تحليل: عبد الرحمن الشويخ
تحظى كرة القدم في مصر بشعبية كبيرة، من طبقات المجتمع كافة، لكن اقتصاديا الأمر مختلف تماما، فالبرغم من أن هذا القطاع أرض خصبة للاستثمار وتحقيق الربح، لكن الواقع والأرقام يؤكدان أن الخسائر فيه كبيرة.
227 مليون جنيه خسارة الأهلي في 2020
النادي الأهلي هو الأكثر تحقيقا للإيرادات بين أندية الدوري المصري، تلك حقيقة لا تقبل الجدل، تؤكدها الأرقام، فوفقا لأخر عقد رعاية يبلغ مجموع ما يحصل عليه من حقوق تجارية وبث فضائي 225 مليون جنيه سنويا، بفارق كبير عن أقرب منافسيه الزمالك الذي يحصل على 100 مليون جنيه تقريبا، لكن ذلك لم يستطع سد حاجة فريق الكرة، وكانت الخسائر كبيرة.
بالنظر إلى ميزانية النادي الأهلي في العام المالي 2019 /2020، بلغت إيرادات نشاط كرة القدم في النادي 316.75 مليون جنيه، في المقابل كانت المصروفات 544 مليون جنيه، أي أن الخسارة تقدر بحوالي 227.25 مليون جنيه تقريبا.
ربما كانت هناك بعض التأثيرات الخاصة بتفشي فيروس “كورونا”، جعلت الخسائر تزيد من 95 مليون في العام المالي 2018/2019 إلى 227.2 مليون جنيه في 2020، وهو ما تسبب في انخفاض الايرادات من 378.2 مليون جنيه إلى 316.7 مليون جنيه، لكن عند تدقيق النظر في الأرقام نلاحظ أن الفارق جاء من انخفاض المبالغ التي حققها النادي من بيع وإعارة اللاعبين بقيمة بلغت 37.3 مليون جنيه، وكذلك العوائد التي حصل عليها النادي من الفيفا جراء مشاركة لاعبيه في كأس العالم بفارق حوالي 28 مليون جنيه.
وواضح من الميزانية أن المصروفات زادت بقيمة 71 مليون جنيه في 2020، نتيجة لرفع مرتبات اللاعبين والأجهزة الفنية وزيادة مكافأت الفوز.
الزمالك لا يختلف الحال فيه كثيرا، وربما يكون أكبر في ظل عدم الاستقرار الإداري الذي يعيشه، وخروج ميزانية غير واضحة له في 2020، وإن كان إبراهيم عبد الله العضو السابق باللجنة التنفيذية للنادي قال في تصريحات تليفزيونية، إن قيمة عقود لاعبي الفريق الأول تبلغ 257 مليون جنيه، وذكر أحمد حسام “ميدو” لاعب الفريق الأسبق أن ميزانية الكرة في الزمالك قيمتها 336 مليون جنيه، وهو ما يعني أن الخسارة كبيرة ومؤكدة مع ضعف الإيرادات، وكانت أخر ميزانية واضحة للنادي، خرجت في 2019، بلغت الخسائر فيها حوالي 43 مليون جنيه.
ثلثي أندية الدوري تابعة للشركات والهيئات
في بداية الألفية، كان عدد الأندية ذات الجماهيرية والشعبية يعادل نفس نظيرتها في الهيئات والمؤسسات، لكن الكفة مالت مع الوقت للأخيرة، حتى أصبح في الموسم الحالي 2020/2021، 7 أندية شعبية وجماهيرية هي الأهلي- الزمالك- المصري- الإسماعيلي- الاتحاد- سموحة- أسوان، مقابل 11 نادٍ تابع للهيئات والمؤسسات والشركات، هي طلائع الجيش- الانتاج الحربي- إنبي- غزل المحلة- المقاولون العرب- وادي دجلة- بيراميدز- الجونة- مصر المقاصة- سيراميكا كليوباترا- البنك الأهلي.
هذا العدد قابل للزيادة في الموسم المقبل بعد صعود فاركو والشرقية للدخان وكوكاكولا، ليس هذا فحسب فربما يستمر ذلك في الموسم الذي يليه، إذا ما علمنا أن الأندية التي كانت تنافس تلك الأندية هي حرس الحدود وبورتو السويس والداخلية والألومونيوم، الأمر يؤكد أن القادم سيكون لهذه الأندية في ظل قدرتها المالية وتوفيرها المناخ الجاذب الذي من خلاله تستطيع التأهل للدرجات الأعلى.
عوائد أندية الشركات ليست مادية
إبان توقف الدوري في الموسم الماضي جراء تفشي فيروس كورونا، خرج ماجد سامي مالك وادي دجلة بتصريحات أكد فيها على أن ناديه يحصل من الشركة الراعية على 10 ملايين جنيه قيمة البث الفضائي، وإنه يفكر جديا في إلغاء نشاط كرة القدم بسبب خسارته لحوالي 70 مليون جنيه سنويا، اذ تبلغ المصروفات 100 مليون جنيه مقابل 30 مليون جنيه إيرادات فقط.
وذكر مصدر بنادي مصر قبل بيع النادي وتحول ملكيته لشركة “زد” العام الماضي ، في تصريح لـ”إيكونومي بلس”، أن الدافع الرئيسي وراء البيع هو تعرض النادي لخسارة تبلغ 32 مليون جنيه، نتيجة لإنفاق 40 مليون جنيه مقابل 8 ملايين جنيه فقط قيمة الإيرادات، في تأكيد واضح أن نشاط كرة القدم استثمار خاسر ماديا.
وعلى مستوى القيمة السوقية للاعبي الدوري المصري التي قدرها موقع ترانسفير ماركت، فقيمة الدوري المصري تبلغ 147.5 مليون يورو (2.75) مليار جنيه، نصيب أندية الشركات والهيئات منه 72 مليون يورو، مقابل 75.5 مليون يورو للأندية الشعبية والجماهيرية منها 45 مليون يورو للأهلي والزمالك فقط.
هذه الأمور لم تقف حائلا أمام استمرار أندية هيئة الشركات والمؤسسات في رغبتها نحو التواجد في الدوري الممتاز، وذلك لسببين الأول منهم أن كرة القدم واجهة دعائية وإعلانية يمكن من خلالها الترويج لمشروعات وأنشطة الشركة واستثماراتها، أما السبب الأخر فهو رغبة ملاك الأندية والشركات في الانتشار والظهور الإعلامي من خلال كرة القدم، بجانب حب بعضهم للعبة وتحولها لديه من مجرد هواية إلى نشاط عملي.
الأمر يختلف لدى الأندية المتخصصة فقط في نشاط كرة القدم، وهي في الوقت حالي فقط ممثلة في بيراميدز الذي يعد الأكثر إنفاقا بين الأندية في مصر، بعد عدم صمود نادي مصر الذي هبط للقسم الثاني، وتم بيعه، ومع عدم وضوح الرؤية بشأن مستقبل بيراميدز فالأرجح أن الهدف هو تنمية العلامة التجارية للنادي المملوك لرجل الأعمال الإماراتي سالم الشامسي في ظل انتشار تقارير عن إمكانية استحواذ مجموعة “سيتي فوتبول جروب” المالكة لأندية مانشستر سيتي الإنجليزي – نيويورك سيتي الأمريكي – مولبورن سيتي الاسترالي – جيرونا الاسباني – أتلتيكو توركوي الأوروجوياني – يوكوهاما مارينوس الياباني – سيتشوان جيونيو الصيني – مومباي سيتي الهندي – لوميل البلجيكي – تروا الفرنسي، على ملكية النادي وضمه لمجموعة أنديتها.
حلول تبحث عن التنفيذ لإنقاذ الكرة المصرية
لا يمكن القول أن أندية الشركات هي خطر على كرة القدم المصرية، فأندية مثل الترسانة وغزل المحلة والمقاولون العرب وإنبي، وحرس الحدود نجحت في تحقيق بطولات وقدمت أساطير ونجوما كبارا كتبوا تاريخا كبيرا مع المنتخبات الوطنية، واستطاعت جذب جماهير لها مثلما حدث مع غزل المحلة، لكن الأمر بحاجة لشيء من الضوابط والتعديل في القوانين يمكن من خلالها ربط الشركات بمناطق جغرافية.
الأندية الأهلية هي الآخرى بحاجة لقوانين ولوائح جديدة تسهم في تنفيذ أفكار غير تقليدية، تستطيع من خلالها توفير موارد وعوائد تستطيع من خلالها مجاراة القوة الاقتصادية لأندية الشركات والهيئات.
مسابقة الدوري نفسها بحاجة لإعادة نظر بالكامل، من حيث نظام المسابقة وانتظام مواعيدها، وكذلك بيع حقوق البث الفضائي بشكل جماعي وتوزيعها بعدالة بين الأندية على شاكلة ما يحدث في الدوريات الكبرى.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا