فى أسواق البترول، يتمتع الاحتياطى البترولى الاستراتيجى الأمريكى بسمعة تشبه إلى حد ما تلك التى اعتادت القوات المسلحة الروسية امتلاكها، منافس ضخم ومخيف، ومن غير الحكمة التشابك معه.
تعرضت الهالة العسكرية الروسية التى لا تقهر لضربة شبه قاتلة، خلال الشهر الماضى فى الحقول الموحلة فى أوكرانيا، ويجب على حكومة بايدن أن تنتبه: قد ينهار سلاح الطاقة المهيب فى أمريكا أيضاً.
قال أشخاص مطلعون على الأمر لوكالة «بلومبرج»، إنَّ البيت الأبيض يدرس خطة لتحرير حوالى مليون برميل يومياً من البترول الخام من الاحتياطيات الأمريكية لعدة أشهر لكبح ارتفاع أسعار البنزين، وقالوا إنَّ ذلك قد يصل إلى 180 مليون برميل فى المجموع. وهذا رقم غير عادى، ويعادل مليون برميل يومياً حوالى %1 من الطلب العالمى الحالى على البترول، وهو ما يكفى لتلبية معظم الاستهلاك من اقتصاد ذى حجم معقول مثل أستراليا وإيطاليا وإسبانيا وتايوان، ومثل هذا التحرير الهائل – الذى يُحتمل أن يكون ستة أضعاف أكبر عملية بيع صريحة سابقة من احتياطى البترول الاستراتيجى، اعتماداً على هيكلها – سيكون مثل الضغط على الزر النووى فى أسواق البترول.
ماذا إذا ضغطت أمريكا على الزر النووى ولم يحدث شىء؟
هذا هو دائماً الخطر عند الإفراج عن احتياطى البترول الاستراتيجى، وللتدخلات سجل متقطع النجاح: من الشائع أن تتبعها زيادات فى الأسعار بقدر الانخفاضات، وحتى قبل دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا فى أواخر فبراير، ارتفع خام غرب تكساس الوسيط بنسبة %18 منذ 23 نوفمبر، عندما تم إطلاق 50 مليون برميل لتهدئة أسواق البترول، وتراجعت الأسعار بنسبة %6.3 يوم الخميس إلى 101 دولار للبرميل، ولكن فقط إلى المستويات التى كان من الممكن أن تكون أعلى مستوى فى ثمانى سنوات قبل مارس.
وينبغى ألا يكون هذا مفاجئاً، احتياطى البترول الاستراتيجى ليس منتجاً للنفط ولكنه يمثل كومة كبيرة بشكل غير عادى من المخزون، وفى أسواق السلع، يكون تقلص المخزون دائماً تقريباً صعودياً للأسعار، ومن شأن بيع 180 مليون برميل من الاحتياطى الحالى أن يخفض المخزون إلى 388 مليون برميل فقط، وهو أدنى مستوياته منذ عام 1984 وبالكاد يزيد على نصفها بالكامل، وستؤدى مبيعات الاحتياطيات التى أقرها الكونجرس بالفعل إلى تقليص احتياطى البترول الاستراتيجى بمقدار مماثل خلال السنوات الخمس المقبلة، ومع إطلاق كومة تلو الأخرى، سيبدأ الصدأ يظهر على سلاح البترول الأمريكى.
ولهذا السبب، من المرجح أن يأتى أى إصدار فى شكل تبادل مثل تدخل نوفمبر، بدلاً من البيع المباشر، وبموجب هذا الإعداد، سيتعين على المصافى الالتزام باستبدال البراميل التى تتلقاها فى السنوات المقبلة، بالإضافة إلى الخام الإضافى، ومع ذلك، فإنَّ مثل هذه التبادلات لها سجل مبيعات أسوأ؛ لأنها على المدى الطويل تسحب البترول الخام من السوق أكثر مما تضيف إليه، وتسبب أحد هذه البرامج لتعزيز إمدادات زيت التدفئة فى فترة الولاية الأولى لحكومة جورج دبليو بوش فى نهاية المطاف فى رفع سعر البترول الخام بحوالى %8.5، وفقاً لدراسة أجراها الاحتياطى الفيدرالى فى دالاس عام 2019.
المشكلة الأعمق لواشنطن هى أن الاحتياطيات البترولية الاستراتيجية ليست اللاعب الوحيد فى هذه الدراما، أو حتى أقوى واحد، وفى الولايات المتحدة وحدها، هناك نصف دزينة من منتجى البترول ينتجون ما يقرب من مليون برميل يومياً، وتتوقع إدارة معلومات الطاقة زيادة الإنتاج من حقول البترول الأمريكية لإضافة 400 ألف برميل يومياً العام الجارى ومليون برميل العام المقبل – ولكن إذا كان منتجو البترول الصخرى الحساسون للسعر يتعاملون مع المنافسة من مبيعات الاحتياطى الحكومى، فيمكنك توقع مراجعة هذه الأرقام مرة أخرى هبوطياً، مع خفض هؤلاء للإنتاج، وفى الوقت نفسه، تعمل الهيئات التشريعية فى أمريكا على تأجيج الطلب الجديد على البترول الخام من خلال التخفيضات الموعودة لضرائب الدولة على البنزين، وهى خطوة تخاطر بتقليص التأثير على الأسعار فى حال أى زيادة فى المعروض.
السؤال الأكبر هو كيف سوف يستجيب اللاعبون فى الخارج، ومن المحتمل أن تجد كمية كبيرة من أى إصدار من احتياطى البترول الاستراتيجى طريقها إلى الأسواق العالمية، رغم أن الكمية الكاملة قد تواجه صعوبة فى اجتياز خط الأنابيب والمصافى واختناقات الموانئ على طول ساحل الخليج الأمريكى.
وإذا كان لهذه الخطوة تأثيرها المرغوب فى خفض تكاليف البترول الخام، فلن يحظى ذلك بشعبية لدى أعضاء أوبك +، الذين تمتعوا بتأثير ارتفاع الأسعار على خزائن الحكومة المستنفدة، وكانت الزيادات التدريجية للكارتل فى الإنتاج من أدنى مستوياتها الوبائية تتراجع بالفعل عن المستويات المستهدفة العام الماضى، وفى الواقع، لم يكن النقص أقل بكثير من المليون برميل يومياً التى تم سحبها من احتياطى البترول الاستراتيجى.
وقد تفاقم هذا العجز منذ أن غزت روسيا أوكرانيا ما وضع 4.5 مليون برميل يومياً من صادراتها تحت رحمة تنفيذ فوضوى للعقوبات، لكن وزراء أوبك أبدوا القليل من الاهتمام بمساعدة واشنطن وإلحاق الضرر بموسكو من خلال رفع وتيرة نمو الإنتاج، ويمكن أن يكون إنتاج أوبك + نظرياً أعلى من المستويات الحالية بنحو 3 ملايين برميل يومياً بحلول أكتوبر، عندما ينتهى البرنامج الحالى لكن لا يوجد ما يمنع المجموعة من تقليص هذا الرقم بشكل أكبر رداً على مثل هذا التدخل غير المسبوق من قبل واشنطن.
وإذا قررت أوبك تحدى الرئيس جو بايدن، فإن هيمنة واشنطن على أسواق الطاقة قد تكون فى خطر بطريقة غير مشهودة منذ السبعينيات، وعند توجيه سلاح الاحتياطى الخاص بها وهو عند مستويات نصف ممتلئة، فإنها تخاطر بأن تبدو كإمبراطور عارٍ.
بقلم: ديفيد فيكلينج
كاتب مقالات رأى فى «بلومبرج» يغطى السلع والشركات الصناعية والاستهلاكية
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا