تسعى آسيا لخفض معدلات التضخم المرتفعة، لكنها خلال رحلتها هذه تواجه تحديات أكثر مما واجهته المنطقة أثناء ارتفاع التضخم العام الماضى.
وبالرغم من أن التضخم الاستهلاكى لم يرتفع فى آسيا بالقدر نفسه فى المتوسط، كما حدث فى الغرب فى 2022، فإنَّ المنطقة بأكملها استغرقت مدة أطول من تلك التى استغرقتها الولايات المتحدة بستة أشهر لإعادة أسعار المستهلك إلى مستويات أقل من تلك التى سجلتها قبل حرب أوكرانيا.
ويهدد ارتفاع تكاليف المواد الغذائية الأساسية الآن بعرقلة الاتجاه الهبوطى للتضخم قبل الأوان، حسب ما ذكرته مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
وكانت أسعار المواد الغذائية الآسيوية، باستثناء الصين، فى يوليو أعلى بنسبة %7.3 عن العام السابق، وهذا يُقارن بارتفاع مؤشر أسعار المواد الغذائية بنسبة %4.8 فى يونيو، وذروة مكاسب بلغت %7.4 فى سبتمبر الماضى.
ولعبت الهند دوراً كبيراً فى ارتفاع الأسعار، وقد أثرت الأمطار الموسمية المتأخرة والمتفاوتة سلباً على غلات المحاصيل، ودفعت معدل التضخم السنوى فى أسعار الغذاء إلى %10.6.
وتتسارع ارتفاعات أسعار المواد الغذائية أيضاً فى اليابان، وظلت عند مستويات مرتفعة فى سنغافورة والفلبين؛ حيث لم تتغير وتيرة ارتفاع الأسعار كثيراً منذ النصف الثانى من 2022.
ومع ذلك، شهدت إندونيسيا وتايلاند تباطؤاً فى نمو الأسعار، وذلك بفضل الإمدادات الأكثر استقراراً، والإدارة الأفضل لتوزيع الغذاء، والمراقبة الدقيقة للأسعار، وليس من الواضح ما إذا كان من الممكن الحفاظ على هذه التأثيرات.
وبشكل عام، تتحول مخاطر الأسعار نحو الاتجاه الصعودى، وقد تزامن ظهور ظاهرة إل نينيو المناخية، والتى قد تؤدى إلى الجفاف، وخسائر المحاصيل فى جنوب وجنوب شرق آسيا، مع انتهاء اتفاقية الحبوب بين روسيا وأوكرانيا وتحرك الهند لتقييد صادرات الأرز والبصل.
وتمثل الهند %40 من صادرات الأرز العالمية، وجاء الحظر التجارى الذى فرضته بمثابة ضربة للمستوردين مثل الفلبين وإندونيسيا اللتين كانتا تسعيان لزيادة مشتريات الأرز لتجنب النقص المحتمل.
ونتيجة هذا التخفيض، وصل مؤشر أسعار الأرز الصادر عن المجلس الدولى للحبوب إلى أعلى مستوياته منذ 2008، فى الوقت نفسه الذى توقفت فيه أسعار الحبوب الأخرى والبذور عن الانخفاض.
وإن تعزيز التوقعات بمزيد من الارتفاع فى الأسعار يعتبر فى حذ ذاته توقعات باتخاذ تدابير أكثر تقييداً من جانب مصدرى الأغذية، وزيادة الأوامر الاحترازية من المستوردين.
ومن المرجح أن تؤدى هذه المعنويات إلى إبقاء أسعار سلسلة من السلع الغذائية مرتفعة، وهذا بدوره سيؤثر على أسعار المنتجات الغذائية الأخرى.
كما أنه سيشكل مشكلة بالنسبة لمعظم الاقتصادات الآسيوية، خاصة أن الأرز يعتبر من الحبوب السائدة بالنسبة للآسيويين، وقد ساعد استقرار أسعار الأرز، خلال العام الماضى، المنطقة على تحمل الزيادة الحادة فى أسعار القمح وبعض الأطعمة الأخرى بشكل أفضل من بقية العالم، ومع ذلك، فإنَّ أسعار الأرز تقود الطريق نحو الارتفاع الآن.
وتعتبر البلدان المستوردة الصافية للأغذية، بما فيها جميع بلدان آسيا المتقدمة والفلبين، معرضة لخطر أكبر، لكن حتى الدول المصدرة للأغذية مثل إندونيسيا وتايلاند ليست معزولة تماماً؛ لأنها تعتمد بشكل كبير على واردات القمح، وفول الصويا وغيرهما من المواد الغذائية التى قد تصبح أكثر تكلفة إذا ظلت شحنات البحر الأسود غير مؤكدة.
ويمكن أيضاً أن يتأثر إنتاج محاصيلها بنمط ظاهرة إل نينيو، فقد أشارت تايلاند بالفعل إلى أنها قد تخفض إنتاج الأرز خلال العام الجارى للحفاظ على المياه.
إذاً لا غرابة فى مراقبة البنوك المركزية الآسيوية لمخاطر التضخم حتى عند وقف رفع أسعار الفائدة مؤقتاً.
جدير بالذكر، أنَّ المواد الغذائية تمثل %27 من إجمالى مؤشر أسعار المستهلك فى آسيا، وتتراوح مساهمتها الوطنية بين %14 فى كوريا الجنوبية، و%46 فى الهند، وهذا يعنى أن أى تغير فى أسعار المواد الغذائية الآسيوية قد يؤثر بشكل كبير على معدل التضخم الرئيسى.
وفى الوقت نفسه، أثار ضعف العملات، وارتفاع أسعار البترول الخام المخاوف بشأن التضخم الناتج عن استيراد السلع.
وبالرغم من أن التأثير المباشر لأسعار البترول على التضخم الإجمالى أقل بكثير من التأثير على المواد الغذائية، فإنَّه يمكن أن يكون له آثار غير مباشرة كبيرة على العناصر الأخرى فى سلال التسوق الاستهلاكية.
وعادةً ما يؤدى ارتفاع أسعار البترول إلى ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، ويجعل الغذاء أكثر تكلفة، كما أن الأمم المتحدة أشارت إلى ارتفاع أسعار البترول الخام العالمية كعامل فى قفزة أسعار الزيوت النباتية بنسبة %12.1 فى يوليو مقارنة بالشهر السابق.
وإجمالاً، ستصعب هذه الظروف على البنوك المركزية الآسيوية أن تحذو حذو نظيراتها فى أمريكا اللاتينية وتنفذ تخفيضات متزامنة فى أسعار الفائدة خلال العام الجارى.
والواقع أن عدداً قليلاً من البلدان التى عانت ارتفاع التضخم فى العام الماضى ربما لا يزال يتعين عليها رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر مع تزايد الضغوط السعرية الجديدة.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا