يعد ترشيح كريستين لاجارد، رئيساً جديداً للبنك المركزى الأوروبى، بمثابة تغيير محتمل فى اللعبة بالنسبة لمنطقة اليورو، ولكن ليس بطريقة واضحة، فتأثيرها لن يرى بشكل كبير فيما يتعلق بالسياسة النقدية في حد ذاتها، بل فى كيفية تفاعل البنك المركزى الأوروبى مستقبلاً مع المؤسسات الأوروبية الأخرى.
وتعد حزمة الوظائف العليا المتفق عليها فى المجلس الأوروبى، الأسبوع الماضى، استثنائية من عدة جوانب، فالقادة السياسيون الثلاثة الذين تم ترشيحهم أو تعيينهم الأسبوع الماضى، فيدراليون ملتزمون، وهم وزيرة الدفاع اﻷلمانية أورسولا فون دير لاين المرشحة لرئاسة المفوضية الأوروبية، ورئيس الوزراء البلجيكى تشارلز ميشيل الذي تم تعيينه رئيسا للمجلس الأوروبى، فضلاً عن وزير الخارجية الإسباني جوسيب بوريل وهو الممثل اﻷعلى المقبل لسياسة اﻷمن والشئون الخارجية بالاتحاد اﻷوروبى، ولكن يجب أن نرى هذه النتيجة غير المخطط لها على أنها حادث فيدرالى عرضى.
أما الآن، يجب التفكير فى كيفية ارتباط لاجارد، التى تقع فى نفس نطاق التقليد الفكرى الذى تم اختيار الثلاثة الآخرين وفقاً له، بهذه المجموعة، فلأول مرة سيشغل الأشخاص، الذين يمنحون الأولوية لإصلاح الاتحاد الأوروبى ومنطقة اليورو، المناصب العليا فى المؤسسات الأوروبية.
ويعد السعى لعقد علاقات أوثق مع المؤسسات الأخرى دون التضحية بالاستقلالية، طريقا أكثر إشراقاً بالنسبة للاجارد، لمتابعة استئناف التيسير الكمي أو إجراء مزيد من التخفيضات فى أسعار الفائدة السلبية بالفعل، وفى ظل ذلك، هناك شكوك حول وجود أغلبية أخرى فى مجلس إدارة البنك المركزى الأوروبى، تؤيد إجراء مزيد من التسهيلات النقدية، طالما أن الاقتصاد ليس فى حالة ركود تام.
كان ماريو دراجى، رئيس البنك المركزى الأوروبى المنتهية ولايته، محقاً، عندما قال- فى خطاب ألقاه مؤخراً، إن السياسة المالية تحتاج إلى لعب دور أكبر، خصوصاً أن انخفاض اﻷوراق المالية الآمنة يعد واحداً من الأسباب التى تجعل عوائد السندات السيادية الأوروبية منخفضة للغاية.
وفي ظل ذلك، يصعب على محافظي البنوك المركزية الاعتراف بصعوبة إتمامهم للمهام، لذا من هو الشخص الأنسب من لاجارد، لبدء عصر تنسيق السياسات المالية والنقدية الجديد، والتى كانت تشغل منصب رئيس صندوق النقد الدولى ووزيرة المالية الفرنسية السابقة؟
ويعد تحول السياسة الاقتصادية الفورية، الذي تحتاجه منطقة اليورو، حافز مالى، ففى عالم مثالى ستتخلص ألمانيا من النظام الدستورى الذى يلزمها بتسجيل فوائض مالية، ولكن لسوء الحظ لن يحدث هذا اﻷمر، كما أنه هناك شعور بالتعاطف تجاه الخطط المالية للحكومة الإيطالية وإن لم يكن حجمها الضخم قيد المناقشة حالياً.
وفيما بعد على المدى القصير، ستحتاج منطقة اليورو إلى اتحاد أسواق رأسمال متكامل ومدعوم بأصول آمنة ضخمة، وهى السندات الأوروبية، وبالتالي ربما تكون لاجارد فى موقف أفضل من أى شخص آخر يجادل في هذه القضية ومواجهة ذوي السلطة بالحقيقة، وهو أمرا نادر فى أوروبا حالياً.
ولاتزال العقبات التى تقف حائلاً أمام إصلاحات منطقة اليورو هائلة، فهولندا وحلفاؤها فيما يعرف باسم الرابطة الهانزية الجديدة يقاومون التغيير، فى حين يضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحده هذه الإصلاحات على رأس جدول أعماله حتى الآن.
واستطاع ماكرون، تعزيز نفوذه من خلال إتباع دبلوماسية ناجحة الأسبوع الماضي، إذ كان اقتراحه بتعيين رئيس ألمانى للمفوضية اﻷوروبية فكرة عبقرية تعزز علاقته بهذا اﻷلمانى الذى أصبح ممتعاً له.
وفي ألمانيا نفسها، وُضع النقاش بشأن الإصلاح بشكل غير مفيد فى إطار يفيد بأنه تحول مالى من الشمال إلى الجنوب، ولكن هذا ليس ما تحتاجه منطقة اليورو، فوجود آلية مركزية لاستقرار الاقتصاد الكلى، المدعومة بأصل آمن ضخم، ستنطوى على مزيد من الانضباط المالى من الدول الأعضاء ويعزز مبدأ عدم الإنقاذ، ويجب على البنك المركزى الأوروبى إبقاء رصيد الدين الوطنى فى موازنته العمومية حالياً، ولكنه يجب أن يضع أى مشتريات جديدة للأصول على ديون الاتحاد الأوروبى.
هذا هو سبيل منطقة اليورو للمضى قدماً، ولكن اختيار هذا المسار والاستمرار فيه سيتطلب أكثر من مجرد حادث سياسى ذى حظ وفير.
ويجب أن نعتبر أحداث الأيام القليلة الماضية فرصة، فالاتحاد الأوروبى أصبح فى وضع أفضل من السابق لحل مشاكله الأساسية فى ظل وجود الفريق الجديد، ولكن حجم المهمة لايزال كبيراً للغاية.
بقلم: فولفغانغ مونشاو
كاتب لدى صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا