رسم تقرير صادر عن شركة «ديكود» للاستشارات المالية، مستقبل الاقتصاد المصرى ومؤشراته وفق 3 سيناريوهات، وهى السيناريو الأساسى والأقرب للحدوث، وسيناريو يفترض تبنى الحكومة إصلاحات هيكلية، وسيناريو يفترض انتكاس قطاع السياحة وتراجع إيراداته. وتوقعت أن يفقد النمو زخمه تدريجياً، وكذلك سعر الصرف ما لم تنفذ الحكومة إصلاحات أكبر.
لماذا يرتفع الجنيه؟
منذ يناير 2019، شهد الجنيه ارتفاعاً بنسبة %7 مقابل الدولار نتيجة التدفق الكبير من الاقتراض الخارجى، متزامناً مع قرار البنك المركزى المصرى تحجيم تراكم الاحتياطيات الأجنبية، والحفاظ عليها عند 44 مليار دولار.
وكانت هذه خطوة ضرورية لمساعدة بعض بنوك القطاع العام على إغلاق العجز فى صافى مراكزها ودعمها فى ذلك قرار وزارة المالية إصدار سندات أوروبية تعادل نحو 6 مليارات دولار.
وقالت «ديكود»، إنَّ التدفقات النقدية المقدرة بنحو 11.4 دولار، خلال الفترة من يناير إلى مارس، كانت أكثر من كافية لتغطية صافى الاستخدامات للعملات الأجنبية، والاستفادة من فائض السيولة فى تداولات الإنتربنك الدولارى.
وأشار التقرير إلى أن الجنيه يمكن أن يستمر فى الارتفاع حال تخطى التدفقات النقدية التوقعات، عبر ارتفاع معدلات السياحة أو تصدير الغاز، وعلى المدى الطويل فإنَّ تطبيق إصلاح اقتصادى أوسع يحفز الصادرات، ويجذب تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر. لكنه حذر من أن انتهاء برنامج صندوق النقد الدولى سيكون له آثار سلبية، كما أنه من المحتمل أن تؤدى الزيادة فى أسعار الفائدة الأمريكية عام 2020 إلى تباطؤ التدفقات إلى الأسواق الناشئة، بما فى ذلك مصر.
أضاف أن الجنيه قد يتأثر بعمليات جنى الأرباح عبر بيع الأوراق المالية الحكومية من قِبل المستثمرين الأجانب للاستفادة من المكاسب التى تحققت من ارتفاع قيمة العملة.
وذكر أن بدء «المركزى» فى دورة التيسير النقدى سيؤدى إلى انخفاض العائد على الاستثمارات الأجنبية وبالتالى إحجامها عن الاكتتاب.
ماذا عن مستقبل الجنيه؟
قالت «ديكود»، إنَّ مسار سعر الصرف سيخضع لقوى الصعود والهبوط، فالعجز المتوقع فى الحساب الجارى سيحمل البنك المركزى على السماح بتخفيض تدريجى للعملة على المدى المتوسط؛ لتخفيف الضغط عن الاحتياطيات الأجنبية للقطاع المصرفى والحفاظ نسبياً على القدرة التنافسية للصادرات.
من ناحية أخرى، فإن تدفقات السياحة والتحويلات القوية، إلى جانب قدرة البلاد على الاستفادة من الأسواق الدولية، ستمنح البنك المركزى فرصة لتفادى انخفاض كبير، لكن سيكون هذا غير مواتٍ لقطاع التصدير، وقد يؤدى إلى انخفاض حاد فى قيمة العملة فى حالة حدوث صدمة خارجية.
وتوقعت ارتفاعاً طفيفاً فى قيمة الدولار ليصل إلى 17 جنيهاً فى نهاية السنة المالية الحالية، على أن يصل إلى 18.6 جنيهاً مصرياً فى نهاية العام المالى 2021 – 2022.
لكن حال تبنى الحكومة إصلاحات هيكلية أكثر، فإنَّ التدفقات الحالية ورؤوس الأموال الأعلى ستسمحان ببعض الارتفاع فى قيمة العملة، وفى هذا السيناريو سوف يسجل سعر الصرف 16.7 و16.2 جنيه فى الأعوام المالية الثلاثة حتى عام 2021- 22.
هل تستمر الضغوط التضخمية المرتفعة؟
توقع التقرير تراجع التضخم تدريجياً، فى غياب صدمات الأسعار العالمية، بدعم من التوحيد المالى الذى سيحد من نمو السيولة المفرط، والذى كان مصدراً رئيسياً للضغوط التضخمية فى السنوات القليلة الماضية.
وفى الوقت نفسه، فإن تراكم رأس المال وزيادة الاستثمار سيزيدان من القدرة الإنتاجية للبلاد، ويمكن أن يساعدا على تقليل الضغوط التضخمية.
وعلى الجانب السلبى، فإن المزيد من التعديلات فى أسعار الوقود، وتخفيض قيمة العملة المحتمل هى أكثر المخاطر الوشيكة على المدى القصير، بجانب عدم الكفاءة المزمنة فى سلسلة إمدادات الأغذية المحلية، وخاصة فى الفواكه والخضراوات، التى تتزامن مع النمو السكانى السريع، ما قد يؤدى إلى ضغوط الأسعار فى هذا القطاع الذى يشكل جزءاً رئيسياً من سلة المستهلكين.
وتوقع أن يتباطأ معدل التضخم تدريجياً فى إطار السيناريو الأساسى ليصل إلى %9.4 بحلول السنة المالية 2020 – 21.
على الرغم من النمو المرتفع بشكل كبير، فإنَّ التضخم فى ظل هذا السيناريو يزداد بشكل معتدل فقط؛ بسبب ارتفاع قيمة العملة والاستثمار المفترض الذى سيساعد على زيادة القدرة الإنتاجية للاقتصاد.
ويمكن زيادة تعزيز ذلك إذا كانت هذه الاستثمارات موجهة نحو رفع وتوسيع قدرة سلسلة الإمداد الغذائى المحلية.
بموجب هذا السيناريو، توقع التقرير، أن يسجل التضخم 12.8% و11.1% و10.0% على التوالى، فى السنوات المالية الثلاث حتى السنة المالية 2021- 22.
لكنه ذكر أنه حال تأثرت معدلات وفود السياح سيؤثر ذلك على تخفيض قيمة العملة ويرفع الأسعار.
ومع ذلك، من المتوقع أن يؤدى التباطؤ فى النشاط الاقتصادى إلى تخفيف التضخم فى جانب الطلب.
وتوقع أن يسجل التضخم بموجب هذا السيناريو %12.7 و%10.4 و%9.5، على التوالى، فى السنوات المالية الثلاث حتى السنة المالية 2021- 22.
هل سيبقى النمو على زخمه؟
توقعت «ديكود»، أن يتوقف انتعاش صادرات السياحة والغاز، على أن يتباطؤ نمو الصادرات السلعية تدريجياً مع تآكل المكاسب التنافسية الناتجة عن تخفيض قيمة العملة، ومع غياب الإصلاحات الرئيسية التى تعزز قطاع التصدير وتحسن الإنتاجية، سيكون الدافع وراء الاستثمارات هو المشروعات الضخمة العامة، فى حين أن استثمارات القطاع الخاص لن تنمو إلا بشكل معتدل؛ بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وضعف أداء الاستثمار الأجنبى المباشر.
سيظل الاستهلاك ضعيفاً على المدى القصير؛ بسبب الزيادات المتوقعة فى الأسعار على خلفية إصلاحات الطاقة، لكنه سيتعافى تدريجياً، شريطة عدم حدوث صدمات أخرى فى أسعار السلع الأساسية، ما يؤثر سلباً على النمو.
وتوقعت أن يسجل معدل نمو %5.21، و%4.56، و%4.47، و%4.58 على الترتيب، خلال العام المالى الحالى والأعوام المالية حتى 2021- 2022، لكن وفقاً لسيناريو الإصلاح على نطاق أوسع الذى يفترض إصلاحات هيكلية لا سيما لبيئة الأعمال، ما سيساعد على حشد الاستثمارات الخاصة، وقطاع التصدير، وستنمو الواردات بوتيرة أقوى من السيناريو الأساسى، ولكن مساهمة الصادرات الصافية ستكون أعلى وسيكون النمو فى أعلى مستوياته بين السيناريوهات الثلاثة، مسجلاً %5.6 و%6.2 و%6.6 على التوالى، خلال السنوات الثلاث القادمة حتى السنة المالية 2021- 22.
وفى سيناريو انتكاس قطاع السياحة، سيؤدى ذلك إلى تباطؤ نمو إيرادات السياحة من معدل نمو سنوى متوسط قدره %5.6 فى السنوات المالية الثلاث المقبلة فى إطار سيناريو خط الأساس، إلى انكماش سنوى قدره %7.6 فى المتوسط خلال الفترة نفسها.
أضاف أن ذلك سيؤدى إلى انكماش %2.6 فى الصادرات، خلال السنوات المالية الثلاث القادمة، وسينعكس هذا أيضاً على تباطؤ نمو الاستهلاك الخاص والذى من المحتمل أن يتباطأ إلى %2.62 فى المتوسط فى السنوات المالية الثلاث المقبلة، مقارنةً بنسبة %2.98 فى السيناريو الأساسى.
بشكل عام، سوف يتباطأ النمو ليسجل %2.71، و%3.48 و%3.52، على التوالى خلال السنوات المالية الثلاث القادمة تحت هذا السيناريو.
هل سيستمر الدين الخارجى فى النمو؟
وفقاً للسيناريو الأساسى، من المرجح أن تتباطأ وتيرة زيادة الدين على خلفية تحجيم العجز المالى، والانتعاش فى السياحة، ومرونة تحويلات المصريين بالخارج والزيادة التدريجية فى صادرات الغاز الطبيعى. ومع ذلك، فإنَّ الاستثمارات العامة فى البنية التحتية من المرجح أن يضغط على الواردات على المدى القصير، ما يؤدى إلى زيادة احتياجات التمويل الخارجى.
وتوقع انخفاض نسبة الدين الخارجى إلى الناتج المحلى الإجمالى بشكل مطرد، لتصل إلى %26.8 من الناتج المحلى الإجمالى بحلول السنة المالية 2021 – 22؛ بسبب النمو السريع فى الناتج المحلى الإجمالى ومحدودية توفر التمويل الأجنبى بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولى واللجوء إلى صافى الاحتياطيات الدولية، والتى من المتوقع أن تصل إلى 40.7 مليار دولار حينها.
لكن حال تبنت الحكومة إصلاحات هيكلية أوسع فإنَّ نموذج النمو الأكثر تنوعاً، والذى تلعب فيه الصادرات والاستثمار الأجنبى المباشر دوراً أكبر، سيؤدى إلى تباطؤ وتيرة ارتفاع الديون.
أضاف التقرير: «نفترض أن الإصلاح واسع النطاق سيؤدى إلى زيادة الطلب على الصادرات، وإعادة تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر، ما سيساعد بدوره على خفض صافى احتياجات التمويل الخارجى».
وتوقع أن يصل الدين الخارجى إلى %25.3 من إجمالى الناتج المحلى بنهاية السنة المالية 2021-22. وذكر أنه حال انكمشت إيرادات السياحة 7% فى المتوسط سنوياً، خلال السنوات المالية الثلاثة المقبلة، سترتفع الفجوة التمويلية بنحو 19.4 مليار دولار سيؤدى ذلك إلى خفض قيمة الجنيه بنحو %34 خلال السنوات الثلاث، ما سيزيد من كبح الطلب المحلى، ويساعد على زيادة صادرات السلع.
وقال التقرير، إنه بالنظر إلى قدرة الحكومة المحدودة على إصدار الديون الخارجية أعلى من تلك المفترضة فى السيناريو الأساسى بعد انتهاء برنامج صندوق النقد، فستؤدى الفجوة التمويلية الأعلى إلى انخفاض صافى الاحتياطيات الدولية، لتصل إلى 33.4 مليار دولار فى السنة المالية 2021- 22.
هل سيحافظ التوحيد المالى على الزخم بعد انتهاء برنامج صندوق النقد الدولى؟
توقع التقرير تراجع العجز المالى بحلول العام المالى 2022 إلى ثلث مستوياته قبل البرنامج عند %5.2 من الناتج المحلى الإجمالى.
وقال إن هناك عدداً من المتغيرات التى تؤثر فى معدلات التوحيد المالى؛ أبرزها الإصلاحات الهيكلية، وتيسير السياسة النقدية، وارتفاع كفاءة إدارة الضرائب.
وقال إن زيادة رواتب الموظفين لن تؤثر فى وتيرة التوحيد المالى بعد إلقاء نظرة على أرقام الموازنة، فإنَّ تكلفة الفاتورة البالغة 30 مليار جنيه، تعادل الزيادة المتوقعة فى فاتورة الأجور المدنية فى السنة المالية الحالية.
لذلك، فإن الزيادة تعادل فعلياً الزيادة فى العام الماضى بالقيمة الاسمية، من منظور القوة الشرائية، بالنظر إلى ارتفاع مستويات الأسعار، فإن الزيادة المعلنة فى الواقع تجعل رواتب الحكومة أقل من العام الماضى.
من منظور التوحيد المالى، من المتوقع أن تنخفض فاتورة الأجور من %5.1 من الناتج المحلى الإجمالى المتوقع فى السنة المالية الحالية إلى %4.9 خلال العام المالى المقبل.
وقال التقرير، إنَّ رفع الحد الأدنى للأجور غير مكلف على الحكومة؛ بسبب الارتفاع فى الأجور المدنية منذ تحديد الحد الأدنى للأجور عند 1200 جنيه فى عام 2014، فخلال الفترة بين السنة المالية 2012 – 2013 والعام المالى 2018 – 19 سجل إجمالى فاتورة الأجور نمواً بنسبة %89 هذا يشير إلى أن الحد الأدنى الفعلى للأجور قبل الارتفاع الأخير كان قريباً جداً من ألفى جنيه مصرى المعلنة، وأنه سينطبق على عدد محدود نسبياً من الموظفين الجدد.
هل مصر بحاجة إلى برنامج آخر لصندوق النقد الدولى؟
قال التقرير، إنَّ مصر يمكنها أن تلجأ إلى أنواع أخرى من ترتيبات صندوق النقد الدولى مثل خط الائتمان المرن (FCL)، المصمم للمساعدة فى منع الأزمات أو تخفيفها وتعزيز ثقة السوق خلال فترات المخاطر المتزايدة للأعضاء الذين لديهم سياسات قوية بالفعل.
بموجب هذا البرنامج، لا تحتاج البلدان بالضرورة إلى سحب حد الائتمان المخصص، إن لم يكن تواجه صدمات خارجية.
واعتباراً من فبراير 2019، استخدمت ثلاث دول، هى كولومبيا والمكسيك وبولندا، خط الائتمان المرن (FCL)، فى حين أن أياً من الدول الثلاث لم تسحب حتى الآن أى مديونية على هذه الخطوط.
وقال إن توسيع نطاق التعاون مع صندوق النقد الدولى بموجب هذه الاتفاقية يمكن أن يعزز مصداقية السياسة الحكومية، ويوفر المزيد من المساعدة المالية، إذا لزم الأمر، ومع ذلك، فإنه لا يضمن استدامة الأداء الاقتصادى على المدى الطويل.
أضاف أن تعميق وتوسيع برنامج الإصلاح، وتجاوز الإصلاحات المالية والنقدية ومعالجة العوامل الهيكلية التى تعيق الصادرات أمر ضرورى للحفاظ على النمو الاقتصادى وتعزيز الرفاهية، ويجب أن يكون هذا هو جوهر أى مساعدة محتملة من الصندوق.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا