رغم أن الاقتصاد القديم لا يمثل سوى حوالى %35 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، فقد ولّد خسائر للشركات ضعف المعتاد، وكان لديه حوالى %90 من الديون غير المالية وتسبب فى %80 من الانبعاثات.
يولد التأثير المستمر للصدمات الصغيرة والمتكررة على نظام مضغوط بالفعل، الظاهرة الناشئة التى تؤدى فيها الصدمات العابرة إلى تضخم مادى مستمر، وهو ما نشهد بدايته اليوم.
من المغرى إلقاء اللوم فيما يتعلق بالنقص الحالى فى «الاقتصاد القديم» فى كل شيء من الطاقة إلى المواد الأساسية الأخرى وحتى المنتجات الزراعية على سلسلة من الاضطرابات المؤقتة التى يقودها إلى حد كبير وباء كوفيد 19، لكن بعيدا عن بعض مشكلات سوق العمل، فإن هذه العقبات لا علاقة لها بـ«كوفيد 19».
وبدلا من ذلك، يمكن إرجاع جذور أزمة السلع التى نشهدها اليوم إلى تداعيات الأزمة المالية والعقد التالى من تراجع العائدات ونقص الاستثمار المزمن فى الاقتصاد القديم، وكما تقادمت البنية التحتية وتراجع الاستثمار، تضاءلت أيضا قدرة الاقتصاد القديم على توريد وتسليم السلع التى تدعم العديد من السلع مكتملة الصنع، وبعد سنوات من الإهمال، أصبحت أسعار الغاز المرتفعة اليوم، ونقص إمدادات النحاس، ومعاناة الصين مع توليد الكهرباء بمثابة «انتقام الاقتصاد القديم».
فى الركود الاقتصادى الذى أعقب عام 2008، ركز صناع السياسات جهود التعافى فى برامج التيسير الكمى الخاصة بالبنوك المركزية لدعم الأسواق، وواجهت الأسر ذات الدخل المنخفض تباطؤا فى نمو الأجور الحقيقية، وانعدام الأمن الاقتصادى، وتشديد القيود الائتمانية والأصول التى لا يمكن تحملها بشكل متزايد، ومن ناحية أخرى، استفادت الأسر ذات الدخل المرتفع من ارتفاع قيم الأصول المالية الناجم عن التيسير الكمى، هذا التفاوت فى النتائج أثر بشدة على الاقتصاد القديم.
فى الاقتصاد القديم، ينتج ارتفاع الأسعار عندما يتجاوز حجم الطلب حجم العرض، قد تتحكم الأسر ذات الدخل المرتفع فى الإنفاق، لكن الأسر ذات الدخل المنخفض تتحكم فى حجم الطلب على السلع الأساسية، نظرا لعددهم الأكبر وميلهم لاستهلاك السلع المادية مقارنة بالخدمات.
مع تضاؤل حجم الطلب على السلع، تضاءلت عوائد قطاعات الاقتصاد القديم، وأدى انخفاض العائدات إلى إنفاق رأسمال اقتصادى أقل فى دورة طويلة، والتى تتطلب تقليديا أفقا من 5 إلى 10 سنوات من الطلب الكافى – لصالح «اقتصاد جديد» قصير الدورة فى الاستثمار فى مجالات مثل التكنولوجيا.
بحلول عام 2013، عاد الضعف إلى الصين، ومع تباطؤ محرك التصنيع فى العالم وبدأت السلع فى الانزلاق التاريخى، تكثف هروب رأس المال من الاقتصاد القديم.
فى الواقع، كان الاقتصاد القديم مثقلا بالديون وملوثًا بشكل مفرط، ورغم أن الاقتصاد القديم لا يمثل سوى حوالى %35 من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، فقد ولّد خسائر للشركات ضعف المعتاد، وكان لديه حوالى %90 من الديون غير المالية وتسبب فى %80 من الانبعاثات.
ولا عجب لما فضل المستثمرون شركات التكنولوجيا الكبيرة على البترول والنحاس، وبعد انهيار أسعار البترول فى عام 2015، سئمت الأسواق من تدمير الثروة، وهو ما أدى تقريبا إلى وقف تدفق الصفقات عبر الاقتصاد القديم، وتوقفت الصين بقوة عن دعم الشركات الخاسرة مثل مناجم الفحم، وبما أن تغير المناخ أصبح على رأس أولوياتنا، فقد أعطى المستثمرون وزناً أكبر للقضايا البيئية والاجتماعية وقضايا الحوكمة، ما زاد من تقييد رأس المال.
أدى الانخفاض الناتج فى الاستثمار إلى الحيلولة دون نمو القدرة الإنتاجية للسلع، وكان هذا هو الحال بشكل خاص فى الهيدروكربونات،إذ أدى إحجام المستثمرين لأسباب تتعلق بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية إلى تفاقم مشكلة نقص الاستثمار المتزايدة بالفعل.
وازدادت قيود العرض شدة مع انتقال الدول إلى وضع التعافى من الوباء، ما كشف مدى الضغوط على الاقتصاد القديم، كما كان للوباء تأثير آخر، حيث وضع الاحتياجات الاجتماعية فى صميم أجندات صانعى السياسات، وقد أدى هذا النمو الشامل إلى زيادة الطلب على السلع المادية.
والآن تخلق الصدمات التى يتعرض لها جزء واحد من النظام تأثيرات مضاعفة فى أماكن أخرى، وأثر انخفاض إنتاج الفحم فى الصين على قدرة صهر الألمنيوم، مما أدى إلى نقص فى الألمنيوم، وأدى انخفاض توافر الغاز إلى استبدال الغاز بالبترول، مما أدى إلى نقص البترول.
ويولد التأثير المستمر للصدمات الصغيرة والمتكررة على نظام مضغوط بالفعل، الظاهرة الناشئة التى تؤدى فيها الصدمات العابرة إلى تضخم مادى مستمر، وهو ما نشهد بدايته اليوم، وهذا هو المجال الذى سيترك فيه انتقام الاقتصاد القديم بصمته.
ستتكرر فترات ضغوط أسعار السلع الأساسية، إذ يقابل الطلب الكبير بنية تحتية غير كافية، ولكى تتحقق أهداف صانعى السياسات المتمثلة فى الازدهار الشامل والبناء الهائل للبنية التحتية الخضراء، فستحتاج أسعار السلع الأساسية إلى الارتفاع بحدة لتوفير الحافز للاستثمار.
وهذا ضرورى للتعويض عن المخاطر المتزايدة التى تنطوى عليها المشاريع التى تتطلب إنفاق رأسمالى طويل الأمد والتعقيدات المحيطة بالانتقال للطاقة الخضراء، كما جادلنا قبل عام، تلوح فى أفقنا دورة سلع فائقة جديدة.
بقلم: جيف كيرى
مدير أبحاث السلع العالمية فى «غولدمان ساكس».
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا