تضع بعض أكبر الشركات الصناعية في روسيا، من السكك الحديدية والسيارات إلى المعادن والفحم والألماس والأسمنت، موظفيها في إجازة مؤقتة أو تقلص أعدادهم مع تباطؤ الاقتصاد في ظل الحرب وانخفاض الطلب المحلي وتوقف الصادرات.
خفضت 6 شركات كبرى في قطاعي التعدين والنقل، ومعظمها شركات صناعية عملاقة، أسبوع العمل في محاولة لخفض الأجور دون زيادة البطالة، وفق وكالة رويترز.
لجأت شركة “سيمروس”، أكبر شركة لصناعة الأسمنت في روسيا، إلى أسبوع عمل من أربعة أيام حتى نهاية العام للحفاظ على الموظفين وسط تباطؤ حاد في قطاع البناء وزيادة في واردات الأسمنت.
وقال سيرجي كوشكين، المتحدث باسم “سيمروس”:”هذا إجراء ضروري لمواجهة الأزمة، الهدف هو الحفاظ على جميع موظفينا”.
توظف الشركة نحو 13 ألف موظف من خلال 18 مصنعًا في جميع أنحاء روسيا.
بحسب مسؤول الشركة لا تتعلق المسألة بالحرب فقط، حيث إن زيادة الواردات من دول مثل الصين وإيران وبيلاروسيا، بالإضافة إلى انخفاض بناء المنازل الجديدة، قد حدّ من الطلب على الأسمنت.
تتوقع شركة “سيمروس” أن تستهلك روسيا أقل من 60 مليون طن من الأسمنت هذا العام، وهي أدنى مستويات منذ جائحة كورونا.
أفاد المركز الروسي لتحليل الاقتصاد الكلي والتنبؤات قصيرة الأجل، بأن القطاعات الاقتصادية غير المرتبطة بالجيش قد تقلصت بنسبة 5.4% منذ بداية العام، ويتوقع المركز تباطؤًا كبيرًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي يتراوح بين 0.7% و1% هذا العام.
خلال أول فترتين رئاسيتين لبوتين (2000-2008)، ارتفع الاقتصاد الروسي بشكل كبير إلى 1.7 تريليون دولار، بعد أن كان أقل من 200 مليار دولار في عام 1999.
لكن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا الآن يبلغ نحو 2.2 تريليون دولار، وهو نفس مستواه تقريبًا في عام 2013، أي العام الذي سبق ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
في عام 2022، وهو العام الذي بدأت فيه حرب أوكرانيا انكمش الاقتصاد بنسبة 1.4%، لكنه تفوق بعد ذلك على متوسط مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، حيث نما بنسبة 4.1% في عام 2023 و4.3% في عام 2024. وتتوقع وزارة الاقتصاد أن ينخفض النمو هذا العام إلى 1%.
رفض بوتين تحذيرات كبار المصرفيين من ركود الاقتصاد الروسي، وقال إن الحكومة تُبطئ الاقتصاد للسيطرة على التضخم، المتوقع أن يبلغ 6.8% هذا العام.
ظلال الحرب
تواجه الشركات قائمة متزايدة من المشاكل، تتراوح بين ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الروبل، وتراجع الطلب المحلي، وضعف أسواق التصدير بسبب العقوبات، وانخفاض أسعار الواردات الصينية، وفقًا لخبراء اقتصاديين.
طلبت السكك الحديدية الروسية، التي يعمل بها 700 ألف موظف، من موظفيها في مكتبها المركزي أخذ ثلاثة أيام إجازة إضافية شهريًا على نفقتهم الخاصة، بالإضافة إلى العطلات الرسمية وأيام العطل، بحسب ما قالته مصادر لرويترز.
انتقل مصنع جوركي للسيارات، وهو مصنع رائد للشاحنات الصغيرة ويعمل به ما لا يقل عن 20 ألف شخص، إلى أسبوع عمل من 4 أيام في أغسطس، كما فعلت شركة “كاماز” لصناعة الشاحنات، التي يعمل بها حوالي 30 ألف موظف.
وأكدت نقابة عمال “أفتوفاز”، أكبر شركة لصناعة السيارات في روسيا ويعمل بها حوالي 40 ألف موظف، أنها بدأت أسبوع عمل من 4 أيام اعتبارًا من 29 سبتمبر.
خفضت شركة ألروسا، أكبر منتج للماس الخام في العالم، رواتب جميع مستويات الموظفين غير المشاركين بشكل مباشر في التعدين بنسبة 10%، ويعزى ذلك جزئيًا إلى تقصير أسبوع العمل، كما أوقفت العمليات مؤقتًا في المناجم الأقل ربحية في فصلي الربيع والصيف، وهي خطوات هدفها تقليل عمليات تسريح الموظفين.
شهدت مصانع صناعات المعادن والتعدين والأخشاب والفحم تخفيضات في ساعات العمل الأسبوعية، وفي أعداد الموظفين، وفي الإنتاج.
أغلقت شركة “سفيزا”، إحدى شركات الأخشاب والورق الرائدة في روسيا، مصنعًا للخشب الرقائقي في تيومين، الشهر الماضي بسبب انخفاض حاد في الطلب على الأثاث، وفقد أكثر من 300 شخص وظائفهم.
متأخرات الرواتب
بلغت متأخرات الرواتب المستحقة في روسيا بنهاية أغسطس 1.64 مليار روبل، بزيادة قدرها 1.15 مليار روبل، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
أنقذت روسيا في فترات الركود الاقتصادي السابقة، كبار أصحاب العمل في العديد من المدن والبلدات الصناعية التي غالبًا ما تعتمد على شركة كبرى واحدة.
تلقت السكك الحديدية الروسية وشركات تصنيع السيارات في البلاد دعمًا حكوميًا خلال الأزمة العالمية 2008-2009 لتجنب تسريح جماعي للعمال، وفي عام 2022، طلبت روسيا من مصانع السيارات منح إجازة مؤقتة للموظفين، وليس فصلهم.
أجبرت الضغوط الاقتصادية الحالية الحكومة بالفعل على التدخل في جميع قطاعات الاقتصاد، من مصانع الأحذية إلى الفحم والمعادن، حيث قدمت خصومات على النقل بالسكك الحديدية، وتأجيلًا للضرائب، ودعمًا حكوميًا مُستهدفًا.
ووفقًا لمسؤولين روس، تضرر قطاع الفحم، الذي يُوظف حوالي 150 ألف شخص، بشدة مع انخفاض الصادرات، حيث أبلغ نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك بوتين في أبريل أن الوضع المالي للقطاع آخذ في التدهور، حيث يخيم شبح الإفلاس على 30 شركة توظف حوالي 15 ألف شخص وتنتج حوالي 30 مليون طن متري سنويًا.
في حوض كوزنتسك، أو كوزباس، في سيبيريا، والذي يضم بعضًا من أكبر رواسب الفحم في العالم، أفاد مسؤولون محليون في سبتمبر، بإغلاق 18 شركة من أصل 151 شركة.
من المفترض أنه تم تسريح 19 ألف عامل في قطاع الفحم في النصف الأول من عام 2025، وفق ألكسندر كوتوف، الشريك في وكالة الاستشارات الروسية “NEFT Research”.
قال كوتوف لـ”رويترز”:”إذا لم نبدأ في إنقاذ صناعة الفحم بشكل عاجل، فقد تتعرض لموجة من الأزمات”.
أعلنت شركة “ميتشل” إحدى أكبر شركات مناجم الفحم في روسيا، عن تفاقم خسائرها في أغسطس، وقالت إنها علّقت الإنتاج في أحد مناجمها وقلصت العمليات التي لم تحقق أرباحًا.
صناعة الصلب تواجه ضغوطًا
في صناعة الصلب الضخمة في روسيا، هناك أيضًا مؤشرات على وجود مشاكل، تدرس روسيا تعليقًا مؤقتًا لعمليات الإفلاس في قطاع المعادن، بالإضافة إلى مجموعة من التدابير الأخرى، وفقًا لبروتوكول صادر عن اجتماع لجنة الاستقرار المالي الحكومية في 28 أغسطس.
روسيا هي خامس أكبر منتج للصلب في العالم، بإنتاج يبلغ حوالي 71 مليون طن في عام 2024.
وقال مصدر مقرب من قطاع المعادن: “هناك تراجع طفيف في الإنتاج في قطاع المعادن”، مُلقيًا باللوم على ارتفاع أسعار الفائدة، وقوة الروبل، وضعف الطلب المحلي والدولي.
وأضاف المصدر أنه في حين أن القطاع لم يتجه بعد إلى أسبوع عمل من أربعة أيام، فإن جميع مصانع معالجة المعادن تقريبًا تُقلص أعداد الموظفين المساعدين.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا