فى أحد الأيام الباردة خلال أكتوبر الماضى، استقل الرئيس اﻷمريكى دونالد ترامب طائرته الرئاسية “Air Force One” وتوجه إلى ولاية بنسلفانيا للإشادة بواحدة من أهم الصناعات التى تتميز بها الولاية، وهى الغاز الطبيعى وليس الفحم.
وتحدث ترامب فى حدث صناعى عن الارتفاع المذهل فى إنتاج الغاز الصخرى، حيث تصدرت منطقة “أبالاشيان” التوسع التاريخى، لتحول بذلك الولايات المتحدة إلى أكبر منتج فى العالم، فى الوقت الذى خفضت فيه الأسعار أمام المستهلكين ودقت ناقوس الموت لقطاع الفحم المحلى.
ومع ذلك، يصعب تجاهل الجانب المظلم لهذا الازدهار، حيث يستخرج المنقبون عن البترول الصخرى الكثير من الغاز الطبيعى للحد الذى يتخطى الطلب.
وأوضحت وكالة أنباء “بلومبرج” أن هذا اﻷمر تسبب فى انخفاض أسعار الغاز الطبيعى لفترة وجيزة إلى ما دون دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية يوم الجمعة الماضية، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2016 كما أنها انخفضت إلى ما دون الحد اﻷدنى مرة أخرى يوم اﻷثنين الماضى.
ومن المعروف أن تداول الغاز الطبيعى عند هذا المستوى المتدنى، لا يدر ربحاً للمنتجين اﻷمريكيين، كما أنه يفرض موجة من شطب استثمارات بمليارات الدولارات وتسريح العمال وخفض الإنفاق.
ومع ذلك، لا تزال الصناعة عاجزة عن إيقاف موجة الغاز الإضافى التى تضرب السوق، والتى تنتج فى أماكن مثل منطقة حوض “بيرميان” فى غرب تكساس ونيو مكسيكو.
وأشارت “بلومبرج” إلى أن تصدير الغاز الطبيعى المسال لا يوفر متنفساً خاصة أن السوق الدولى يعانى أيضاً من وفرة فى المعروض.
وقال ديفين مكديرموت، المحلل لدى بنك “مورجان ستانلى”، إن الصناعة وقعت ضحية لنجاحها، فليس هناك وفرة فى المعروض الأمريكى فقط، بل هناك وفرة بالمعروض فى أوروبا وآسيا وجميع أنحاء العالم أيضاً.
وتراجعت أسعار العقود الآجلة لشهر فبراير، يوم الاثنين الماضى، بنسبة 4.5% لتصل إلى 1.912 مليون وحدة حرارية بريطانية.
وظلت أسعار الغاز فى حالة ركود لبعض الوقت، حيث انخفضت أسعار سوق مؤشر “هنرى هب” اﻷمريكى لثلاثة أعوام على التوالى، وذلك نظراً لأن هذا الشتاء يثبت أنه دافئ بشكل غير عادى كما أن مستويات المخزون أعلى من متوسطاتها الموسمية.
وأظهرت أسعار العقود الآجلة أن المتداولين لا يتوقعون ارتفاع أسعار الغاز إلى مستوى يزيد على 2.60 دولار حتى فى أبرد شهور العام، عندما يرتفع الطلب كالمعتاد.
وأوضح المحلل مكديرموت أن المنتجين اﻷمريكيين يحتاجون إلى غاز لا ينخفض سعره عن 2.50 دولار حتى يتمكنوا من تحقيق تدفقات نقدية حرة، مضيفا “ليس من الواقعى رؤية سعر 2.50 دولار على المدى القصير”.
وأفادت “بلومبرج” أن اﻷدلة التى تشير إلى أن معاناة الشركات أصبحت واضحة بشكل كبير، فقد أصبحت شركة “تشيسابيك للطاقة”، التى كانت تحتل مركز الصدارة فى الولايات المتحدة، غير قادرة على تحقيق أرباح وتعانى حالياً من ديون تزيد قيمتها على 9 مليارات دولار، كما أنها حذرت فى نوفمبر الماضى من إمكانية انهيارها.
بالإضافة إلى ذلك، قالت شركة “إى كيو تى” اﻷمريكية، التى تعتبر أكبر منتج للغاز المحلى، الأسبوع الماضى إنها ستحصل على دعم بقيمة 1.8 مليار دولار فى الربع الرابع، ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض أسعار الغاز.
حتى أن عمالقة الطاقة العالمية ليسوا فى وضع أمن من تلك الأزمة، فقد قالت شركة “شيفرون”، فى ديسمبر الماضى، إنها تتوقع خفض قيمتها اﻷسمية بأكثر من 11 مليار دولار، ويرجع أكثر من نصف ذلك الانخفاض إلى أصول الغاز المستخرج من سلاسل جبال “الأبالاش”.
ويستجيب المنتجون، مثل شركتى “كابوت” للبترول والغاز و”رينج ريسورسز”، لهذه اﻷزمات عن طريق خفض نفقاتهم الرأسمالية، ولكن هذا لن يضع حداً لارتفاع الإنتاج الأمريكى من الغاز الطبيعى.
وتوقعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، الأسبوع الماضى، ارتفاع إنتاج الغاز الجاف، الذى يستثنى سوائل الهيدروكربون، بنسبة 3% ليصل إلى 95 مليار قدم مكعبة يومياً هذا العام، ليسجل بذلك رقماً قياسياً جديداً.
وأشارت “بلومبرج” إلى أن فكرة عدم توافر خطوط اﻷنابيب اللازمة لنقل الغاز ربما تتسبب فى انخفاض أسعار الغاز إلى ما دون الصفر، مما يدل على أن المنتجين بحاجة إلى سداد أموال الآخرين من أجل الحصول على الغاز، كما أنهم يضطرون فى أوقات كثيرة إلى حرق الغاز، وهى عملية تعرف باسم الاحتراق.
ورغم وصفه بالوقود الأخضر، نظراً لإمكانية مساهمته فى خفض المرافق لانبعاثاتها فى ظل السعى إلى مستقبل خالى من الكربون، إلا أن الغاز الطبيعى يتعرض لهجوم فى بعض اﻷجزاء فى الولايات المتحدة من جانب المشرعين الساعين إلى حظر جميع أنواع الوقود الأحفورى.
ويعتبر قطاع تصدير الغاز الطبيعى المسال واحداً من المنافذ المتاحة أمام الإمدادات الوفيرة، فقد صُدرت أول شحنة من الغاز المسال أو ما يعرف أيضاً باسم غاز الحرية قبل أربعة أعوام، كما أنه ساهم فى استحواذ الولايات المتحدة على مركز الصدارة بين الموردين العالميين.
ولكن حتى قصة النجاح هذه قد عانت حالة من التعثر، بعد أن فرضت الصين تعريفات جمركية على الغاز الطبيعى المسال اﻷمريكى.
ورغم توقيع المرحلة الأولى من الاتفاق التجارى، الذى وافقت الصين بموجبه على شراء ما يصل إلى 52.4 مليار دولار إضافية من منتجات الطاقة الأمريكية، بما فى ذلك الغاز الطبيعى المسال، إلا أنه لا يزال من غير الواضح بعد ما إذا كانت هذه التعريفات سيتم إلغاؤها.
ويمكن للإزالة المحتملة للتعريفات الجمركية توفير نوع من المحفزات الإيجابية التى يسعى إليها المنتجون اﻷمريكيين بشدة.
ويعتقد ريتش ريداش، محلل الغاز فى وكالة “ستاندرد أند بورز جلوبال بلاتس”، أن العديد من مصدرى الغاز الطبيعى المسال فى الولايات المتحدة يأملون، إن لم يكن يصلون، أن تستورد الصين المزيد من الغاز الأمريكى عقب الصفقة التجارية الموقعة.
وفى الوقت نفسه، تراجعت الأسعار الدولية للغاز الطبيعى المسال، وأثيرت تساؤلات حول ما إذا كان السوق العالمى يمكنه تحمل كل المعروض المتوفر.
ومع ذلك، من المؤكد أن كل هذه الآلام ستنعكس على الإنتاج فى مرحلة ما، فإدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع انخفاض إنتاج الغاز الجاف اﻷمريكى بمقدار 600 مليون قدم مكعبة فى العام المقبل، لتسجل أول انخفاض سنوى منذ عام 2016.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا