يتكون الجهاز الإدارى في مصر من 2443 كيان، تشمل 33 وزارة ملحق بها 14 مصلحة، بالإضافة إلى 217 هيئة عامة، و27 محافظة، و188 مركز، و226 مدينة، و91 حيا و1325 قرية، بالإضافة إلى 25 جهاز مدينة.
المركز المصرى للدراسات الاقتصادية عقد ندوة بعنوان: “الجهاز الإدارى في مصر مربط الفرس للإصلاح المؤسسى”، وذلك في إطار سلسلة أوراق بحثية تحمل نفس العنوان، وبحضور نخبة من المتخصصين في مجال الإدارة والاقتصاد، بهدف توصيف مشكلة الجهاز الإدارى في مصر ووضع مقترحات للإصلاح.
واستعرض الدكتور طارق الحصرى، وكيل كلية الدراسات العليا في الإدارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى، خلال الندوة نتائج الدراسة التي أعدها المركز وتناقش مشاكل الجهاز الإدارى في مصر ومقترحات تطويره.
وأشار الحصري إلى عدد من التحديات التي تواجه الجهاز الإدارى في مصر والتي تتمثل في ضخامته وتعقده، ضاربا المثل بتضخم عدد الوزارات في مصر والتي يصل عددها إلى 33 وزارة، بينما يبلغ عدد الوزارات في كل من الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية 15 وزارة، وفرنسا 16 وزارة، واليابان 10 وزارات، وسنغافورة 12 وزارة، فضلا عن التداخل في اختصاصات بعض الوزارات وتفتيت المهمة بين أكثر من وزارة، وعدم وجود أهداف محددة وتضارب الصلاحيات والمسئوليات، مثل وزارات الكهرباء والبترول، والرى والزراعة، والخارجية والهجرة.
وأوضحت الدراسة وجود العديد من الهيئات التي انتهت مهمتها أو نقلت مهامها إلى جهة أخرى أو تتداخل في اختصاصات جهات أخري، وهو ما يؤدي إلي عدم وحدة المسئولية، وعدم ترشيد الإنفاق بوجود هيئات كاملة من مقار وموارد بشرية ومادية بالرغم من عدم وجود مهام تقوم بها، وهو ما يتطلب دراسة مستقلة.
وضربت الدراسة مثلا بالهيئة العامة للإصلاح الزراعى المنشأة بقرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة عام 1963 وتختص بتنفيذ قانون الإصلاح الزراعى واللوائح المنظمة له وأعمال الاستيلاء والتوزيع وإدارة الأراضى الزراعية المستولى عليها، وهذا الدور انتهى منذ عشرات السنوات ومع ذلك لازالت تمارس الهيئة عملها حتى الآن ويعمل بها نحو 13367 موظفا. ومن بين الهيئات التي انتهى دورها ومازالت قائمة حتى الآن، الهيئة الزراعية المصرية، والمركز الإقليمى لتعليم الكبار بسرس اللبان، بالإضافة إلى تداخل اختصاصات الجهات التي تعمل في تنمية الصادرات فهناك هيئة وصندوق وبنك وشركة لها نفس الاختصاصات.
ومن أهم التحديات التي تواجه الجهاز الإدارى للدولة أيضا، تضخم العمالة وسوء توزيعها وارتفاع تكلفتها وانخفاض إنتاجيتها وعدم رضا المواطنين عن الخدمات التي يقدمها الجهاز الإدارى، حيث يوجد نحو 6.4 مليون درجة وظيفية ممولة بالجهاز الإدارى، وهى نسبة ضخمة جدا تعادل نحو موظف لكل 15 مواطن، في حين يبلغ هذا المعدل في ألمانيا موظف لكل 159 مواطن، وفى الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا موظف واحد لكل 114 مواطن، وفى المغرب موظف لكل 88 مواطن، وهذا أدى لارتفاع تكلفة العمالة في القطاع الحكومى إلى 270 مليار جنيه بموازنة السنة الحالية 2018/2019 بخلاف أجور الهيئات الاقتصادية.
وأشارت الدراسة إلى سوء إدارة منظومة تنمية المهارات للموظفين بالجهاز الإدارى للدولة، وتراجع ميزانيات التدريب خلال السنوات الماضية خاصة بعد ثورة 2011، حيث بلغ نصيب الموظف من موازنة التدريب 14.1 جنيها في السنة المالية 2012/2013، وارتفع إلى 38.42 جنيها في 2018/2019، وهو مبلغ متدنى للغاية.
وتتمثل التحديات التي تواجه الجهاز الإدارى أيضا في كثرة عدد التشريعات التي تحكمه وتقادمها وتضاربها ويصل عددها إلى 53 ألف و538 تشريعا ما بين قوانين وقرارات ولوائح، وجميعها تشريعات سارية حتى يناير 2019 طبقا للدراسة، إلا أن بعض هذه التشريعات قد صدر عام 1880 وما زال ساريا، وهو ما يؤدي إلى ضعف الالتزام بالأُطر القانونية المُنظمة للجهاز الإداري للدولة، وغياب شفافية القواعد المُنظمة للأعمال الحكومية مما يخلق بابا خلفيا للفساد واستغلال بعض الثغرات التشريعية نظرا لتعددها مع غياب الرؤية الشاملة للمنظومة التشريعية للقواعد المُنظمة للأعمال الحكومية.
ووفقا للدراسة، فإن أبرز التحديات تتمثل أيضا في المركزية الشديدة في إدارة الدولة، واتباع النظم التقليدية في إعداد الموازنة العامة، وضعف نظم إعداد خطط التنمية قصيرة وطويلة الأجل، بالإضافة إلى سوء الخدمات المقدمة للمواطنين وعدم رضاء المواطن عن نوعية وأسلوب تقديم هذه الخدمات، وانتشار مظاهر الفساد فى عدد كبير من الجهات الحكومية، وسوء البنية التحتية التكنولوجية والمعلوماتية بالجهاز الإدارى.
وحول رؤية تطوير الجهاز الإدارى للدولة، أشارت الدراسة إلى وجود رؤية للإصلاح الإدارى تم اعتمادها من القيادة السياسية في أغسطس 2014 قبل صياغة استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030، وتم تطوير مستهدفاتها لاحقا ووضع تصور أشمل للإصلاح الإدارى بالمحور الرابع “الشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية” رؤية مصر 2030.
ولتحقيق هذه الرؤية يجب العمل على مبادرات رئيسية تتمثل في تطوير منظومة إدارة الجهاز الإدارى للدولة لإحداث التغييرات الهيكلية والتنظيمية اللازمة لرفع كفاءة الجهاز الإدارى في إدارة شئون البلاد، وهذا يتطلب إعادة النظر في الحجم الأمثل للحكومة وهى حاليا 33 وزارة، في حين تدار دولة بحجم أمريكا بمتوسط 15 وزارة، ويبلغ متوسط عدد الوزارات في دول الاتحاد الأوروبى 22 وزارة.
ويتطلب تحقيق رؤية التطوير، فصل وظيفة المنظم والمراقب عن المنفذ، والنظر في الهيئات العامة المصرية وعددها 217 هيئة ومراجعة أدوارها والوصول إلى دمج أو إلغاء أو تعديل بعضها في ضوء المتغيرات التي حدثت في مصر، وتفعيل تحويل بعض الهيئات الخدمية إلى اقتصادية، وتحويل بعض الهيئات الاقتصادية إلى شركات عامة أو خاصة، وضرورة مراجعة وحدات الإدارة المحلية، وتحديث البنية التشريعية للدولة بتخفيض هذا الكم من التشريعات لتوائم متطلبات العصر، وتطوير البنية التكنولوجية والمعلوماتية، وتطوير الخدمات الحكومية من خلال الربط بين الجهات الحكومية وتبادل المعلومات وفتح المجال للقطاع الخاص لتقديم الخدمات الحكومية وتتحول الحكومة إلى منظم للخدمات وليس مقدم خدمة، وهذا الحل يوفر للدولة مئات الملايين من الاستثمارات.
وأكدت الدراسة على أهمية الاهتمام بالعنصر البشرى وتحويل إدارات شئون العاملين والأفراد إلى إدارات موارد بشرية لجذب المواهب وتدريبهم، واتباع النظم الحديثة في إعداد الموازنة العامة للدولة بنظام البرامج والأداء، ونظم حديثة ومتكاملة لإعداد خطط التنمية القصيرة والطويلة الأجل، وزيادة التواصل والشفافية مع المواطن.
وشددت الدراسة على أن هذه المُبادرات – بعد دراسة مفصلة لكل مبادرة – قادرة على إعادة تصميم الجهاز الإداري للدولة في مصر” باعتبارها جزء أساسي من استراتيجية وطنية شاملة لتحديث مصر وتحويلها إلى مجتمع المعرفة والإبداع”، وليست قضية منفصلة أو مستقلة، وخلق إصلاح إداري حقيقي في الدولة المصرية بشرط المتابعة المستمرة من القيادة السياسية، والبرلمان ومن الأجهزة الرقابية لمراحل التنفيذ، وأن يتم تنفيذها بصرف النظر عن تغيير المسؤول عنها باعتبارها رؤية دولة وليست رؤية فرد، وأن يتم توفير التمويل المناسب لتنفيذها، ويجب ألا تقتصر المسئولية على وزارة واحدة يصعب عليها في أغلب الأحيان تنفيذ الإصلاح في وزارات وهيئات أخرى.
ومن جانبه قال المهندس هانى محمود، وزير التنمية الإدارية الأسبق، أنه لن يمكن إصلاح الجهاز الإدارى إلا بعد خطوات تتمثل في تقليل العدد ورفع كفاءة العاملين، لافتا إلى أن قانون الخدمة المدنية غير كاف للتطوير لكنه خطوة للأمام، ولكن رفضه في مجلس النواب من قبل يعطى صورة لحجم مقاومة التغيير في الدولة.
وأشار محمود إلى وجود مشكلة في التدريب وتطوير العاملين، حيث تم إهمال تنمية الموارد البشرية لسنوات، وهو ما يتطلب ضرورة خروج الجيل الأكبر من الجهاز الإدارى حتى يتم الإصلاح، مشددا على أن عملية الإصلاح لها تكلفة، ولكن ستكون التكلفة أكبر بكثير إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن لأنه وضع كارثى.
وأكد الدكتور صفوت النحاس الرئيس الأسبق للجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، أن تفعيل قانون الخدمة المدنية هو ما يجب تنفيذه لتحقيق تطوير الجهاز الإدارى، لافتا إلى أن صدوره أغلق الكثير من الأبواب الخلفية للتعيينات بالحكومة، ومازال التدريب نقطة ضعف كبيرة في الجهاز الإدارى وهو ما يتطلب تنفيذ إدارات الموارد البشرية في الوحدات الحكومية كبديل عن إدارات شئون العاملين.
وطالب النحاس بوجود رقابة من جهة غير رسمية على تفعيل قانون الخدمة المدنية، مقترحا إنشاء هيئة لضمان الجودة والاعتماد للجهاز الإدارى تتبع رئيس الوزراء أو مجلس النواب لضمان ضبط سير العمل بالجهاز الإدارى، بجانب التحول لموازنة البرامج والأداء وتدريب الموظفين للتعامل معها.
ودعا طارق توفيق، نائب رئيس المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إلى تفعيل مبادرة “إرادة” لتنقية التشريعات وهو ما سبق أن طالب به اتحاد الصناعات المصرية، مضيفا أنه قد حان الوقت لوضع حلول فعلية في ظل إرادة سياسية لتحقيق التغيير.
ومن جانبها أكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، أن كل المشاكل الاقتصادية سببها الحقيقى هو الجهاز الإدارى للدولة، وهو ما يسعى المركز لمناقشته من خلال تبنى هذه القضية، مشيرة إلى أن نتائج الدراسة مفزعة، ولكن المشكلة تتمثل في استمرار الخطأ بعمل كيانات لنفس عدد الوزارات الـ33 في العاصمة الإدارية الجديدة، وهو ما يتطلب إعادة نظر.
وشددت عبد اللطيف على ضرورة الفصل بين المخطط والمنفذ والمراقب حتى يمكن إحداث تطوير وإصلاح مؤسسى حقيقى.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا