يبدو أن أى انتعاش تمتع به الاقتصاد البريطانى إثر الانتصار الحاسم لرئيس الوزراء بوريس جونسون فى الانتخابات العامة اﻷخيرة، سيتلاشى سريعا فى عام 2020.
وهذة التوقعات تتنامى مع استمرار عدم اليقين بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، فى كبح الاستثمار فى الأعمال التجارية.
وتوقعت الغالبية العظمى من الاقتصاديين، ممن خضعوا للمسح السنوى الذى أجرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية على أكثر من 85 من كبار الاقتصاديين، بأنه لن يكون هناك تحسن يذكر أو لن يكون هناك تحسن على الإطلاق فى النمو الاقتصادى لهذا العام، مع استمرار ضعف الإنتاجية بشكل مزمن واستمرار الغموض المتعلق بعلاقة بريطانيا التجارية المستقبلية مع الاتحاد الأوروبى.
ورغم رسالة رئيس الوزراء المتفائلة للعام الجديد، إلا أن أكثر من ثلث المشاركين فى المسح يعتقدون أن الناتج المحلى الإجمالى لعام 2020 لن يكون أفضل من عام 2019.. والمرجح أن يكون أسوأ أداء فى عقد من الزمن.
كما اعتقدت نسبة مماثلة، إمكانية تحسن الناتج المحلى الإجمالى قليلا هذا العام، رغم احتمالية زيادة الإنفاق العام.
وقال آخرون، ممن خضعوا للاستطلاع الذى أجرى بعد تصويت 12 ديسمبر الماضى، إن الانتعاش بعد الانتخابات من المرجح أن يكون صغيرا أو مؤقتا، أو مخيبا للآمال، أو محدودا أو غير محسوس، أو لا يكاد يذكر.
ويرجع السبب الكامن خلف التوقعات القاتمة للاقتصاديين بشكل جزئى، إلى إصرار رئيس الوزراء جونسون على تحديد موعد نهائى لاختتام المحادثات مع الاتحاد الأوروبى هذا العام، وتفضيله الواضح لصفقة تجارة حرة سريعا.
وقالت الغالبية العظمى من الخاضعين للاستطلاع، إنه حتى بعد خروج المملكة المتحدة بشكل رسمى، لن يكون هناك انتعاش دائم، حتى يتم التوصل إلى اتفاق تجارى.
وحذرت أستاذة السياسة العامة فى جامعة كامبريدج، ديان كويل، من أن جونسون أعاد منذ فترة وجيزة إنشاء فكرة خروج البلاد دون صفقة منذ الانتخابات.
وقال كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة «كيه.بى.إم.جى» للخدمات المهنية، يائيل سيلين، إن اﻷسواق استيقظت بالفعل على حقيقة أن خطر عدم وجود اتفاق لا يزال قائما.. وبالتالى فإن سحابة عدم اليقين ستظل تشكل عائقا أمام الاستثمار فى الأعمال التجارية على مدى جزء كبير من هذا العام.
وكما كان اﻷمر فى عام 2019، ربما يعوض الإنفاق الاستهلاكى، الركود فى الاستثمار فى الأعمال التجارية، فى ظل وجود عمالة قوية ونمو مطرد للأجور والتضخم المنخفض الذى يساعد فى تمويل الأسر.
ومع ذلك، لا يتوقع غالبية المستطلعين، إمكانية شعور اﻷسر بوضع أفضل فى نهاية العام الحالى، كما تساءل العديد منهم عما إذا كان التحسن الأخير فى الأرباح الحقيقية سيستمر، بالنظر إلى ضعف الإنتاجية والتقلب الأخير فى سوق العمل البريطانى.
من الناحية العملية، لم يتوقع أى من المستطلعين، قيام البنك المركزى البريطانى بأى تغيير كبير فى أسعار الفائدة.. وبالتالى إذا تباطأ الاقتصاد إلى درجة تستدعى التحفيز، فإن هذا يعنى أن حظوظ المملكة المتحدة فى عام 2020 وما بعده ستعتمد إلى حد كبير على مقدار زيادة الإنفاق التى سيقررها وزير المالية.
وقال بول داليس، كبير الاقتصاديين لدى مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس»، إن السياسة المالية الميسرة ستحدد فى نهاية المطاف مدى جودة أداء الاقتصاد خلال العامين المقبلين.
وتشير الصورة التى رسمها العديد من المستطلعين حول ضعف الاستثمار التجارى والإنفاق الاستهلاكى الثابت والضئيل والإنتاجية الثابتة، إلى أن فوز حزب المحافظين البريطانى بقيادة جونسون على غالبية صريحة من مقاعد البرلمان، من غير المرجح أن يطلق الموجة الجديدة من النمو الاقتصادى التى وعد بها رئيس الوزراء.
وأفاد كبير خبراء الاقتصادى فى مؤسسة «سى.بى.أى» للأعمال، راين نيوتن سميث، أن الغالبية البرلمانية القوية تجعل من السهل إنجاز الأمور.. إلا أن عدم اليقين المتعلق بالخروج سيزول بشكل تدريجى.
وأوضح المشاركون فى استطلاع «فاينانشيال تايمز»، أن بعض الشركات، خصوصا تلك التى تركز على الأسواق المحلية، ربما تعمل الآن على خطط الاستثمار التى علقتها فى الفترة السابقة للانتخابات.
وفى الوقت نفسه، أوضح ديفيد مايلز، الأستاذ فى جامعة إمبريال كوليدج فى لندن، أن هذا الانتعاش الاقتصادى قد يصبح كبيرا إذا سارت المحادثات التجارية مع الاتحاد الأوروبى بشكل جيد.
ومع ذلك، توقع آخرون أن يكون عام 2020 هو العام الذى تصبح فيه التكاليف بعيدة المدى المتعلقة بالخروج من الاتحاد اﻷوروبى واضحة.
وقال كبير الاقتصاديين فى «إى.واى»، مارك جريجورى، إن المملكة المتحدة سينظر إليها بشكل كبير على أنها سوق للبيع فيها، وليست جزءا من سلاسل الإمداد الأوروبية المتكاملة، فى حين توقع كبير المستشارين فى «فانتوم كونسلتنج»،تونى ييتس، تسجيل تراجع بطئ فى النشاط بعيدا عن المملكة المتحدة ونحو الشركاء التجاريين.
بالنسبة للمستهلكين، فإن التوقعات أقل كآبة، على الأقل فى البداية.
وقال رئيس سياسة الاقتصاد الكلى فى مؤسسة «ريزوليوشن فاونديشن» الفكرية البريطانية،جيمس سميث، إن هناك نبأ سار وهو أن الأجور الحقيقية يجب أن تتجاوز أخيرا ذروتها المسجلة قبل الأزمة هذا العام.. وبالتالى إنهاء فترة ركود غير مسبوقة فى الدخول الحقيقية.
وفى الوقت نفسه، أشار كبير الاقتصاديين فى معهد أبحاث السياسة العامة، كاريز روبرتس، إلى أن الاستثمار التجارى الضعيف ستكون له عواقب دائمة على النمو والإنتاجية والأجور.
وقالت كبيرة خبراء الاقتصاد فى مركز «ديموس»، كيتى أوشر، إن الأسر التى تعتمد على أجور القطاع العام ستشعر بمزيد من الثقة، محذرة من أن القطاع الخاص سيشهد فترة طويلة من نقص الاستثمار مما يحدث ضغطا على الأجور واحتمالية تسريح العمالة.
بالنظر إلى هذه الآفاق الاقتصادية الباهتة للإنفاق على الأعمال والمستهلكين، يثار تساؤل كبير وهام حول ما إذا كان صناع السياسة سيتدخلون لدعم الاقتصاد مع تزايد الضغوط.
ولم يتوقع خبراء الاقتصاد الخاضعين لاستطلاع «فاينانشيال تايمز»، أى حافز نقدى على أى نطاق هام، مع ملاحظة العديد منهم أن البنك المركزى البريطانى لا يمتلك ما يكفى من الذخيرة لمحاربة الانكماش الاقتصادى القادم.
وقال العضو التنفيذى السابق فى بنك إنجلترا، إيان بلندرليث، إنه ليس هناك مجال كبير للابتكار فى الوضع الراهن، فى حين أن الرئيس السابق لهيئة الخدمات المالية البريطانية، هاورد دافيز، أشار إلى أن المحافظ الجديد للبنك المركزى البريطانى بحاجة إلى إجراء أقل قدر ممكن من التغييرات فى مسار السياسة النقدية.
وبالتالى قد يكون الأمر متروكا للحكومة إلى حد كبير لتقديم أى دفعة للنمو الاقتصادى.
ولكن فى الوقت المقرر أن يرتفع فيه الإنفاق العام، يمتلك خبراء الاقتصاد وجهات نظر مختلفة تماما حول حجم التحفيز المالى والمدة التى سيستغرقها ليبدأ مفعوله وما إذا كان سيحقق أى فوائد دائمة.
وقالت كبيرة خبراء الاقتصاد لدى شركة «ريدبورن»، ميليسا ديفيز، إن المملكة المتحدة باستطاعتها الإنفاق والاستثمار بشكل أكثر، ولكن السياسيين لا يستفيدون استفادة كاملة من هذا الحيز المتاح فى المالية العامة.
ومع ذلك، كان هناك عدد من الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع، بما فى ذلك أولئك الذين لديهم توقعات متفائلة بشأن النمو الاقتصادى، يعتمدون على وزير المالية لإنفاق أكثر مما التزم به، خصوصا فى الاستثمار الرأسمالى، حيث يمنحه إطاره المالى الجديد مساحة أكبر للمناورة.
وفى الوقت نفسه، أشار المستطلعون إلى أن الإنفاق العام المرتفع قد لا يحدث فرقا كبيرا فى النمو الاقتصادى على المدى القصير، بالنظر إلى الوقت اللازم لإنجاز مشاريع البنية التحتية العامة. كما أنه لن يعالج الضعف الرئيسى فى الاقتصاد البريطانى.
وأشار آخرون إلى أن أى حافز يمكن أن يعوض بشكل جزئى فقط الضرر الذى قد يلحقه الخروج من الاتحاد الأوروبى بالتوقعات الاقتصادية للمملكة المتحدة على المدى الطويل، من خلال محادثات تجارية طويلة الأمد تستهلك طاقات الوزراء وتمنعهم من معالجة المشاكل الهيكلية الكبرى فى البلاد.
وقال بيتر ويستواى، كبير خبراء الاقتصاد فى مجموعة «فانجارد» اﻷمريكية للاستشارات، إن نسخة بريكست المحتمل أن تختبرها البلاد ستكون مثل مرض مزمن ذى آثار سلبية باستمرار، ولكن من الصعب تحديد حجمه مقارنة بما قد يحققه اقتصاد سليم.
وفى ظل مقارنة اتفاق جونسون مع صفقة سلفته السابقة فى المنصب تيريزا ماى، أوضح راى باريل، الأستاذ فى جامعة برونيل: «إننا نعلم الآن أن الاقتصاد سيكون أقل بنسبة تتراوح بين %2 و%6 على مدى عشرة أعوام مقارنة بما كان عليه، وسيبدأ مسار الانزلاق الهابط فى 2020».
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا