تحولت الأسواق العالمية بين عشية وضحاها، من التفاؤل بمستقبل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، إلى تشاؤم كبير نتيجة لتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، عقب اغتيال القوات الأمريكية قاسم سليماني، أشهر القادة العسكريين في إيران.
وفي أول رد فعل على هذه التطورات، هبطت العقود الآجلة الأمريكية، وتراجعت الأسواق الأوروبية، بينما تباين أداء الأسواق الآسيوية، وفي المقابل، حلقت أسعار الملاذات الآمنة عند أعلى مستوياتها، بداية من الذهب وانتهاء بالين.
ولم يكن قاسم سليماني الأعلى رتبة بين جنرالات إيران، ولكنه كان أكثرهم شهرة، وأغلاهم ثمنا، لا سيما أنه المحرك الرئيسي لأصابع إيران في منطقة الشرق الأوسط، وعلى المستوى العالمي أيضا.
وفي يوم الجمعة الماضي، استهدفت ضربة جوية لطائرة أمريكية بدون طيار، موكب سليماني، عقب خروجه من مطار بغداد الدولي، مؤججة المخاوف من تصاعد حدة الصراع في منطقة الخليج، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على أسعار وإمدادات النفط، خاصة عقب التصريحات الإيرانية بالثأر.
وتباينت آراء المحللين حول مستقبل الأوضاع في الشرق الأوسط، فالبعض يميل إلى إمكانية نشوب حرب في المنطقة بين وكلاء إيران والسعودية، بدعم مكثف من التواجد الأمريكي، خاصة عقب تعزيز القوات الأمريكية تواجدها في المنطقة، تحسبا لأي رد على مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، بينما يتوقع البعض الآخر أن ترتفع أسعار النفط دون حدوث حرب، على أن يشهد
إنتاج النفط تراجعا واضحا خلال الربعين الأول والثاني من 2020.
يقول محمد زيدان، كبير استراتيجيي الأسواق في Think Markets للأبحاث – دبي لإيكونومي بلس: ” إن مقتل سليماني يعتبر تصعيدا مفاجئا للمخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، مما دفع أسعار خام برنت للارتفاع لمستويات قياسية وصلت إلى 70 دولارا للبرميل، كما تجاوز خام تكساس مستويات 62 دولار”.
وأضاف زيدان، أن ارتفاع الفارق السعري بين خامي برنت وتكساس، يعتبر علامة مؤكدة على تزايد المخاوف المتعلقة بتعطل الإمدادات في أسواق النفط، مشيرا إلى أن هذه المخاوف ستكون قصيرة الأجل، وأن الأسواق لم تحقق ارتفاعات بنسبة 20%، والتي تعتبر نسبة تسعير مناسبة لمستوى المخاوف من حرب أو تعطل البنية التحتية لإنتاج النفط في الخليج، فمنذ هجمات سبتمبر الماضي على منشآت أرامكو، وتراجع حجم إنتاج السعودية بشكل قياسي، قلّصت الأسواق من مخاوفها بخصوص انخفاض الإنتاج.
وتوقع زيدان ارتفاع أسعار النفط أعلى مستويات 65 دولارا لخام برنت، و60 دولارا لخام غرب تكساس الوسيط، على المدى القصير مع إمكانية وجود ارتفاعات قوية في حال وجود أي عمليات رد انتقامية من إيران، مثل إغلاق مضيق هرمز أو حرب مباشرة مع الولايات المتحدة.
تراجعات جماعية للبورصات الخليجية
وفي مستهل تعاملات جلسة اليوم الأحد، شهدت جميع أسواق المال في الخليج تراجعات كبيرة، متأثرة بتصاعد التوترات الإيرانية الأمريكية، وتزايد المظاهرات في العراق، اعتراضا على الأوضاع السياسية والمعيشية في البلاد.
يقول أحمد مجدي، محلل أسواق المال العربية لإيكونومي بلس، إنه من المتوقع أن تشهد أسواق الأسهم الخليجية تراجعات قوية خلال جلسات الأسبوع الجاري تزامناً مع هبوط البورصات العالمية، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية بعد مقتل سليماني نتيجة غارة أميركية بالعراق.
وأضاف مجدي، أن أسواق الخليج في جلسة الخميس الماضي، ارتفاعات قوية تتزامن مع العودة من عطلة رأس السنة الميلادية، ولكن من المتوقع أن تتغير النظرة الإيجابية للأسواق الخليجية خلال الشهر الأول من العام الجديد، في ظل تصاعد تلك التوترات التي لم تظهر معالم نتائجها بعد على الوضع الجيوسياسي بالمنطقة، في ظل تزايد الدعوات الرسمية من قبل دول عربية لتحكيم لغة العقل وضبط النفس.
وأوضح أن الأسواق ستظل في أداء متباين يميل للتراجع خلال الأسبوع، مع اتجاه المحافظ لتخفيف المراكز بالأسهم، ومن المتوقع أن تدخل مؤشرات الأسواق الخليجية في مسار تصحيحي، نظرا لأنها تواجه مستويات مقاومة مهمة لن تستطيع تجاوزها وسط النظرة السلبية للمتاجرة بالأسهم خلال الفترة الحالية.
وأكد مجدي، أن أسواق الخليج ستظل في حالة ترقب لمحفزات داخلية، أبرزها النتائج السنوية للشركات وخططها حيال التوزيعات النقدية وذلك حتى وإن هدأت الأوضاع الجيوسياسية قليلا، والتي تفاقمت أخيرا بحادثة الاغتيال في العراق وهو ما لا أتوقعه.
وأشار محلل أسواق المال، إلى أنه في حال تصاعد النتائج الجيوسياسية للحادث الأخير، سيقفز سعر النفط إلى مستويات قد تلامس 100 دولار للبرميل، وهو ما سيسهم في تزايد السلوك السلبي في أسواق الأسهم الخليجية في تلك الفترة الصعبة التي ستمر بمستثمري الأصول ذات المخاطرة العالية بالشرق الأوسط، كما أن مستويات السيولة بالأسواق الخليجية في الأسبوع الأخير من العام الماضي وفي الجلسات الأولى من العام الجاري شهدت تراجعا ملحوظا، وهو ما يؤكد على سيطرة الحذر والترقب على المستثمرين بالأسهم.
تراجع الأسواق العالمية بعد رحلة صعود في 2019
ويقول المدير التنفيذي لشركة VI Markets في مصر، أحمد معطي، لـ”إيكونومي بلس”، إن الضربة الجوية الأمريكية التي أودت بحياة القائد الإيراني قاسم سليماني، أدت إلى زيادة التوترات والمخاوف لدى المستثمرين في العالم، الأمر الذي نتج عنه انخفاض شهية المخاطرة لدى المستثمرين للاستثمار في أسواق السهم والتحول للاستثمار في الملاذات الآمنة مثل الذهب، وذلك تخوفا من زيادة التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
ويضيف معطي، أن معظم أسواق الأسهم العالمية تراجعت، كما انخفضت مستويات السيولة فيها، حيث تراجعت اليوم مؤشرات الأسهم الأمريكية الثلاث، بسبب زيادة المبيعات خوفا من تصاعد حدة التوترات، حيث انخفض مؤشر داوجونز والذي يقيس أداء أفضل 30 شركة أمريكية صناعية بنحو 270 نقطة، ليسجل 28600 نقطة، وذلك بعد أن حقق أعلى مستويات له قبل الضربة الأمريكية، كما انخفض مؤشر ناسداك بنحو 90 نقطة، مسجلا 8805 نقطة، وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز إلى مستوى 3235 نقطة.
أما عن الأسهم الأوربية، فتراجعت أغلب أسواق الأسهم الأوربية، كما تضررت أسهم شركات الطيران بشكل خاص، وذلك بسبب الارتفاع المفاجئ في أسعار النفط، والذي وصل إلى مستويات قاربت 70 دولارا للبرميل، حيث تراجع مؤشر داكس الألماني ليسجل 13167 نقطة، خاسرا نحو 2%، كما انخفض مؤشر فوتسي البريطاني ليصل إلى 7567 نقطة، وتراجع مؤشر كاك 40 الفرنسي إلى 6057 نقطة.
وتوقع معطي مزيدا من الهبوط لمؤشرات الأسهم العالمية، خاصة خلال تعاملات الأسبوع الجاري، مشيرا إلى أنه في حال أي رد عسكري إيراني، ستنخفض أسواق السهم العالمية بشكل كبير، وسترتفع أسعار النفط والذهب إلى مستويات قياسية
قفزة في أسعار النفط
وبنهاية تعاملات أمس السبت، ارتفعت أسعار النفط بشكل ملحوظ، لتقفز بنسبة تجاوزت 4%، بدعم من تزايد مخاوف المتعاملين من اندلاع حرب في منطقة الشرق الأوسط، وتعطل إمدادات الخام.
ووفقا لوكالة رويترز، ارتفع خام برنت، ليصل إلى 69.5 دولارا للبرميل، وهو أعلى مستوى له منذ منتصف سبتمبر الماضي، كما صعد في وقت سابق من تعاملات الأمس بنسبة 4.2%، ما يعادل 2.83 دولارا للبرميل، ليسجل 69.08 دولار.
وزاد خام غرب تكساس بنحو 2.53 دولار، ما يعادل 4.1%، ليسجل 63.71 دولار للبرميل، بعد أن قفز في وقت سابق إلى 64.09 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ أبريل 2019.
كما أشارت رويترز، إلى أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة، تراجعت بشكل حاد نهاية الأسبوع الماضي، بينما ارتفعت مخزونات البنزين ونواتج التقطير.
وهبطت مخزونات الخام 11.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الـ27 من كانون الأول (ديسمبر) إلى 429.9 مليون برميل، بينما كانت توقعات محللين تشير إلى انخفاض قدره 3.3 مليون برميل.
وهذا هو أكبر هبوط أسبوعي في مخزونات الخام الأمريكية منذ يونيو 2019، وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات الخام في مركز التسليم في كاشينج بولاية أوكلاهوما انخفضت بمقدار 1.4 مليون برميل الأسبوع الماضي.
وارتفع استهلاك مصافي التكرير من الخام بواقع 303 آلاف برميل الأسبوع الماضي مع زيادة معدلات تشغيل 1.2 نقطة مئوية.
وزادت مخزونات البنزين الأمريكية 3.2 مليون برميل الأسبوع الماضي لتصل إلى 242.5 مليون برميل، بينما كانت توقعات المحللين تشير إلى ارتفاع قدره 1.8 مليون برميل.
وارتفعت مخزونات نواتج التقطير، بمقدار 8.8 مليون برميل، لتسجل 133.7 مليون برميل، مقابل توقعات بزيادة قدرها 1.1 مليون برميل، بينما هبط صافي واردات الولايات المتحدة من النفط الخام الأسبوع الماضي بمقدار 1.52 مليون برميل.
في المقابل، انخفضت مخزونات الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، بمقدار 58 مليار قدم مكعبة في عام، ليصل إلى 3192 مليار قدم مكعبة.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا