بعد عقدين من ظهور العملة الأوروبية الموحدة، احتدم النقاش حول ما إذا كان اليورو جيدًا بالنسبة لاقتصاد إيطاليا أم لا؟
قالت وكالة أنباء «بلومبرج»، إن بعض السياسيين أفادوا علانية بأن إيطاليا قد تتخلى عن اليورو، وهو السيناريو الذى أطلقت عليه وسائل الإعلام اسم «خروج ايطاليا»، مما أثار مخاوف المستثمرين من أن البلاد قد تنتهى بالتخلف عن سداد ديونها الكبيرة.
وفى خضم حالة عدم اليقين التى تفاقمت بسبب الخلاف بين الحكومة والشعب حول أهداف موازنة الاتحاد الأوروبي، ربما يكون الاقتصاد قد انزلق إلى الركود فى النصف الثانى من عام 2018.
وأوضحت الوكالة الأمريكية أنه عند تقييم الأمر ينبغى النظر إلى أداء البلدان العشرة التى كانت بجانب إيطاليا فى الدفعة الأولى التى تبنت اليورو كعملة موحدة.
أشارت الوكالة، إلى أن الاقتصادات العشرة حققت أداءً جيدًا فى ظل استخدام العملة الموحدة حيث قامت ألمانيا بإصلاح سوق العمل لديها ثم انتعشت من حالة الركود وكان محرك التصدير فيها أقوى من أى وقت مضى.
يأتى ذلك فى الوقت الذى تعانى فيه إسبانيا من معدلات بطالة مرتفعة ولكن هناك ضرائب أقل.
ورغم وقوع إسبانيا ضحية لأزمة الديون الأوروبية فقد نما اقتصادها أكثر من أربعة أضعاف بالمقارنة مع سرعة نمو إيطاليا منذ عام 1999.
حتى فرنسا التى تكره الإصلاح تفوقت على إيطاليا بشكل ثابت وعلى نطاق أكبر إلى جانب البلدان الصغيرة من هولندا إلى أيرلندا والبرتغال استفادت أيضا من استخدام اليورو كعملة موحدة.
وكانت إحدى الحجج لتراجع ايطاليا والتى أعلنها صانعو السياسة، أن اليورو ضاعف العديد من نقاط الضعف طويلة الأجل فى البلاد.
وقال رئيس البنك المركزى الأوروبي، ماريو دراجي، خلال خطاب ألقاه يوم 15 ديسمبر بمناسبة الذكرى العشرين للعملة الموحدة أن النمو المنخفض فى إيطاليا ظاهرة ترجع إلى فترة طويلة قبل بزوغ فجر اليورو.
وأوضح ماركو فالي، كبير الاقتصاديين الأوروبيين فى «يونى كريديت» أنه خلال الثمانينيات وأوائل التسعينيات بدأت البلاد تعيش إلى حد ما فوق إمكانياتها كما يتضح من ارتفاع مسار الدين العام فى حين أن انخفاض قيمة العملة سمح للاقتصاد بأن يظل منافسًا فى المنطقة.
وتزامن العقد الأول من اليورو، مع بداية المنافسة الصينية والثورة الرقمية.
وشهدت إيطاليا التى تعد ثانى أكبر مركز للتصنيع فى أوروبا، تنافس العديد من المؤسسات الأجنبية خصوصا بالنسبة للشركات الأصغر حجما.. لكن السياسيين لم يتمكنوا من التدخل بأداتهم المفضلة منذ فترة طويلة والمتمثلة فى خفض قيمة العملة لجعل الصادرات أرخص.
وعلى الجانب الآخر جعلت العملة الموحدة سداد ديون إيطاليا أقل تكلفة حيث بلغت تكاليف التمويل أكثر من 20 مليار يورو سنوياً وهى أقل مما كانت عليه فى سنوات ما قبل اليورو وذلك لأن البنك المركزى الأوروبى مسئول عن السياسة النقدية ويشعر المستثمرون براحة أكبر.
ومع ذلك، لم يستفد صانعو السياسة من هذه الأمر حيث تضخم الإنفاق العام إلى أكثر من %50 من الناتج المحلى الإجمالى فى السنوات التى سبقت الأزمة فى حين فشلت الحكومة فى تقليص الدين بشكل كبير.
وعلى خلاف اسبانيا لم تقم إيطاليا بتنظيف نظامها المصرفى بعد أزمة الديون تاركة المقرضين مثقلين بالديون المتعثرة وغير قادرين على عكس مسار أزمة الائتمان حتى عام 2017.
وقام المحللون بتحديد سبب هذا الانخفاض المزمن فى أداء وضعف الإنتاجية، وأفادوا بأن المشكلة تتمثل فى السياسيين البارزين الذين يبدوا أنهم ليسوا على دراية بالمشكلة.
ومن بين التفسيرات المختلفة التى طرحت هى سوق العمل الضعيف والقطاع العام المتضخم والكثير من المحسوبية إلى جانب تراجع الاستثمار فى التعليم وصغر حجم معظم الشركات وكانت كل هذه العوامل تسبق مرحلة العملة الموحدة.
وفى العقد الأول من اليورو استفادت الشركات الإيطالية من انخفاض أسعار الفائدة من أجل زيادة الاستثمار لكن هذا لم يكن كافياً لتعزيز الإنتاجية ووقف تراجع القدرة التنافسية.
ومع أزمة الديون انخفض الإنفاق الرأسمالي، ولا يزال الطريق بعيداً عن التعافي.
أوضحت الوكالة أن السنوات العشرين الماضية، لم تكن دون تقدم، إذ تحسن ترتيب إيطاليا فى جداول التنافسية العالمية فى الآونة الأخيرة وخفضت البنوك من عبء قروضها السيئة وارتفعت الصادرات وتم إنشاء أكثر من مليون فرصة عمل جديدة منذ عام 2013.
وأضافت أن بعض هذه المكاسب التى تحققت بشق الأنفس أصبحت الآن فى خطر حيث تعهدت البلدان بالالتزام بالحدود المقررة فى الموازنة الأوروبية لسد العجز والديون.
وخاضت الحكومة الإيطالية معركة شاقة للغاية مع شركائها الأوروبيين فى الأسابيع الأخيرة حول خططها للإنفاق مما تسبب فى قلق حاملى السندات.
وأظهر استطلاع للرأى فى أكتوبر الماضي، ارتفاع الدعم الشعبى لليورو، إذ أن %57 من الإيطاليين أفادوا بأن اليورو أمر جيد لبلدهم بزيادة 12 نقطة مئوية عن 2017.
المصدر: جريدة البورصة
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا