مقالات

هل لا يزال بالإمكان الخروج من السياسة النقدية الميسرة المطولة؟

يعتبر الانخفاض الحاد فى عائدات السندات الحكومية الأمريكية الذى شهدناه منتصف الشهر الجارى، أخباراً جيدة لمستثمرى الأسهم، أو هكذا تعتقد بالنظر إلى التجربة الأحدث. لكن لم يكن هذا هو الشعور السائد فى الأسواق، يوم الخميس، فى ظل عمليات بيع واسعة النطاق فى الأسهم، ما دفع المزيد من الناس إلى البدء فى طرح سؤال رئيسى حول ما إذا كان بإمكاننا الحصول على الكثير من شىء جيد – أى أسعار الفائدة المنخفضة للغاية بشكل مصطنع لفترة طويلة جداً.

يصبح السؤال أكثر أهمية مع استعداد المستثمرين لاستيعاب أخبار التضخم وسياسة الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى الأسبوع الجارى، وانخفضت عائدات سندات الخزانة لأجل عشر سنوات من حوالى %1.70 فى نهاية الربع الأول إلى %1.25 خلال جلسة تداول يوم الخميس قبل أن تتعافى إلى حد ما يوم الجمعة.

تم اقتراح ثلاثة تفسيرات رئيسية لهذه التحركات غير المتوقعة؛ نظراً إلى ارتفاع النمو والتضخم، والتفسير الأكثر إثارة للقلق هو أن الأسواق تتوقع تدهوراً كبيراً فى آفاق النمو؛ بسبب البيانات الأقل قوة فى الصين والولايات المتحدة، والمخاوف بشأن انتشار متحور دلتا فى أوروبا ومعظم العالم النامى.

ومع ذلك، من الصعب المجادلة بأن هذه الرياح المعاكسة للانتعاش العالمى تستدعى مثل هذا الانخفاض فى العائدات، ناهيك عن المستويات المنخفضة للغاية لكل من الفائدة الاسمية والحقيقية.

ويتعلق التفسير الثانى بالسياسة، ويتركز على إشارة البنك المركزى الأوروبى إلى موقف أكثر تشدداً إلى حد ما فى السياسة، لكن مرة أخرى، من الصعب الجدال بأن هذه الخطوة تستدعى هذا القدر من التراجع، وتزامن إعلان البنك المركزى الأوروبى مع إصدار محضر اجتماع الفيدرالى الذى أكد ميلاً أقل تشدداً قليلاً.

ثالثاً، التفسير القائم على العوامل الفنية للانخفاض فى العائدات يبدو أكثر إقناعاً، وكلما انخفض العائد على نحو غير متوقع، زاد الضغط على أولئك الشجعان الذين مازالوا يراهنون على انخفاض أسعار السندات، أو الذين كانوا يقللون من وزن مؤشراتهم القياسية.

وربما كان هناك أيضاً عمليات شراء متأخرة من صناديق التقاعد التى تخلت عن انتظار نقاط دخول أفضل لشراء أصول تتناسب مع الالتزامات، وفى الواقع، كانت الطبيعة المفاجئة لتحركات السوق فى منتصف الشهر متوافقة مع «تداولات الاستسلام» – كما هو الحال فى «أنا لا أهتم بمستويات الأسعار، فقط ادخل السوق».

لفترة من الوقت، تبنى المستثمرون فى الأسهم العائدات المنخفضة بشكل غير طبيعى، وهى حجر الزاوية فى اعتماد البنوك المركزية المطول على السياسات غير التقليدية إذ إنها تقلل من عبء ديون الشركات، وتسمح بإعادة تمويل الديون بسهولة كبيرة وتفتح جميع أنواع الاحتمالات لعمليات الاندماج والاستحواذ، بالإضافة إلى الطروحات العامة الأولية، كما أنها تسهل الإدارة المالية القديمة الجيدة التى تغير هيكل رأس المال لصالح المساهمين على حساب الدائنين.

إذاً ما الذى يتبع نوبة عسر الهضم المفاجئة فى الأسواق؟ الإجابة الأكثر ترجيحاً هى حدوث انتعاش قصير الأجل مدفوع بثلاثة اتجاهات سلوكية استوطنت لدى المستثمرين: لا يوجد بديل للأسهم فى ظل العوائد شديدة الانخفاض، والشراء فى فترات التراجع مع استمرار موجة السيولة، والخوف من فقدان فرصة ارتفاع آخر فى الأسهم. رغم أن تلك هى النتيجة الأكثر احتمالية على المدى القصير، فإنَّ ذلك لا ينبغى أن يمنعنا من تحليل اثنتين من المخاطر المرتبطة، الأولى تتعلق بما يسمى «خفض الاستثمارات» – أى التخفيضات المتزامنة فى المراكز الخطيرة بقيادة أولئك الذين راهنوا على تحسن الاقتصاد مع «تجارة الانتعاش»، وسيشمل ذلك تقليص المراكز ذات الوزن الزائد فى الأسهم المحفوفة بالمخاطر وتقليل التعرض للسندات الحكومية الخالية من المخاطر، ما قد يؤدى إلى انتقال عدوى عكسية لمجموعة أكبر من الأصول المالية.

أما الاحتمالية الآخرى الأكثر إثارة للقلق فهى تواصل الأحداث الأخيرة والمتمثلة فى أن الاقتصاد والنظام المالى ربما تمتعا بالفعل بالكثير من الأشياء الجيد، وفى ظل تفوق التضخم على المستوى المستهدف من الاحتياطى الفيدرالى بالفعل ومع استمرار مشاكل جانب العرض بثبات، هناك قلق متزايد من أنه كلما انتظر البنك المركزى قبل الخفض التدريجى لمشتريات السندات الشهرية البالغة 120 مليار دولار، زادت احتمالية اضطراره إلى الضغط على مكابح السياسة فى مرحلة ما.

وأثناء ذلك، قد تتفاقم المضاربة، ويزداد التخصيص السيئ للمزيد من الموارد عبر جميع أنحاء الاقتصاد، ويزداد تكبد المزيد من الديون التى لا يمكن تحملها، ما هو واضح بالنسبة لى هو أننا نقترب بشكل لا يقاوم من سؤال مهم للاقتصاد والأسواق، وليس فقط فى الولايات المتحدة: هل لا تزال هناك إمكانية للخروج المنظم مما كان فترة طويلة بشكل ملحوظ من السياسات النقدية الميسرة؟

بقلم: محمد العريان

مستشار اقتصادى لمجموعة «أليانز» و«جرامسرى»، ورئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج

لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا

الأكثر مشاهدة

النفط يصل لأعلى مستوياته منذ شهر وسط توقعات بارتفاع الطلب

استقرت أسعار النفط اليوم الخميس لتقترب من أعلى مستوى في...

صندوق النقد: مستمرون في دعم مصر ولم نحدد موعد المراجعة المقبلة

أكدت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، خلال مؤتمر...

منطقة إعلانية