فى الساعات الأولى من يوم 14 أغسطس 2017، اخترق دوى يصم الآذان جبل شوغرلوف فى ضواحى عاصمة سيراليون، فريتاون.
وبعد أيام من هطول الأمطار الغزيرة انهار التل، وحطمت الصخور الكبيرة المنازل، وابتلعت السيول الطينية أى شيء فى طريقها. وأودى الانهيار الطينى بحياة 1141 شخصا، ليصبح بذلك أسوأ كارثة طبيعية تشهدها البلاد فى التاريخ الحديث.
هذه المأساة الناتجة عن الفيضانات الشديدة التى تفاقمت بسبب إزالة الغابات جعلت رئيسة بلدية فريتاون، إيفون أكى سوير، مصممة على إصلاح السياسات العامة المتعلقة بالتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
بعد ترشحها بنجاح لمنصب رئيس البلدية كمرشحة للمعارضة عام 2018، اقترحت سلسلة من المبادرات، مثل زراعة مليون شجرة فى غضون عامين.
مع ذلك، لم تكن هذه الإجراءات كافية لمنع المأساة من تكرار نفسها، حيث أدى انهيار أرضى جرى فى أغسطس الماضى إلى مصرع ثمانية أشخاص على الأقل فى فريتاون وتشريد المئات.
ومع تضاعف عدد سكان المدينة على مدى الـ20 عاماً الماضية، انتشرت أكثر من 70 مستوطنة عشوائية فى جميع أنحاء المدينة، وتم بناء العديد منها على التلال التى كانت ذات يوم فاتنة، كما أن الأعاصير والفيضانات المتكررة بشكل متزايد تجعل هذه المناطق المعرضة للكوارث خطيرة بشكل خاص.
وأفادت وكالة أنباء «بلومبرج» أن معضلة آكى سوير، هى أحد أعراض المشاكل الأوسع نطاقاً المتعلقة بتعهد الدول الغنية بتقديم تمويلات للمناخ بقيمة 100 مليار دولار فى عام 2009 لمساعدة الدول الفقيرة على التخفيف من حدة تغيرات المناخ والتكيف معه، لكن ليس هناك اتفاق بشأن كيفية إنفاق الأموال.
يعد هدف الـ 100 مليار دولار، معيار رئيسى لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 27» المنعقد حاليا فى مدينة شرم الشيخ..لكن رؤساء البلديات قلقون من أن فجوة التمويل ستكون ضارة بشكل خاص بالمدن، التى تستقبل %70 من اللاجئين فى العالم والنازحين داخليًا والأشخاص عديمى الجنسية، بحسب تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
تأتى هذه المدن فى أسفل الترتيب عند صرف القروض والمنح التى تشكل الجزء الأكبر من تمويل الـ 100 مليار دولار.
يقول مايكل كوهين، أحد المخضرمين بالبنك الدولى، إنه سواء تم تحويل الأموال بشكل ثنائى بين الدول أو من خلال بنوك التنمية متعددة الأطراف، فإن الأموال تتوقف أولاً عند وزارات المالية فى الدول المتلقية للدعم، ثم إلى الوكالات المركزية الأخرى قبل الوصول أخيراً إلى البلديات.
وأفاد كوهين، الذى يشغل الآن منصب مدير السياسة العامة فى جامعة «ذا نيو سكول» بمدينة نيويورك، أن «الحكومات الوطنية لا تعطى المال للبلديات عندما تحتاج إليه».
عندما تتدفق الأموال إلى مستوى المدينة، يكون هناك القليل من المرونة فى كيفية إنفاقها.
نحو %80 من تحويلات الحكومة المركزية إلى المدن هى أموال غير اختيارية، مما يعنى أنها مخصصة لأولويات إنفاق معينة، بحسب تقرير صادر عن المرصد العالمى لتمويل واستثمارات الحكومة دون الوطنية، وهى مبادرة أطلقتها منظمة التعاون الاقتصادى ومجموعة جامعة من المدن المتحدة والحكومات المحلية.
تسعى المدن بشكل متزايد للحصول على تمويل من المانحين من القطاع الخاص، ففى عام 2021، تلقت فريتاون 174 ألف دولار من صندوق المدن العالمية للمهاجرين واللاجئين، وهى مبادرة أطلقت بتمويل من مؤسسة «كونراد إن هيلتون» ومؤسسة «إيكيا» ومؤسسات المجتمع المفتوح ومؤسسة «روبرت بوش ستيفتونج».
كانت رئيسة بلدية فريتاون، أكى سوير، واحدة من بين 15 فائز فى التحدى العالمى لرؤساء البلديات التابع لمؤسسة «بلومبرج للأعمال الخيرية» خلال العام الحالى وذلك نظير كل اقتراح مقدم لمعالجة إزالة الغابات باستخدام التقنيات الرقمية لدعم صيانة الأشجار، علماً بأن الفائزين يحصلون على مليون دولار لتنفيذ المشاريع على مدى ثلاثة أعوام.
قال رئيس قسم الهجرة فى مجلس البلديات،سامر صليبا : «نحن نعمل مع المانحين الدوليين ونحول الأموال مباشرة إلى الحساب المصرفى للمدن، وليس هناك أمراً مؤقت عندما يتعلق الأمر بإبداء الحكومات الوطنية لرأيها فى كيفية إنفاق هذه الأموال».
عندما تحاول المدن الوصول إلى التمويل، فإنها تواجه طبقات من الحواجز النظامية.
على المستوى المحلى، تفتقر حكومات المدن إلى القدرة على إعداد مشاريع جذابة من الناحية المالية للمستثمرين.
أما على الصعيد الوطنى، غالباً ما يقيد الحكومات المركزية قوة الاقتراض للمدن.
وبالنسبة للصعيد الدولى، تتطلب معظم آليات الاستثمار المالى ضمانات سيادية وطنية أو مستويات عالية من الجدارة الائتمانية نادراً ما تمتلكها المدن فى الدول منخفضة الدخل، بما فى ذلك فريتاون.
قال كوهين: «أعتقد أنه ستكون قفزة كبيرة للبنوك متعددة الأطراف للعمل مباشرة مع المدن».
يذكر أن البنك الدولى يقدر أن %4 فقط من أكبر 500 مدينة فى الدول النامية تعتبر ذات جدارة ائتمانية فى الأسواق المالية الدولية.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا