من المنظور الأمريكي، يمكن أن يكون للتعريفات الجمركية نتائج عكسية اقتصاديا
تعتمد سهولة الفوز فى الحروب التجارية، كما يؤكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بقدر كبير على الخصم، وإذا كان الهدف هو ألمانيا، ذات الفائض فى الحساب الجارى بحوالى %8 من الناتج المجلى الإجمالي، فإذن نعم الحرب التجارية سهل الفوز فيها.
وتعد ألمانيا مصدرا كبيرا للصلب للولايات المتحدة، ولكن هذا يعد جانبا واحدا من المشكلة، أما المشكلة الحقيقية فتكمن فى تنفيذ ترامب لتهديداته المتكررة بفرض تعريفات على السيارات المستوردة، وتقدر شركة الأبحاث، «بروجيل»، الواقعة فى بروكسل، أن الخسائر فى الإيرادات التى ترافق فرض تعريفات بنسبة افتراضية عند %35 على قطاع السيارات الأوروبية، سوف تبلغ بـ17 مليار يورو سنويا، وسوف تكون التداعيات الاقتصادية الإجمالية أكبر، ولا يعتمد الاتحاد الأوروبى بشدة على الصادرات فحسب وإنما على إنتاج السيارات وبيعها للعالم.
وسوف تكون التعريفات الجمركية واحدة من ثلاث صدمات محتملة مزعزعة للاستقرار لقطاع السيارات، أحدها الخروج البريطانى المدمر، وفى هذا السيناريو المؤسف، سوف ينتهى الأمر ببريطانيا بفرض تعريفات على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبى، ووفقا لأحدث الإحصاءات الألمانية، تشكل أمريكا وبريطانيا أكبر مصدر وثانى أكبر مصدر للفائض التجارى الألماني، وسوف يكون اجتماع التعريفات الجمركية والخروج البريطانى الوشيك صدمة مدوية لبرلين.
أما المشكلة الثالثة والأكثر قابلية للتوقع فهى انهيار مبيعات السيارات التى تعمل بوقود الديزل، واعطى حكم محكمة حديث صادر عن أعلى محكمة إدارية فى ألمانيا الضوء الأخضر لحظر سيارات الديزل فى المدن الألمانية، التى ليس أمام الكثير منها أى سبيل آخر لمقابلة المستويات المستهدفة لخفض انبعاثات الكربون، وراهن قطاع السيارات الألمانية رهانا كبيرا على طول أمد تكنولوجيا الديزل، ويتعين عليه الآن وضع خطة بديلة.
وبعد استثمار الشركات الألمانية لوقت طويل جدا فى التكنولوجيات الخاطئة، من غير المرجح أن تكون رائدة عندما تجتاح العالم السيارات الكهربائية ذاتية القيادة.
ومن وجهة نظر استراتيجية، يبدو الأمر جنونيا جدا أن يسمح الاتحاد الأوروبى لنفسه أن يصبح معتمدا بشدة على صادرات منتج يقترب من نهاية دورة حياته، ويبدو نموذج أعمالها بأكمله وكانه قائما على رهان ألا يصبح ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وألا يكون هناك خروج لبريطانيا، وعلى أن تتمكن من غش اختبارات الانبعاثات للأبد.
ومن المنظور الأمريكي، يمكن أن يكون للتعريفات الجمركية نتائج عكسية اقتصاديا، ولكن كل هذا بمثابة لعبة سلطة جيوسياسية، بدأت برسوم على الصلب والألومنيوم، ثم انتظار الردود الانتقامية الأوروبية (مثل فرض تعريفات على زبدة الفول السودانى أو عصير البرتقال) ثم الرد مجددا من قبل أمريكا بتعريفات على السيارات.
ولدى المفوضية الأوروبية قائمة بالمنتجات الأمريكية المحتمل فرص تعريفات انتقامية عليها، ولكن ألمانيا تريد من المفوضية المضى بحذر فى هذا الأمر، وقد تعفى الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبى من تعريفات الألومنيوم والصلب ولكن وفقا لشروط صعبة، مثل الحد من صادرات الصلب وزيادة الإنفاق الدفاعي، ولا يزال هناك الكثير من النشاط الدبلوماسى المنتظر.
ولكن قادة الاتحاد الأوروبى فى موقف ضعيف، واعتمدوا لوقت طويل للغاية على الولايات المتحدة فى أمنهم الخارجي، ومؤخرا كممتص لفوائضهم الهيكلية فى الحساب الجارى، ومن خلال التعريفات التجارية، يمتلك ترامب أداة واحدة للتأثير على السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي، ومستويات الإنفاق الدفاعى للدول الأعضاء ومساهماتهم فى حلف الناتو.
وقد يجادل البعض أنه من غير الأخلاقى استخدام السياسة التجارية بهذه الطريقة، ولكن تفقد المجادلة قوتها بمجرد التفكير فى أخلاقية إدارة الاتحاد الأوروبى لفوائض تجارية مستمرة مع بقية العالم، أو القيام بتعهدات إنفاق دفاعى لا يعتزمون الالتزام بها أبدا.
وبالتأكيد يسهل على الولايات المتحدة الفوز فى حربها التجارية مع أوروبا، وسيكون ذلك فى لعبة من خطوتين فقط.
بقلم: فولفجانج مونشاو
كاتب مقالات رأى فى صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا