انتهت على الأرجح، التوقعات المذهلة بتعافى على شكل حرف «V» فى الاقتصاد العالمى، وحلت محلها توقعات بنمو أكثر طبيعية، وارتفع الناتج العالمى بنسبة سنوية %34 فى الربع الثالث، مقارنة بالربع الثانى، وفقاً لبنك «جى بى مورجان».
وما يلفت النظر، أن مدى الضرر الاقتصادى الناتج عن وباء فيروس كورونا سيترك الناتج أقل بحوالى %4 فقط دون مستواه قبل الفيروس فى الربع الرابع من 2019.
وسيعتمد التحول المقبل الكبير فى الاقتصاد العالمى، على الأرجح، على كيفية استجابة القطاعات الصناعية وغير الصناعية – التى عادة ما توصف بالبضائع والخدمات على التوالى – للصدمات الاقتصادية الناتجة عن الفيروس وأيضاً على احتمالية التوصل إلى لقاح.
ولم تكن ثمة فجوة فى الأداء النسبى للقطاعين حتى الربع الثالث، وانخفض ناتج البضائع أكثر من الخدمات فى الربع الثانى، ثم انتعش أسرع فى الربع الثالث.
ومع ذلك، أصبح من الواضح أن مسار هذين القطاعين مختلفاً تماماً فى المستقبل القريب، ويتوقع بنك «جى بى مورجان» أن يرتفع مستوى ناتج البضائع العالمى بنسبة %4 أخرى فى الربع الرابع، فى حين سينمو ناتج الخدمات بنسبة %1 فقط.
والارتفاع المتواصل فى ناتج قطاع البضائع هو طبيعى إلى حد ما، فى هذه المرحلة من التعافى الدورى.
فالنمو فى المخزونات والطلب على البضائع الاستثمارية المستخدمة فى الإنتاج، وزيادة مبيعات السلع الاستهلاكية المعمرة، يرتفع خلال هذه المرحلة، وهذا ما يحدث الآن بالتأكيد.
ومع ذلك، وفى هذه الحالة، اكتسب الناتج الصناعى زخماً من الإزالة شبه الكاملة للقيود المفروضة على نشاط المصانع جراء الوباء، وعلاوة على ذلك، على الأرجح يستفيد الطلب على البضائع من التحول فى الإنفاق الاستهلاكى.
وتفضل بعض الأسر، اختيار تجنب بعض الخدمات مثل الضيافة والسفر، والبعض الآخر ممنوع من القيام بذلك، بسبب تجديد عمليات الإغلاق.
وكانت مدخرات الأسر مرتفعة للغاية بسبب الدعم الحكومى، وهناك علامات على أن المدخرات الفائضة يتم إنفاقها الآن على البقالة والبضائع المنزلية والسلع الاستهلاكية المعمرة والسيارات.
وفى الأسابيع الماضية، قاد الارتفاع المقلق فى أعداد الإصابة بفيروس «كوفيد 19»، إلى تجديد عمليات الإغلاق خصوصاً فى أوروبا، وأظهرت استطلاعات الشركات فى منطقة اليورو أن التعافى المشهود فى النشاط الاقتصادى فى الخدمات الاستهلاكية، تحرك فى الاتجاه المعاكس.
وعلى النقيض تظهر استطلاعات الشركات الصناعية فى منطقة اليورو، أن النشاط فى أعلى مستوياته خلال التعافى المشهود مؤخراً، وهذه الفجوة المتزايدة بين نشاط البضائع والخدمات، لم تظهر بالكامل فى استطلاعات الأعمال بالولايات المتحدة.
وتزداد حالات الإصابة هناك مجدداً، حتى فى مناطق منها نيويورك، ونيو جيرسى، واللتان تأثرتا بحدة من الموجة الأولى فى الربيع، ويُرجح إعادة فرض الإغلاقات أو القيود الأخرى على الخدمات الاستهلاكية الشتاء المقبل.
وهذه المشكلات المتجددة نتيجة الفيروس فى العالم الغربى المتقدم تختلف تماماً عن الموقف فى اقتصادات آسيا الصناعية خصوصاً الصين، حيث تعزز النشاط الصناعى الآسيوى نتيجة ارتفاع الطلب العالمى على البضائع، فى حين استفادت القطاعات الخدمية من السيطرة المبهرة على الفيروس.
وكان المستثمرون الذين يركزون على أسس الاقتصاد الكلى، يراقبون هذا الانقسام بين الأداء العالمى للبضائع والخدمات، لأن هذا الأمر أصبح ينعكس كذلك فى سلوك الأسواق المالية.
ففى موجة البيع المبدئية فى أسواق الأسهم العالمية اعتباراً من 2 سبتمبر، كان أداء القطاعات المرتبطة بالبضائع مثل الشركات الصناعية والتعدين جيداً نسبياً. وكانت أسعار السلع غير البترولية ترتفع لشهور عدة، فى الوقت الذى ارتفعت فيه العملات الآسيوية، بما فى ذلك الرنيمبى، بحدة أمام الدولار واليورو.
والآن.. ماذا بشأن التضخم العالمى؟
فى أغلب البيانات الحديثة، كان التضخم الأساسى فى قطاع البضائع عند %3.7 على أساس سنوى كل 3 أشهر، وفقاً لـ»جى بى مورجان»، مقابل %0.5 فقط فى قطاع الخدمات، وهو ما يناقض تماماً المعتاد فى السنوات الماضية، عندما كان التضخم العالمى فى البضائع بشكل عام دون مستوى التضخم فى الخدمات.
ويتوقع معظم الاقتصاديين، أن تكون هذه التحولات مؤقتة، وأن تختلف بمجرد التوصل لبرنامج تطعميات جماعى، ولكن هذا قد يبعد شهوراً عديدة من الآن على أفضل تقدير.
وإذا ظل الطلب على البضائع قويا فى العام المقبل، كما هو مرجح على ما يبدو – فإن أسواق السندات والبنوك المركزية قد تتفاجأ بمزيد من الارتفاع فى تضخم البضائع العالمى قبل انتهاء هذه الفترة من الدورة الاقتصادية.
بقلم: جافين ديفيس
رئيس مجلس إدارة شركة “فولكروك” لإدارة الأصول
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا