من الممكن أن يتجه العالم النامى نحو أزمة ديون جديدة، إذ يبلغ متوسط الدين العام فى الأسواق الناشئة %50 من الناتج المحلى الإجمالى فى الوقت الحالى وهو أعلى مستوى منذ الثمانينيات.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، أن أكثر من %80 من البلدان النامية زادت من ديونها العامة فى السنوات الخمس الماضية.
وبلغ عدد البلدان التى تم تصنيف مستوى ديونها العامة على أنها «غير مستدامة» أو «عالية المخاطر» 32 دولة فى الوقت الحالى، أى أكثر من ضعف العدد فى عام 2013.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أنه رغم تركيز معظم وسائل الإعلام على القروض الصينية التى تعزز من ديون البلدان النامية، فإن بكين ليست المقرض الوحيد الذى يسهم فى الأزمة الجديدة التى تلوح فى الأفق.
أشارت الصحيفة، إلى أن معظم القروض الجديدة المقدمة إلى البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل، أتت من مصادر أخرى بما فى ذلك بلدان ومؤسسات متعددة الأطراف منها البنك الدولى، ومصارف التنمية الإقليمية.
وإذا كان لا بد من تجنب أزمة الديون، فينبغى على حكومات البلدان النامية وجميع المقرضين بما فى ذلك الصين والبنك الدولى وغيرها، أن تتحد وتتصرف من أجل السيطرة على مستويات الديون المرتفعة فى الوقت الحالى.
وقام المحللون فى الصحيفة البريطانية منهم بول كالان، وباسم بندارى، ويوهان سكويرا، بدراسة التغيرات فى الدين العام فى البلدان النامية خلال الفترة من 2013 وحتى2017، وكشفت الدراسة أنه من بين 125 دولة شهدت 101 دولة زيادة فى إجمالى الدين الحكومى العام كنسبة مئوية من إجمالى الناتج المحلى مقارنة بـ24 دولة فقط التى شهدت انخفاضًا فى إجمالى ديونها الحكومية، وفى عام 2017 كان لدى 62 دولة نامية ديونا عامة تساوى أكثر من %50 من ناتجها المحلى الإجمالى مقارنة بـ39 دولة فقط فى عام 2013.
وقال صندوق النقد الدولى، إن ارتفاع مستويات الدين الحكومى يعرض التقدم الاقتصادى والاجتماعى للخطر.
وأضاف صندوق النقد، أن البلدان ذات الديون الحكومية المرتفعة معرضة للتشديد المفاجئ فى سياستها النقدية بسبب ظروف التمويل العالمية.. الأمر الذى قد يعطل الوصول إلى الأسواق ويعرض النشاط الاقتصادى للخطر.ويتطلب ارتفاع القروض العامة، تحويل مزيد من الأموال العامة نحو خدمة الدين بدلاً من إنفاقها على الخدمات الاجتماعية منها التعليم والصحة، وفى زامبيا، على سبيل المثال، زعم بعض الاقتصاديين أن الحكومة قامت مؤخراً بتحويل أموال المانحين المخصصة للإنفاق على القطاع الاجتماعى لتسديد الديون.
ويشبه هذا الوضع فترة ما قبل أزمة الديون فى الثمانينيات عندما اضطرت البلدان النامية ومنها زامبيا والكاميرون وملاوى، إلى إنفاق حوالى %40 من الإيرادات الحكومية على سداد الديون وهى نسبة أكبر بكثير مما أنفقته هذه البلدان على التعليم والصحة، ومع ارتفاع مستويات الديون، يقترب عدد أكبر من البلدان من نقاط الأزمة، وفى عام 2017 صنّف صندوق النقد الدولى، الدين العام بأنه «غير مستدام» أو «معرض لخطر كبير بعدم الاستدامة» فى 32 دولة نامية مقارنة بـ15 دولة فقط فى عام 2013، وخلال هذه الفترة انتقلت خمسة بلدان من «خطر دين منخفض» أو «مستدام» كما انتقلت أيضًا 7 دول من «خطر دين معتدل» إلى «غير مستدام» أو «شديد الخطورة»، فى حين قامت دولة واحدة فقط وهى مصر بتحسين مستوى الخطر.وتساءل المحللون من أين أتت الديون الجديدة؟
وكانت الإجابة من قبل شركة «ألبيرج» للاستشارات العالمية التى أفادت بأن اتفاقيات القروض العامة الخارجية الجديدة الموقعة خلال الفترة من 2013 و 2017 كانت من قبل حكومات 16 دولة نامية ذات دخل منخفض ومتوسطة الدخل، والتى بلغ الدين العام فيها مستويات «غير مستدامة» أو «عالية المخاطر» أو واجهت زيادة فى مخاطر الدين العام خلال نفس الفترة.
وتوقع المحللون أن القروض المحددة من البيانات التى تم جمعها بواسطة نظام الإبلاغ الائتمانى لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، و «أبحاث الصين» و «أيد داتا» ومبادرة «سايس» للأبحاث الصينية الأفريقية أن معظم القروض الجديدة لهذه البلدان تمت خلال الفترة من 2013 و 2017، وذكر المحللون أنه لا يمكن القول تمامًا بأن القروض المحددة تمثل التزامات من المانحين بدلاً من المدفوعات الفعلية وليس لديهم معلومات مؤكدة عن عمليات سداد الديون التى تم تقديمها خلال نفس الفترة.
وأشارت الدراسة إلى أن الصين كانت أكبر مصدر للقروض الجديدة التى تم تحديدها، إذ قدمت %44 من القيمة الإجمالية للقروض الجديدة المحددة للبلدان المنخفضة الدخل المعرضة للخطر فى 2013 و 2017. وباستثناء إثيوبيا التى تمثل حوالى %40 من إجمالى القروض الجديدة لـ16 دولة قدمت الصين %30 من القروض الجديدة إلى 15 دولة أخرى، ومن الممكن أن يكون الإقراض الصينى أقل من قيمته، لأن بكين لا تقدم تقارير عن جميع قروضها إلى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية، أو غير ذلك من المنظمات.
وتعتمد مبادرة الصين لأبحاث أفريقيا، على ما يمكن تحديده من خلال عمليات البحث فى وسائل الإعلام.وهيمن حجم التمويل الذى قدمته الصين لهذه المجموعة من البلدان على اهتمام وسائل الإعلام، إذ برزت بكين على أنها أحد الأسباب الرئيسية لزيادة مستويات الديون فى البلدان النامية. ومع ذلك، فإن الصين ليست المقرض الوحيد للبلدان المنخفضة الدخل والمعرضة للخطر.
وكشفت البيانات أن بنوك التنمية متعددة الأطراف وصناديقها قدمت ما يزيد قليلاً عن ثلث القروض للبلدان الستة عشر ذات الدخل المنخفض والمعرضة للخطر، وكان البنك الدولى، أكبر مصدر منفرد للائتمان متعدد الأطراف حيث قدم %18 من إجمالى القروض لهذه البلدان و%12 من القروض إلى 15 دولة باستثناء إثيوبيا، ومن بين الدائنين الآخرين متعددى الأطراف، الصندوق العربى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبنك التنمية للبلدان الأمريكية، وصندوق النقد الدولى، وبنك التنمية الأفريقى، إلى جانب بنك التنمية الآسيوي.ويمثل الدائنون الثنائيون بخلاف الصين، %14 من القروض للبلدان ذات الدخل المنخفض الـ 16 المعرضة للخطر و%22 من البلدان باستثناء إثيوبيا، وهناك القليل من حالات الاقتراض المبلغ عنها من قبل هذه البلدان من الدائنين التجاريين وكانت هذه القروض عادة بمبالغ كبيرة. وعلى سبيل المثال، حصلت السودان على قرض بقيمة 2 مليار دولار فى عام 2017 من شركة تركية لتسهيل استيراد القمح والمنتجات البترولية وتوفير الخدمات المصرفية.
ويذهب الائتمان الثنائى بأغلبية ساحقة لتمويل مشاريع البنية التحتية، كما يذهب أكثر من نصف الائتمان المتعدد الأطراف إلى البنية التحتية.. لكن حوالى %30 يكون مخصصا لتمويل الخدمات العامة والميزانيات العامة للحكومات.وتبذل الحكومات جهودا كبيرة لزيادة التمويل من أجل التنمية وتحقيق أهداف برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وينبغى الاحتفال بتلك الجهود.. لكن مع ذلك، من المهم بنفس القدر أن يكون التمويل نفسه مستداما.
وخلاف ذلك، فإننا نجازف بتكرار التاريخ والمتمثل فى انفجار أزمة الديون التى نشبت فى الثمانينيات من القرن الماضى.
وذكرت «فاينانشيال تايمز» انه إذا تسببت الاتجاهات الحالية فى أزمة ديون جديدة فسيتوقف النمو والتنمية مرة أخرى، كما سيتم أيضًا تقويض الأهداف الأساسية للتمويل. وأضافت أن التمويل ينبغى أن يكون من مصادر «مستدامة» قدر الإمكان من الضرائب المحلية ومن المنح والقروض الميسرة بالاضافة إلى المشاريع التى يتم سدادها من تدفقات إيرادات المشاريع نفسها.وخلصت الدراسة، إلى أنه يجب استخدام تمويل الدين العام بشكل ضئيل ولا سيما فى البلدان التى وصلت بالفعل إلى حافة عدم القدرة على تحمل الديون أو تقترب من هذه المرحلة. وبطبيعة الحال، تقع على عاتق الدول النامية مسؤولية إدارة ديونها بشكل أساسى ولكنه يقع على عاتق البلدان والمنظمات المقرضة أيضًا بما فى ذلك الصين والمقرضون الثنائيون الآخرون والبنك الدولى، وبنوك التنمية الأخرى، تجنب خلق حالات تعثر حيث يكون الإقراض الجديد من أجل دفع البلدان نحو تحمل مستويات غير مستدامة من الديون.
المصدر: جريدة البورصة
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا