أخبار

من الذكريات إلى دفاتر الاستحواذ.. “بسكو مصر” تدخل حقبة إماراتية بسعر متواضع

بسكو مصر

مع استحواذ شركة “نايل فالي” الإماراتية على شركة “بسكو مصر”، تعود إلى السطح تساؤلات طالما أُثيرت في مثل هذه الصفقات: كيف يمكن تحقيق التوازن بين جذب الاستثمار، والحفاظ على علامات تجارية ذات طابع رمزي وارتباط وجداني لدى الشعوب؟ وهل يمكن التعامل مع هذه الأصول بنفس منطق الأصول المالية التقليدية؟

أحياناً وفي بعض الظروف والحالات، ينجح زمن العولمة وعالم الأسواق المفتوحة، في تحويل علامات الشعوب إلى جزءٍ من تداولات الأسواق.

من البداية إلى الخصخصة

منتجات “بسكو مصر” كانت لا تغيب عن مشهد الحياة اليومية للمصريين، وتحديدا في فترة من التسينات وحتى التسعينات من القرن الماضي.

تجدها في يد طفل صغير يخرج من المدرسة، أو على طاولة إفطار أسرية في صباح شتوي، أو حتى في حقيبة موظف يبحث عن وجبة سريعة، أو في يد أحدهم وهو جالس على قهوة ينادي بصوت مرتفع: “يا فتحي! شاي باللبن عشان آخد البسكوت على مزاج”.

تأسست “بسكو مصر” عام 1957، في قلب برنامج التأميم المصري، وكانت تُعرف حينها بـ “الشركة المصرية للأغذية”.

هدفها كان تزويد الجيش والمدارس بوجبات خفيفة، مغذية، وسريعة.. لكن الشركة سرعان ما تحولت إلى عملاق وطني في عالم البسكويت والحلويات، وباتت منتجاتها تُشكّل حضورا دائما في كل بيت مصري.

شهدت الشركة أولى خطوات الخصخصة عام 1999، عبر بيع حصة أولية لمستثمر خاص دون تغيير فعلي في إدارتها، ولكن التحول الجذري جاء عام 2005، حين تم بيعها بالكامل للقطاع الخاص، ليبدأ فصل جديد من التغيير الإداري والهيكلي.

صراع على “بسكو مصر” وفصل جديد

في 2014، دخلت الشركة مزاد استحواذ محتدم بين “أبراج كابيتال” الإماراتية و”كيلوج” الأمريكية، وشهدت الصفقة ما يشبه حرب أسعار بدأت عند 73.9 جنيه للسهم، وبلغت ذروتها بعرض كيلوج النهائي عند 89.86 جنيه، متفوقة على عرض أبراج البالغ 88.09 جنيه، لتتجاوز قيمة الصفقة مليار جنيه عادلت حينها 125 مليون دولار.

اليوم، وبين أرقام الصفقات ومفاوضات الاستحواذ، تدخل هذه العلامة التجارية التاريخية فصلا جديدا، بعد استحواذ شركة “نايل فالي” الإماراتية على الشركة في صفقة مالية عبر سوق الصفقات المفتوحة بالبورصة المصرية بقيمة 241 مليون جنيه، وهو رقم يبدو باهتا مقارنةً بما شهدته الشركة قبل عشر سنوات فقط، حين كانت في قلب صراع استثماري دولي يعكس مكانتها وقيمتها السوقية والرمزية.

الاستثمار في الذوق العام

صفقة الاستحواذ الجديدة، التي لا تتجاوز قيمتها السوقية 241 مليون جنيه، تعني أن الشركة تُباع اليوم بأقل من ربع ما كانت تُقدّر به قبل عشر سنوات، بعد احتساب التضخم وتغير قيمة الجنيه.

خلال السنوات الأخيرة، تراجعت أرباح “بسكو مصر” بشكل واضح، بل وسجلت الشركة خسائر متتالية في بعض الفصول، وأظهرت القوائم المالية في نهاية عام 2023، خسائر بلغت بنحو 66.3 مليون جنيه، مقارنةً بخسائر بنحو 446 مليون جنيه بعام 2022.

هذ الأمر أثار تساؤلات حول طبيعة الطريق الذي سلكته شركة لها إرث محلي وشعبية واسعة، تحولت إلى كيان يبحث عن مشترٍ بسعر بخس، لا يعكس لا تاريخها ولا ما تمثّله وجدانيا لملايين المصريين.

العاطفة في قائمة الأرباح والخسائر

بشكل عام ومن المؤكد، أن تدفق الاستثمارات إلى قطاع الأغذية المصري، يحمل فرصا كبيرة للنمو والتحديث، ولكن يبقى التحدي الحقيقي في الحفاظ على خصوصية المنتج المصري، لا فقط بوصفته الصناعية، بل بنكهته الثقافية والتاريخية.

فرأس المال قادر على تحسين خطوط الإنتاج، وتوسيع الأسواق، ورفع الكفاءة.. لكن هل يستطيع الحفاظ على العلاقة العاطفية بين المواطن والمنتج؟

هذه العلاقة التي يصعب قياسها في تقارير الأرباح والخسائر، لكنها تؤسس لانتماء أعمق من مجرد الاستهلاك.

في النهاية، قد تتغير إدارات “بسكو مصر”، وقد تُنقل ملكيتها من يد إلى أخرى، لكن ما يبقى محفورا في الذاكرة، هو طعم البسكويت الذي لم يكن فقط وجبة… بل حكاية.

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

ثروة السعودية المعدنية.. طموح يتجاوز الاستكشاف إلى التصنيع وسلاسل الإمداد

نشرة إيكونومي بلس “السعودية” تأتيكم برعاية "الصناعة" تخصص 3 مجمعات...

منطقة إعلانية