على أحد أرصفة شوارع القاهرة ترد أم أحمد بائعة البيض والجبن البلدي وهي تراقب حركة المارة على سؤال جارها صاحب متجر الخضار: “متعرفيش لو الأمريكان انتخبوا رئيس جديد، هينزل سعر البيض؟ لترد بتلقائية: “يا أخويا أنا مش خبيرة في السياسة، لكن لو الدولار طلع، البيض هيطلع معاه”.
تجسد أم أحمد نموذجاً مصغراً لحياة ملايين المصريين الذين يعيشون على تأثيرات اقتصاد عالمي مترابط، ففي كل مرة تشهد أسعار السلع الأساسية تغيرات، تتساءل أم أحمد: “هو في حاجة حصلت برة عشان أسعارنا هنا تتغير؟.. والجواب دائماً يحمل أبعاداً تتجاوز حدود الرصيف وسؤال بائع الخضار، ليعبر عن تداخل عوالم اقتصادية لا تنفصل فيها حياة البسطاء عن متغيرات السياسة الدولية.
قد لا يدرك الكثيرون عمق تلك العلاقة، لكن ما يحدث على بعد آلاف الأميال في واشنطن يمكن أن يترك بصمات واضحة على حياة المواطن المصري، بدءاً من أسعار السلع وحتى استقرار العملة المحلية.
وعي العامة
وبعيداً عما يحدث عند أبناء العم سام، فإن اهتمام “أم أحمد” – في عقدها الأربعيني وهي من مواليد محافظة الفيوم- وكذا محاولات المواطنين لمتابعة الانتخابات الأمريكية أو حتى قرارات الفيدرالي الأمريكي أو بنكهم المركزي وتحركات الذهب محلياً وعالميا وحتى تهافتهم على سوق الأسهم لم يكن بغرض تحولهم إلى مستثمرين أومضاربين بقدر ما كان محاولة للحفاظ على مدخراتهم وحماية لرؤوس أموالهم الصغيرة الكائنة في وعاء على أحد الأرصفة أو محل تجاري أو مطعم أو مخبز في ظل ضغوط تضخمية متسارعة تفاقمها تراجعات عملتهم المحلية.
ذلك التحول لدى المواطن المصري جاء من نابع تتابع الازمات الاقتصادية الخارجية وانعكاساتها على الاقتصاد المحلي بداية من أزمة كورونا مروراً بحرب روسيا وأكرانيا وصولاً للعدوان الإسرائيلي على غزة وتداعيات الصراع في منطقة الشرق الأوسط.
تلك الأزمات الخارجية ألقت ظلال ثقيلة على اقتصاد مصر بما في ذلك التراجعات الحادة للعملة المحلية والتي دفعت دفة التضخم إلى مستويات غير مسبوقة انعكست بالتبيعة على زيادات الأسعار وارتفاعات حادة في تكاليف المعيشة وهو ما جعل كثير من المواطنين حريصاً على متابعة كل ما يخص أخبار الاقتصاد بعد أن أثرت تلك العوامل في تآكل مدخراتهم ودخولهم.
تراهن وأنت تقرأ هذه السطور أن كثيراً من عامة المواطنين في مصر لا يشغله كثيرا المرشحين الرئاسيين في أمريكا أو ماهية البرنامج النووي العالمي ولا يهمه مدى مستوى أسعار العائد الرئيسية ومدى انعكاساتها على مسار التضخم، وإنما ما يهم كل منهم قوت يومه لتغطية احتياجات بيته.
ولا شك أن الانتخابات الأمريكية هي أكثر من مجرد حدث سياسي محلي، فهي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد العالمي، وبالتالي على الاقتصاد المصري. فالقرارات التي سيتخذها دونالد ترامب بشأن التجارة العالمية، والعلاقات الدولية، لها انعكاسات واسعة النطاق على أسعار الصرف، وتدفقات الاستثمارات، وحتى أسعار السلع الأساسية.
كيف التأثير؟
تأثير الانتخابات الأمريكية على الاقتصاد العالمي مسألة معقدة، وتتطلب فهماً عميقاً لآليات الاقتصاد الدولي. فانتخابات الرئاسة الأمريكية، بما تتضمنه من تغيرات محتملة في السياسات الاقتصادية والتجارية، تؤثر على أسواق المال وأسعار السلع وسلاسل الإمداد الدولية، وهو ما ينعكس على الاقتصاد المصري بأنماط مختلفة.
بداية يعمل في مصر 1200 شركة أمريكية في قطاعات مختلفة، ولامس حجم التبادل التجاري بين مصر وأمريكا الـ 7 مليارات دولار، كما وتعدت الاستثمارات الأمريكية 13 مليار دولار بنهاية العام الماضي.
وبعد كل انتخابات أمريكية، تلوح احتمالات التغيير في السياسات التجارية والاستثمارية، فإذا كان الرئيس المنتخب ترامب يميل إلى سياسات تقليل الانفتاح التجاري وفرض رسوم جمركية، قد يتأثر الاقتصاد المصري بشكل غير مباشر.
يرغب ترامب في فرض رسوم جمركية بنسبة 10% أو 20% على كافة الواردات، مع رسومًا أعلى للواردات الصينية بأكثر من 60%.
هذه السياسات قد تؤدي إلى تقلبات في الأسواق العالمية، بما في ذلك التأثير على حركة التجارة الدولية.. ومصر باعتبارها جزءًا من الاقتصاد العالمي، قد تتأثر بهذه التغييرات بشكل غير مباشر من خلال تراجع الطلب على صادراتها إلى الولايات المتحدة أو ارتفاع تكلفة الواردات الأمريكية التي تمثل جزءًا من السلع الاستهلاكية والصناعية في السوق المصري.
كما وتؤثر الانتخابات الأمريكية على أسعار النفط العالمية، والتي تتأثر بشكل مباشر بالسياسات المتخذة في الولايات المتحدة، سواء كانت تتعلق بالإنتاج أو العلاقات مع دول النفط. فالولايات المتحدة هي ثاني أكبر مستهلكي النفط، وسياساتها تؤثر على العرض والطلب العالميين.
ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط ينعكس بالتبعية على تكاليف الوقود في مصر، ما قد يؤثر على تكلفة نقل السلع والخدمات، وبالتالي يرتفع أو ينخفض السعر النهائي الذي يدفعه المستهلك، سيما وأن مصر تحاول تطبيق سياسة التسعير التلقائي للمواد البترولية.
التقلبات في سعر الصرف
الدولار الأمريكي هو العملة الأبرز في العالم، ويمثل عصب التجارة الدولية؛ لذا فإن أي تغير في سعره يؤثر على اقتصادات الدول النامية التي تعتمد بشكل كبير على الدولار، ومن بينها مصر. ومع تقلب الدولار تبعاً للسياسات النقدية الأمريكية، يتأثر سعر الجنيه المصري؛ فإذا انخفض الدولار في مواجهة العملات العالمية، قد يشهد الجنيه تحسناً نسبياً، أما إذا ارتفع الدولار، فقد يعاني الاقتصاد المصري من تزايد تكاليف الاستيراد، مما يزيد من الضغوط التضخمية.
ماذا ينتظر المصريون بعد الانتخابات؟
مع ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه، تصبح السلع المستوردة، مثل الحبوب والوقود والأدوية، أكثر كلفة، ما يرفع معدلات التضخم في البلاد. وفي بيئة تعتمد فيها مصر على الواردات لتلبية جزء كبير من احتياجاتها، يعني هذا ارتفاعاً في أسعار السلع الأساسية، وهو ما يلمسه المواطن البسيط في حياته اليومية. ويعبر عن ذلك المواطنون مثل أم أحمد، التي تشهد كيف ترتفع أسعار الأعلاف التي تشتريها لتربية دجاجها، مما يضطرها إلى رفع سعر البيض الذي تبيعه في السوق المحلي.
ربما لن يشعر المصريون بتغيرات جذرية فور انتهاء الانتخابات الأمريكية، لكن التغيرات قد تظهر على المدى القريب أو المتوسط.. فتأثير الاقتصاد الأمريكي على الأسواق العالمية يجعل البيضة عند “أم أحمد” حساسة لأي تغييرات في السياسات الأمريكية.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا