عقارات ملفات

الصينيون حول العالم

أطلقت الصين حرية السفر للخارج بعد عقود طويلة من ركوب الطائرة المشروط.. هذا التغير أدى بالتأكيد إلى تغير
العالم، لكن الصين نفسها تتغير أيضاً.
فى السابق كانت أهم الشروط بالنسبة لضابط الجوازات، أنَّ هذا المسافر موثوق به سياسياً وليس له سجل جنائى، وتضمنت طوابير تمتد طوال الليل، فالحصول على وثيقة يتطلب فحص الولاء للحزب الشيوعى والهدف من الرحلة ومصادر التمويل.
فى النهاية لم يحصل الكثير من الصينيين على هذه الكلمات الثمينة «مسموح له بالذهاب إلى الخارج».
ارتفع عدد المسافرين مؤخرا ليصل إلى 130 مليون نسمة، وتتمحور أسباب السفر حول السياحة والدراسة والأعمال التجارية والهجرة.

النظام يطلق حرية السفر لجنى ثمرة اقتصاد السوق والإنترنت

 ارتفاع أسعار العقارات والمنافسة التجارية واختراق أبحاث الجامعات الكبرى أبرز التأثيرات

تجاوز تأثير طفرة السفر الصينية ما حدث فى الثمانينيات مع تزايد حركة الناس بجميع أنحاء العالم بأعداد متزايدة باستمرار مع انهيار الشيوعية فى الاتحاد السوفييتى وأوروبا الشرقية، وفتح الحدود فى الاتحاد الأوروبى، ونمو الطبقات الوسطى بالعالم النامى، وهروب الملايين من الصراع والفقر.
ويملأ الطلاب الصينيون الجامعات فى سيدنى، والمختبرات البحثية بـ»وادى السيليكون التكنولوجى» فى الولايات المتحدة، ويشكل العلماء الصينيون حصة كبيرة من القدرات العقلية لشركات التكنولوجيا.
لم يكن أحد يتوقع هذا الحجم من الترجمة لرغبة عمرها 40 عاماً للزعيم «دينج شياو بينج»؛ حيث أمر بفتح البوابة الكبرى للإصلاح والانفتاح على العالم.
وكان «بينج» يرى بعض الفوائد فى إرسال المزيد من الطلاب الصينيين إلى الجامعات بالخارج؛ للحصول على الدراية التقنية على نفقة الدولة، لكنه لم يتصور قط وجود تدفق على النطاق الذى شوهد منذ ذلك الحين.
ولحسن الحظ بالنسبة للصين، كان الحزب الشيوعى مستعداً فى بعض الأحيان للمجازفة، وبدا ذلك واضحاً فى ثلاثة مجالات رئيسية، الأول هو إصلاح الاقتصاد، ففى التسعينيات تجاهل الزعماء شكاوى المحافظين، ودفعوا بإغلاق أو بيع عشرات الآلاف من الشركات المملوكة للدولة.
ومع النمو السريع للأعمال التجارية الخاصة وتحويل العديد من موظفى الدولة إلى هذه الوظائف الجديدة وهجرة عشرات الملايين من الناس للعثور على عمل فى المدن فقد الحزب الكثير من شبكته التى كانت تسيطر على جميع الخلايا فى مكان العمل، لكن هذه الإصلاحات ساعدت على صعود الصين إلى صفوف القوى الاقتصادية العالمية.
أما المخاطرة الكبيرة الثانية فقد اتخذها «جيانج زيمين» خليفة «بينج»، وهى احتضان الإنترنت لتمثل مقامرة لطرف مصمم على السيطرة على انتشار المعلومات، وقد أتت ثمارها فأصبحت الصين رائدة عالمية بمجال تكنولوجيا المعلومات ولم يمنع ذلك من بقاء الحزب فى السلطة.
وكانت المغامرة الثالثة هى فتح بوابات البلاد والسماح للناس بالرحيل، وبالفعل بدأ النزوح الجماعى بخطى متأنية لكنها ثابتة فمنذ عام 2007، تضاعف عدد الزيارات التى قام بها الصينيون فى الخارج إلى أكثر من ثلاثة أضعاف.
وللاستفادة من الازدهار السياحى الصينى، خففت العديد من الدول من متطلبات الحصول على التأشيرة وفتح البعض أبوابه للمهاجرين الصينيين الأغنياء بمنحهم إقامة دائمة مقابل المال وفى مقدمتهم الولايات المتحدة.
وبالنسبة للعديد من الناس فى الدول المضيفة، فإنَّ الحضور المتنامى للشعب الصينى هو منحة كبيرة لكنه أيضاً يغذى الاستياء الذى تشوبه العنصرية أحياناً فسكان المدن الأسترالية يساورهم القلق بشأن ارتفاع أسعار العقارات والتى ينسبونها إلى الطلب الصينى، ويتذمر الناس فى أجزاء من أفريقيا من المنافسة مع أصحاب المتاجر الصينية أو شركات البناء.
المخاوف السياسية والأمنية تأتى فى الصورة، أيضاً، فى مختلف أنحاء الغرب تتزايد المخاوف من اعتماد الجامعات بشكل كبير على دخل الرسوم من الطلاب الصينيين، ما يعرض المؤسسات المعنية لخطر التجسس فى مختبرات التكنولوجيا العالية والتدخل الأيديولوجى من قبل الدولة الصينية.
ولقد لعب المسافرون العائدون من الخارج، والأفكار التى يجلبونها معهم، دوراً حاسماً فى تاريخ البلد المضنى، لكن على المدى الطويل قد يتبين أن «بينج» كان على حق فى القلق بشأن اختراق «الذباب السياسى» للنوافذ المفتوحة وانتزاع السيطرة من الحزب الحاكم.

رحلة السائح الصينى.. شهية لا تشبع من السفر

 الأفواج السياحية مسئولة عن ثلث الإنفاق العالمى على السلع الكمالية

من المتوقع أن تصبح مدينة «بيستر»، الوجهة الثانية الأكثر شعبية للزوار الصينيين لبريطانيا بعد قصر «باكنجهام»، وهى مدينة فى «أوكسفوردشير» ذات ملاحظة بسيطة للسياح باستثناء مركز التسوق؛ حيث إنها شريط بطول كيلومتر يضم أكثر من 160 منفذاً لبيع الماركات العالمية الفاخرة بسعر مخفض مثل «بوس» و«جوتشى» و«سلفاتورى فيراجامو» و«فيرساتشى» وغيرها.
واستقبلت منافذ المدينة العام الماضى حوالى 6.6 مليون زائر مثلها مثل المتحف البريطانى، وكان نصفهم تقريباً من الأجانب ونصف هؤلاء الأجانب من الصين بمن فى ذلك الدبلوماسيون بصفتهم غير الرسمية. ودون الصين لن تكون «بيستر» ما هى عليه اليوم.
ووفقاً لشركة «جلوبال بلو»، وهى شركة تسوق معفاة من الضرائب، فقد اشترى الزوار الصينيون أكثر من ربع جميع المنتجات المعفاة من الضرائب التى بيعت فى بريطانيا العام الماضى وارتفع إنفاقهم بنحو الثلث عن العام السابق، ولجعل الحياة أسهل بالنسبة لهم قامت المدينة بتسهيل الدفع غير النقدى من خلال WeChat، وهى عبارة عن منصة وسائل الإعلام الاجتماعية والمدفوعات الصينية.
ويدفع الصينيون وحدهم ثلث الإنفاق العالمى على السلع الكمالية وبين عامى 2008 و2016 كانوا مسئولين عن ثلاثة أرباع النمو فى هذا الإنفاق.
ويفضل ثلث المتسوقين الصينيين شراء السلع الفاخرة فى الخارج وقد أنفقوا فى 2016 ما يزيد على 260 مليار دولار، أى أكثر من ضعف إنفاق الأمريكيين فى الخارج وخُمس إجمالى الإنفاق العالمى من قبل السياح الدوليين وقبل عقد من الزمان لم يكن الإنفاق السياحى الصينى يشكل سوى %3 من إجمالى الإنفاق العالمى.

فى إيطاليا.. المهاجرون القدامى يدعمون الجدد
تعتبر مدينة «براتو» فى تلال «توسكانا» الإيطالية قلب صناعة الأزياء؛ حيث تصنع الأقمشة الفاخرة للعلامات التجارية مثل «جوسى» و«أرمانى»، وتحمل بفخر شعار «صنع فى إيطاليا»، لكن العديد من مصانع «براتو» مملوكة الآن ويعمل بها الصينيون.
ولدى «براتو» أحد أكبر تجمعات المهاجرين الصينيين فى أوروبا، وبلغ عدد السكان الرسمى عام 2017 حوالى 20 ألف نسمة، أى ضعف العدد تقريباً قبل عقد من الزمن، لكن التقديرات تختلف بشكل كبير؛ لأن العديد من السكان مهاجرون غير شرعيين، وفى هذه الأيام أصبح من الألقاب الأربعة الأكثر شيوعاً فى «براتو«، هى «تشن» و«هو» و«لين» و«وانج».
أكثر من %80 من سكان «براتو» الصينيين يأتون من مدينة ساحلية واحدة وهى «ونتشو» الريفية التى تعد منطقة ذات تاريخ طويل من الهجرة إلى الخارج، وبالتالى لها شبكة عالمية من الأقارب يقدمون الدعم للمهاجرين الجدد.
فى الواقع، فإن «ونتشو» وضواحيها مصدر لغالبية الصينيين الذين انتقلوا إلى أوروبا فى السنوات الأخيرة بحسب مؤلفى كتاب «الهجرة الصينية إلى أوروبا» وهم: لوريتا بالداسار وجرايم يوهانسون وناريل ماكوليف وماسيمو بريسان.

ويلقى السكان المحليون باللوم على نمو البطالة فى أعقاب الأزمة المالية لعام 2008 فى توافر البديل الصينى وبتكلفة أقل، ما دعا الأهالى فى 2009 إلى انتخاب أول عمدة للمدينة يمينى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وهو «روبرتو سينّى» الذى كان قد شن حملة تقوم على برنامج صارم بشأن الهجرة خاصة ما سماه مؤيدوه «الغزو الصينى».
وفى 2014 قام خليفته «ماتو بيفينى»، وهو من يسار الوسط بالتركيز على ذات القضية والتذمر حول الصينيين فى «براتو»، لكنه يرى أنه لا يمكن طردهم وأن لهم فائدة فبدلاًً من توقف المدينة عن الإنتاج لصالح مصنع فى الصين جلب الصينيون التكلفة الأقل لجعل المصانع تستمر فى العمل.
وطور المهاجرون صناعة جديدة تعرف باسم «برونتو مودا» تقوم على استيراد أقمشة رخيصة معظمها من الصين، وتحويلها إلى ألبسة أزياء بسرعة البرق لمواكبة الأنماط المتغيرة.
وحتى مع انخفاض عدد شركات الغزل والنسيج فى «براتو» من أكثر من 9400 إلى أقل من 3 آلاف شركة فى العقدين حتى عام 2011، ارتفع عدد مصانع الملابس بأكثر من 3 أضعاف إلى ما يقرب من 4 آلاف مصنع، ثلاثة أرباعها مملوك للصينيين.
وفى عام 2015، استأثرت الشركات الصينية بأكثر من نصف القيمة المضافة من قبل شركات المنسوجات والملابس فى «براتو» وفقاً لمعهد توسكانا الإقليمى للتخطيط الاقتصادى.
وأدى نمو الصناعات التى يديرها الصينيون فى »براتو» إلى خلق طبقة وسطى صينية متنامية لا تشمل فقط رؤساء المصنع، ولكن أصحاب المحلات التجارية والمطاعم ومصففى الشعر ووكلاء السفر الذين يصطفون فى شوارع الحى الصينى بالمدينة وكثير منهم يشعر بالاستقرار ولا يفكر فى العودة حالياً للصين.

عودة العقول المهاجرة.. طيور النورس تزحف كالسلاحف
بدأ «جيمى زى هونج» بعد عودته من نيويورك مشاريعه الجديدة الأولى وهى «دورا» شركة ناشئة مقرها فى بكين، تتعامل فى أكشاك الخدمة الذاتية مثل أكشاك التصوير تضم 300 موظف وتبلغ قيمتها 100 مليون دولار.
ويقول المسئولون، إن حوالى %80 من الطلاب الصينيين يعودون الآن بعد إنهاء دراستهم، مقارنة بأقل من الثلث فى عام 2006، لكن الأرقام يصعب التحقق منها فيما يشبه طيور النورس التى تقوم بالهجرة والهجرة العكسية.
ويعتمد نجاح خطة الصين لإنشاء قادة عالميين فى الصناعات المتطورة، المعروفة باسم «صنع فى الصين 2025»، على العائدين، ويرتكز عليهم مشروع البلاد الضخم فى تطوير الذكاء الصناعى.

وانضم أقل من %4 من الذين عادوا بعد الدراسة فى الخارج للخدمة المدنية، لكنَّ العائدين يتزايدون حتى على أعلى المستويات فى الحكومة والحزب لكن الوتيرة تسير ببطء السلاحف.
وفى عام 2016 عاد أكثر من 430 ألف شخص إلى الصين بعد الانتهاء من دراستهم بزيادة %60 تقريباً مقارنةً بعام 2011.
واعتبرت وكالة الأنباء الصينية «شينخوا» زيادة معدل العودة خلال ذلك العقد إلى %40 بأنه ناجم عن «التأثير المغناطيسى» لصعود الصين كقوة عالمية.
ويعمل حوالى سدس «السلاحف البحرية» كما يمزح الناس باللغة الصينية عند وصف العائدين فى الأعمال المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات، لكن الوصف الساخر ينطبق عملياً على حالهم، فمن بين أكثر من نصف مليون عائد تقريباً فى هذا المجال، وفقاً لمسح نشر العام الماضى من قبل مركز الصين والعولمة نجح 150 فرداً فقط فى إطلاق شركته.
ويعرض المسئولون بالمحليات على العائدين دعماً سخياً، وكذلك السكن والرعاية الصحية وغيرهما من المزايا.

أسود أفريقيا ترقص مع التنين الأحمر

10 آلاف صينى يعملون فى شركات بالقارة السمراء

يعمل عدة مئات من العمال الصينيين لبناء محطة حاويات جديدة بخليج «والفيس» فى نامبيا ومرفق لتخزين البترول خارج المدينة، ويتم نقلهم من وإلى مواقع البناء فى حافلات الشركة، ويتعين عليهم التقدم للحصول على إذن لمغادرة ثكناتهم، ما يعنى أنه مسموح بالقليل من التفاعل مع المجتمع المحلى.
ونشرت شركة الاستشارات المالية العالمية «بيكر آند ماكينزى» بحثاً، خلال العام الماضى، بعنوان «رقصة الأسود والتنانين» حول المشاركة الاقتصادية الصينية فى أفريقيا، وأكد أن هناك أكثر من 10 آلاف صينى بالشركات التى تعمل فى أفريقيا.
لكن كثيراً من الخبراء يعتقد أن الرقم أعلى بكثير معتبراً أن البحث الأكاديمى لا يرصد أنواعاً أخرى من العمالة والتجار؛ حيث يعتبرون أن هذا العدد لا يكفى خطة بكين فى الاستيلاء الاقتصادى على القارة السمراء.
وتتحدث بعض القصص الخالية عن طوفان هائل نزح الصينيون بعده إلى أفريقيا وتحديداً عبر رأس الرجاء الصالح فى جنوب أفريقيا؛ حيث توجد سلسلة جبال «دراكنزبرج» فعلى مدى العامين الماضيين بحسب تقرير لموقع «كوارتز» تزايد الحضور الصينى فى أفريقيا بشكل كبير.
ولم يعد من الأخبار الجديدة الإعلان عن استثمار الشركات الصينية ورواد الأعمال والحكومة المركزية والمحلية بكثافة فى البلدان الأفريقية، كما هو الحال فى كينيا؛ حيث تمول وتبنى أكبر مشروع للبنية التحتية فى البلاد منذ أكثر من 50 عاماً، وهو خط سكك حديدية قياسية من نيروبى إلى مدينة مومباسا الساحلية، ولخدمة هذا المشروع حجزت سلسلة البقالة Nakumatt ممراً للإمدادات الغذائية الصينية لخدمة الجالية الصينية فى نيروبى.
ويمكن بسهولة العثور على مصانع تديرها الصين فى إثيوبيا ورواندا ونيجيريا، ومن المفترض أن تصبح قريباً بوسط أفريقيا حيث سيكون أول مصنع للسيارات بالمنطقة فى الكاميرون.
ليس الاقتصاد فحسب المخترق من الصين فقد استثمرت الحكومة الصينية فى أكثر من 40 مدرسة لتعليم اللغات عبر القارة لتعليم لغة الماندرين والثقافة الصينية كما يتورط الدبلوماسيون الصينيون فى الصراعات الإقليمية بداية من الحرب الأهلية بجنوب السودان إلى نزاع حدودى بين إريتريا وجيبوتى؛ حيث توجد الآن أول قاعدة عسكرية صينية فى الخارج.
وتجد فى البلدان الأفريقية عدداً متزايداً من الصينيين لم يقصدوا أبداً البقاء للأبد لكنهم الآن يقولون إنهم لا يستطيعون العودة إلى ديارهم لأنهم ببساطة «تغيروا».
كما أن التواجد الصينى غير الحياة بكثير من الأماكن والأمثلة على ذلك مهمة؛ لأنها بطريقة ما تفسر ما يجرى على أرض الواقع وقد صدر بحث العام الماضى وجد أن المجتمعات القريبة من المناجم الصينية تتمتع ببنية تحتية أفضل وشهدت تحسناً كبيراً فى حياة الناس.
المصدر: جريدة البورصة

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية