منذ أوائل التسعينيات، دفعت العولمة فى شكل زيادة التجارة عبر الحدود، ودورة انتعاش السلع الأساسية، وصعود سلاسل التوريد ، العالم الناشئ عبر مسار التقارب مع العالم المتقدم.
وبالنسبة للعديد من المستثمرين، أصبحت الأسواق الناشئة جزءًا أساسيًا من محافظهم الاستثمارية إذ أنها تقدم عوائد قوية ونموًا أسرع.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن انتشال مئات الملايين من الناس فى العالم الناشئ من براثن الفقر وتحولهم إلى الطبقات المستهلكة، وفر فرصًا جديدة للشركات المحلية والأجنبية.
لكن أوضحت الصحيفة البريطانية، أنه رغم وعود الاستثمار فى المصانع والطرق والموانئ والبنية التحتية الأخرى التى حافظت على زخم النمو فى الأسواق الناشئة، إلا أن التقارب لم يعد مضمونًا فى ظل تباطؤ عجلة العولمة.
ففى الوقت الحالى أصبحت أسعار السلع مرتفعة، وسط تعثر التجارة وتعطل سلاسل الإمدادات العالمية.
وبعيدا عن اللحاق بالعالم المتقدم فإن العديد من الأسواق الناشئة تنمو بوتيرة أبطأ.
وفى الوقت الذى تخاطر فيه دورة العولمة بالانعكاس، يتساءل العديد من المستثمرين عما إذا كان هناك أى شىء آخر سيدفع فئة الأصول فى المستقبل، وهو ما يثير أسئلة حول دور الأسواق الناشئة فى المحافظ المتنوعة.
قال بهانو باويجا، كبير الاستراتيجيين فى بنك «يو بى إس» ومتخصص فى الأسواق الناشئة، إن الأساس المنطقى الكامل للاستثمار فى الأسواق الناشئة هو الصادرات والاستهلاك، مضيفًا ان العولمة تتلاشى فى الوقت الحالى وليس ذلك بسبب سياسات الرئيس الامريكى دونالد ترامب، وحده ولكن لأسباب أعمق.
ولمدة عقدين من الزمان بعد إنشاء مؤشر أسهم «إم إس سى آى» للأسواق الناشئة، تميل أسهم الأسواق الناشئة إلى التفوق على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500” للأسهم الأمريكية الرائدة بهامش واسع.
ومع ذلك، فإنه خلال معظم العقد الماضى ظلت أسهم الأسواق الناشئة فى حالة ركود، فى حين ارتفعت قيمة الأسهم الأمريكية بأكثر من الضعف.
أشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن التهديد بالقضاء على العولمة هو واحد من ثلاثة تغييرات كبيرة تضرب الأسواق الناشئة فى وقت واحد، بالإضافة إلى تباطؤ معدل النمو فى الصين، وتغير الظروف المالية العالمية بعد عقد من الأموال السهلة.
وتعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أحدث مظاهر تداعى العولمة وفقا لوصف بنك التسويات الدولية الشهر الماضى بأنها ردة فعل سياسية واجتماعية ضد النظام الاقتصادى الدولى المفتوح.
ورغم أن العديد من الاقتصادات الناشئة قد تكون قادرة على الاستفادة من المزايا طويلة الأجل مثل التركيبة السكانية، فإن التحديات التى يواجهها البعض على المدى القصير والمتوسط تهدد بأن تكون ساحقة.
وعلى سبيل المثال تكافح حكومة الأرجنتين من أجل التعافى من الركود الكبير، وسط شكوك متزايدة حول ما إذا كانت الدولة ستنمو مرة أخرى.
وقال إغناسيو لاباكي، المحلل لدى «ميدلى جلوبال» الاستشارية إن الاقتصاد البرازيلى ، الذى كان يوما ما محبوباً لدى مستثمرى الأسواق الناشئة، عانى من الركود أو النمو المتوسط منذ ما يقرب من عقد من الزمان.
ولكن لا تتم مشاركة المخاطر بالتساوي.. ففى الواقع، أصبحت ثروات الاقتصادات الناشئة شديدة التنوع، لدرجة أن العديد من المستثمرين يشككون فى منطق الحديث عن الأسواق الناشئة كفئة واحدة على الإطلاق.
وفى العقود الثلاثة الماضية، شرعت العديد من البلدان فى إجراء إصلاحات نقدية ومالية، ما أدى إلى اندلاع الاضطرابات.
وكانت النتيجة واضحة خلال عمليات البيع التى شهدتها الأسواق الناشئة العام الماضي.
ومع تعزيز الدولار الأمريكى بشكل غير متوقع، مما دفع العديد من المستثمرين إلى سحب الأموال من أصول الأسواق الناشئة، فإن تلك البلدان ذات الدفاعات الضعيفة وخصوصا الأرجنتين وتركيا، تعرضت للمعاناة الشديدة، فى حين نجت دول أخرى وأصبحت سالمة نسبياً.
ومع ذلك، تظل الاقتصادات الناشئة مرتبطة ببعضها البعض بسبب تعرضها للتغيرات الجارية، وفى حاجتها إلى إيجاد طريق للنمو يتجاوز سلاسل التوريد التجارية والصناعية العالمية التى حافظت عليها حتى الوقت الحالى.
وقال بريان كولتون، كبير الاقتصاديين فى وكالة «فيتش» للتصنيف الائتمانى، إن فكرة أنه بإمكان أى بلد نامٍ أن ينقل تكنولوجيا التصنيع من الولايات المتحدة ، ولا يزال بإمكانه الوصول إلى السوق الأمريكية ليست مؤكدة فى العالم الجديد.
وأضاف أن التحولات فى نمط العولمة لم تكن سيئة لجميع الاقتصادات الناشئة، إذ كانت فيتنام رابحة نسبيًا حيث قامت الشركات متعددة الجنسيات بتحويل الإنتاج من الصين بحثًا عن عمالة أرخص لتجنب تعريفة «ترامب» على البضائع المصنوعة فى الصين.
وأوضح روبن بروكس، كبير الاقتصاديين فى معهد التمويل الدولى :»على مدار العشرين عامًا الماضية انتقلت كثير من الصناعات التحويلية إلى الأسواق الناشئة بسبب الفوارق فى الأجور».
وفى الواقع، كان النمو فى اقتصادات الأسواق الناشئة متأخراً عن التوقعات لعدة سنوات ،إذ كانت الاقتصادات النامية تنمو بوتيرة أبطأ من نظيرتها المتقدمة منذ عام 2015.
ومن حيث مكاسب الإنتاجية خاب أمل البلدان النامية.. فمنذ منتصف التسعينيات، لم تكن مساهمة الإنتاجية فى نمو الإنتاج فى الأسواق الناشئة بخلاف الصين أكبر منها فى الأسواق المتقدمة، باستثناء السنوات القليلة التى سبقت الأزمة المالية العالمية عندما انتعشت دورة السلع الأساسية .
وخلال تلك السنوات أيضًا، استفادت الصين أكثر من مكاسب الإنتاجية ، إذ تسارع نقل التكنولوجيا بعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، فى عام 2001.
وقال كولتون، إننا لم نعثر على تحسن كبير فى الإنتاجية بالأسواق الناشئة الكبيرة فى السنوات الأخيرة، مضيفًا أن زيادة نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلى الإجمالى هو تحد كبير حقاً للأسواق الناشئة.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تباطأت فيه أيضًا وتيرة النمو فى الصين منذ الأزمة المالية العالمية. وليس ذلك فحسب وإنما أصبح نموها أقل اعتمادًا على الواردات من البلدان النامية الأخرى.
فعندما كان الدافع وراء الاستثمار فى البنية التحتية، اتجهت الصين نحو مصدرى السلع ومنها البرازيل وشيلي، إلى نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية للحصول على خام الحديد والنحاس والمدخلات الأخرى.
ولكن تراجع الاستثمار الصينى من نسبة تعادل %48 من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2011 إلى أقل من %45 منذ عام 2015 ، فى وقت يتجه فيه الاستثمار نحو الخدمات والأنشطة الأخرى الأقل كثافة للسلع.
وهناك أيضا مخاطر محتملة على الاستقرار الاقتصادى فى الصين على سبيل المثال، منها تضخم ديون القطاع غير المالي، إذ ارتفعت إلى حوالى %235 بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى فى أواخر عام 2016.
المصدر: جريدة البورصة
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا