم الإفصاح عن شروط القرض فى كثير من الأحيان- الصين ليست عضواً فى نادى باريس- تشير الأدلة المتاحة إلى أن قروض مبادرة الحزام والطريق، على عكس تلك التى يقدمها البنك الدولى، تقدم شروطاً وأحكاماً مماثلة لتلك المرتبطة بالقروض التجارية العادية.
كما أن بكين لا تفرض إصلاحات اقتصادية أو اجتماعية كشرط للحصول على القروض، وهو أمراً يروق للدول التى لديها ديون قائمة أو قضايا تتعلق بالحوكمة، وانتشرت المساعدة المالية الصينية فى شكل أقل شهرة، لكنه فعال للغاية من اتفاقيات تبادل العملات الثنائية.
سمحت أحكام الإقراض والسيولة الثنائية للصين بالتقدم بهدوء ودون تهديد فى هدفها المتمثل فى لعب دور أكبر فى التمويل الدولى، فى ظل القيود التى تفرضها عملتها المحلية «اليوان» التى حدت من التداول الدولى، وتعتزم الصين مواصلة توفير السيولة قصيرة الأجل للأسواق الناشئة والدول النامية، وبالتالى معالجة الفجوة القائمة فى النظام الحالى.
فى آسيا، على سبيل المثال، لم يستطع أى بلد حتى الآن الحصول على حد ائتمانى مرن من صندوق النقد الدولى، كما أن صندوق النقد الدولى لم يقدم سوى عدد قليل من البرامج للدول النامية الأصغر حجماً فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ فى العقدين الماضيين، ولم يكن هناك أى برامج فى شرق آسيا أيضاً.
لايزال من السابق لأوانه اعتبار هذه الخطوات بداية إنشاء مسودة «إجماع بكين»، خاصة أن قيود اليوان كعملة دولية تقيد قدرة الصين على الإقراض الثنائى وتزيد من مخاطر الدائنين.
ومع ذلك، هذه القيود تعنى أن الصين لا تستطيع حتى الآن إنشاء نظام بديل للنظام الحالى الذى تقوده الولايات المتحدة، لكن موقع الصين الموسع كثيراً فى الإقراض الثنائى يدفع العمل الدولى للتركيز على الحاجة إلى تحسين طريقة توفير صندوق النقد الدولى وبنوك التنمية المتعددة الأطراف الأخرى للتمويل وكيفية جعل الشروط المرتبطة بهذه القروض أكثر مرونة.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا