فى كثير من الأحيان لا أتخذ وجهة نظر قوية تتعارض بشكل مباشر مع إجماع السوق، وفى المرات السابقة النادرة التى فعلت فيها ذلك فى الماضى، شعرت بعدم ارتياح فى البداية.
والسؤال هو ما إذا كانت شكوكى الحالية بشأن إجماع السوق على سيناريو «معتدل إلى حد» فى الأسواق تتحول من رأى شاذ إلى السيناريو الأساسى بين الاقتصاديين وصانعى السياسة، والشيء الجيد فى هذا هو أننى لن أمانع إذا انتهى بى الأمر أن أكون مخطئا لأن ذلك سيعنى أيضا انخفاضا كبيرا فى مخاطر الاضطراب الاقتصادى والمالى غير الضرورى.
وأوضح استطلاع حديث أجراه بنك أوف أمريكا، يهيمن على الأسواق حاليا، إجماعا قائما على 3 فرضيات أساسية: النمو العالمى الدائم المرتفع، والتضخم العابر، والبنوك المركزية الصديقة دوما.
من خلال تبنى هذه الثلاثية، رفع المستثمرون الأسهم وسندات الشركات إلى مستوى على الإطلاق، ودعموا أسواق السندات الحكومية، وأبعدوا البائعين على المكشوف الذين يراهنون على انخفاض الأسعار، ورغم بعض التحفظات، ليس لدى شكوك فى وجهة النظر القائلة بأن النمو سيكون قويًا فى أكبر المناطق الاقتصادية فى العالم – الصين والاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة.
فى الواقع، أصبحت أكثر تفاؤلا بشأن آفاق النمو الأوروبى مما كنت عليه لفترة طويلة جدا، كما أننى أوافق على أن البنوك المركزية ذات الأهمية الهيكلية ستحافظ على سياسات نقدية شديدة التساهل لفترة طويلة، سواء كانت مضمونة (فى حالة البنك المركزى الأوروبى) أم لا (فى حالة الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى)، فإنهم قد استثمروا الكثير من سمعتهم وتفكيرهم فى التحفيز لدرجة أنهم لن يخاطرون بالتشديد المبكر للسياسة النقدية.
ومع ذلك، أشعر بالقلق الشديد من الاقتناع السائد بأن الارتفاع الحالى فى التضخم سيكون مؤقتا، وهذا ليس لأننى أنكر أن التأثيرين على البيانات الحالية سيتم عكسهما – وهما المقارنات مع قاعدة منخفضة العام الماضى وبعض عدم التطابق المؤقت بين العرض والطلب – وإنما يرجع ذلك إلى كل الأدلة الموجودة على الأرض على التغيرات الهيكلية فى جانب العرض فى وقت سيظل فيه إجمالى الطلب قويا.
ويظهر ذلك فى أداء سوق العمل إذ قد يؤدى عدم اليقين بشأن عدم تطابق المهارات إلى ارتفاع الأجور، قد يتأثر معروض العمالة أيضا من الميل لعدم العمل خارجا نتيجة الوباء، وعلاوة على ذلك، هناك تغييرات مستمرة فى سلاسل التوريد وإدارة المخزون والنقل، ثم هناك حالات التأخر فى التسليم النموذجية.
ونظرا لعدم مرورهم بفترة من التضخم منذ وقت طويل، قد يقلل بعض المستثمرين من تقدير آليتين تاريخيتين، الأولى، يمكن أن تتسرب تأثيرات الزيادات فى الأسعار لمرة واحدة على ما يبدو عبر النظام، والثانية، يمكن أن يكون الارتفاع فى التضخم مستمرا ويبدأ بالسلع والأسعار فى المصانع وينتهى إلى الأسعار الاستهلاكية والأجور.
ولأكون واضحا، لا أتوقع عودة التضخم كما كان فى السبعينيات، لكن علينا أن نحترم احتمال حدوث صدمة للنظام المالى الذى تم تكييفه وإدارته على أساس استمرار التضخم الأقل والأكثر استقرارا، وكل هذا يؤدى إلى تعقيدات أخرى.
وإذا ثبتت مثل هذه المخاوف خلال الأرباع القليلة المقبلة فستثار الشكوك حول العنصرين الآخرين لإجماع السوق والمتعلقين بالنمو المرتفع و البنوك المركزية الصديقة – وهذا الأمر سيستغرق الأمر وقتا إذ من المرجح أن تمدد البنوك المركزية الفترة الزمنية التى تعرف كلمة «مؤقت».
ومع تحويل الاحتياطى الفيدرالى لنهجه بشأن السياسة النقدية إلى الاعتماد على البيانات الاقتصادية بدلا من النهج التقليدى القائم على التوقعات، فمن المحتمل أن يكون قد تأخر كثيرا فى تعديل الاستراتيجية إذا لم تتحقق توقعاته المتمثلة فى التضخم العابر.
ومن شأن الضغط على المكابح فى وقت متأخر، بدلا من تخفيف الضغط على دواسة الوقود مبكرا، أن يزيد بشكل كبير من خطر حدوث ركود اقتصادى غير ضرورى، وفى الواقع، هذه هى الرسالة التحذيرية القوية التى تنبثق حتى من القراءة السريعة لتاريخ أخطاء سياسة البنوك المركزية الحديثة، كما أنه يهدد بزعزعة الاستقرار المالى، وإضعاف النمو أكثر، وذلك إذا كانت حوادث السوق لا تسبق خطأ السياسة.
وتهمش تأكيدات البنوك المركزية المتكررة كثيرا بأن التضخم سيكون «مؤقتا» الاستكشاف الذى تشتد الحاجة إليه لما يحدث لكل من ديناميكيات الأسعار وأداء سوق العمل.
والنتيجة هى شعور بارتياح تجاه أسس تصبح غير مستقرة بشكل متزايد، ويأتى مع ذلك خطر متزايد من عدم الاستقرار فى المستقبل، ما يعرضنا جميعا لأضرار اقتصادية ومالية كبيرة، ولحسن الحظ، هو ضرر لايزال من الممكن تجنبه إذا وسعت كل من البنوك المركزية والأسواق منظورها.
بقلم: محمد العريان
المستشار الاقتصادى لمجموعتى “أليانز”، و”جرامسرى”، ورئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا