المعدن النفيس يواجه احتمالات حرب موسعة فى الشرق الأوسط
أمريكا تحمى عملتها بالسلاح.. والمنافسون يدعمون رصيد المعدن الأصفر
تركيا تسحب مخزونها بالاحتياطى الفيدرالى مع تصاعد الخلافات السياسية
تفوق الذهب خلال السنوات العشر الماضية، على جميع فئات الأصول الرئيسية الأخرى بما فيها السندات الأمريكية والأسهم العالمية باستثناء أسواق المال فى الولايات المتحدة بمتوسط عائدات سنوية %6.
لكن خلال العشرين سنة الماضية تخطى الذهب جميع فئات الأصول بما فى ذلك الأسهم الأمريكية بما يقرب من %9 سنوياً، كما نجا من أزمات العشر أو العشرين سنة الأخيرة إثر انفجار الفقاعة التكنولوجية فى 2001 والأزمة المالية فى 2008.
لكن إعلان رجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس أن استثماراته فى مناجم الذهب باتت تمثل %50 من ثروته لم يكن بالتأكيد بحثاً عن استثمار يقطع 20 عاماً حاملاً فوق ظهره حوالى 6 أطنان من الذهب ليحقق عائداً بنسبة %9.
وتشير التقارير إلى أن المستثمرين يلجأون إلى مناجم الذهب فى حال شعورهم بالخطر وقد وصل دبيب طبول حرب عالمية محتملة ساحتها الشرق الأوسط وفى القلب منها حرب عملات يشتد سعيرها إلى آذانهم بالفعل.
ليس سراً أن الولايات المتحدة تدافع عن الدولار أهم أدوات همينتها الاقتصادية ولو بقوة السلاح، وهى تشعر بالتهديد الآن من إيران أكبر مصدر للبترول يبيع الخام باليورو وعملات أخرى، كما أن الصين أصدرت عقود بترول آجلة مقومة باليوان ووقعت اتفاقات تبادل عملات مع عدد من الدول فى مقدمتها روسيا، ومؤخراً نادت تركيا بالاعتماد على الذهب أكثر فى التعاملات الدولية للتقليل من ضغوط أسعار الصرف، خاصة للورقة الخضراء الأمريكية.
وتم تداول سعر الذهب عند أدنى مستوى له فى ديسمبر 2015 مسجلاً 1046.20 دولار للأوقية ومنذ ذلك الحين حقق المعدن الأصفر أدنى مستوياته، لكن صدمة التصويت بنعم فى استفتاء الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى فى يوليو 2016 أرسلت الذهب إلى أعلى سعر له منذ 2014 عند 1377.50 دولار للأوقية.
فى الآونة الأخيرة، كان هذا المعدن النفيس يتحرك حول هذه المستويات المرتفعة وقد وجد قاعدة حول مستوى 1300 دولار.
ويرتدى الذهب العديد من القبعات فهو معدن وسلعة والعملة العالمية الأطول عمراً، وقبل أن يصبح الدولار أو اليورو أو الين أو اليوان أو أى أدوات صرف أجنبية أخرى لها صفة قانونية بوقت طويل كان الذهب وسيلة للتداول.
كل أوقية من الذهب تم إنتاجها فى تاريخ العالم لاتزال موجودة فى خزائن فوق الأرض أو فى الحيازات الفردية وتدوم ملكية الذهب مدى الحياة، فى حين يستمر وجود المعدن لفترة طويلة بعد أن ينتقل البشر إلى الحياة البرزخية.
لقد قطع المعدن الأصفر شوطاً طويلاً من بداية القرن عندما كان السعر أقل من 300 دولار للأوقية ولم يتداول الذهب ما دون 1000 دولار منذ عام 2009، وقد تجاوز 680 دولاراً للأوقية لأكثر من عقد من الزمن وفى هذه الأيام، يمكن للعديد من العوامل الصعودية دفع سعر المعدن النفيس مرة أخرى فوق مستوى 1400 دولار.
وتحتشد عوامل توترات سياسية وتجارية لتهدد الدولار، خاصة التعريفات الجمركية فواحدة من أهم القضايا التى تواجه الأسواق خلال الأسابيع الأخيرة كانت السياسات الحمائية التى أعلنتها إدارة ترامب بالإضافة إلى إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى.
وخلال الحملة الانتخابية، تعهد الرئيس بتسوية الملعب عندما يتعلق الأمر بالتجارة الخارجية وألقى باللوم على الإدارات السابقة فى الصفقات التجارية متعددة الأطراف التى وضعت العمال والمنتجات الأمريكية فى الخلف عندما يتعلق الأمر بالتجارة الدولية ووعد بإعادة التفاوض على اتفاقات أفضل للمصالح الأمريكية.
فى مارس قامت إدارة البيت الأبيض بتطبيق %10 و%25 من الرسوم الجمركية الخاصة بالألومنيوم والصلب وأعلنت إجراءات حمائية تستهدف الصين بقيمة 60 مليار دولار.
عندما هدد الصينيون بالرد، صعد ترامب الموقف قائلاً إنه سيضيف 100 مليار دولار على الرسوم الجمركية على أكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان، وبعد أن بلغ الخطاب التجارى موجة جنون، ألقى الرئيس الصينى شى خطاباً تصالحيا فى بكين ورفع غصن الزيتون وهو ما قبله الزعيم الأمريكى مؤقتاً.
وفى أنقرة كشفت تركيا الشهر الماضى أنها خلال عام 2017 سحبت 26.8 طن من الذهب الذى خزنته فى خزائن بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى فى نيويورك ونقلت هذا الذهب إلى بنك إنجلترا وبنك التسويات الدولية.
وقام البنك المركزى التركى بزيادة أصوله من الذهب بمقدار 83.3 طن خلال عام 2017، حيث اشترى 37.7 طن منها من سوق اسطنبول للأوراق المالية وتداول المعادن الثمينة.
وبحسب تقارير محلية، فإن انقرة سحبت جميعاً مخزونها البالغ نحو 220 طناً من الذهب فى نيويورك فيما يشبه عملية إعادة ضبط كاملة لإدارة أصولها فى إطار معالجتها لأزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة قد تكون مرتبطة بالعمليات العسكرية فى سوريا.
ويبدو أن سحب الذهب التركى كان فى شكل مقايضة بين بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك وبنك التسوية الدولى وبنك إنجلترا لأن رصيد الأصول لم يتغير فى نيويورك على الإطلاق خلال عام 2018.
ليس لدى بنك التسويات الدولية مرافق تخزين ذهبية خاصة به، ولكن بدلاً من ذلك يستخدم مرافق التخزين لبنك إنجلترا فى لندن، والبنك الوطنى السويسرى فى برن، وهما مرفقين يستخدمهما أيضاً بنك الاحتياطى الفيدرالى فى نيويورك بجانب خزائنه الخاصة.
وبلغت احتياطيات الذهب التركية مستويات غير عادية بنحو 591 طناً تشمل الذهب الذى تملكه البنوك التجارية التركية مع البنك المركزى كجزء من احتياطيات الذهب المطلوبة كارصدة أصول إلزامية.
فى الوقت نفسه بعد عام واحد، أضاف فيه البنك المركزى للاتحاد الروسى 214 طناً من الذهب إلى احتياطياته الذهبية الاستراتيجية من يناير إلى ديسمبر 2017، يواصل بنك روسيا المركزى الآن تجميع احتياطياته من الذهب فى عام 2018، مع الاحتفاظ بها فى المركز الخامس فى التصنيف العالمى للاحتياطيات الذهبية السيادية.
وخلال شهر مارس، أضاف بنك روسيا 9.3 طن أخرى، ويشير الآن إلى أنه يمتلك 1891 طناً من الذهب أى أكثر بمقدار 49 طناً من المركزى الصينى بحسب ما هو معلن رسمياً.
وقد ردت روسيا على مطالب بالسير فى أثر تركيا بأن كل احتياطياتها الذهبية مخزنة على أراضيها مؤكدة أنه ليس لديها احتياطى ذهبى فى الولايات المتحدة، لكن لديها فقط احتياطيات من العملات الأجنبية فى الخارج.
وتعود سياسية التخزين المحلى للذهب الى العقوبات الأمريكية المفروضة على الاتحاد الروسى حرصاً على ابعادها عن المخاطر السياسية المحتملة والمصادرة المحتملة، وسبق وأكد مسئولون روس أن موسكو تزيد من مقتنياتها من الذهب، لأنه أصل احتياطى خال من المخاطر القانونية والسياسية.
ويبلغ الاحتياطى الامريكى من الذهب 8133 طناً بما يعادل احتياطيات الثلاثة الدول التى تلى الولايات المتحدة فى الترتيب مجتمعة.
وبحسب متوسط الأسعار الرسمية مؤخراً أى ما يقرب من 1354 دولاراً للأوقية الواحدة فان سعر الطن يصل إلى 43.5 مليون دولار، مما يضع قيمة الذهب فى بنك الاحتياطى الفيدرالى عند حوالى 353.8 مليار دولار، وتستخدم أمريكا أكبر احتياطى ذهبى فى العالم كاحد طرق المدفوعات إلى البلدان الأخرى أو كأداة للسياسة النقدية أو لإضعاف او تعزيز قيمة الدولار كما تراه الحكومة مناسبة.
بالعودة إلى تركيا، أدلى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ببعض الملاحظات خلال كلمته الافتتاحية فى أبريل الماضى حول الدور المحتمل للذهب فى الإقراض الدولى واقترح خلال اجتماع عقدته مجموعة الدول العشرين الكبرى أن يكون الذهب عملة اقراض معتمدة مستنكراً أن يقتصر أمر جميع القروض على عملة الدولار.
وأضاف أردوغان أيضاً أنه مع الدولار يكون العالم دائماً تحت ضغط أسعار الصرف معتبراً أن الذهب لم يكن أبداً أداة للقمع على مر التاريخ.
وتسلط تصريحات أردوغان حول القروض الدولية المقومة بالذهب والتى جاءت فى سياق الأزمة الدبلوماسية بين تركيا والولايات المتحدة الضوء على الأهمية القصوى للذهب كمعدن استراتيجى لحماية مصالح الدول ضد ما تعتبره مخاطر سياسية من تخزين أصولها فى المواقع التى يمكن الاستيلاء عليها أو السيطرة عليها.
قد لا يكون من قبيل المصادفة أنه فى مايو 2017، زار أردوغان والوفد المرافق له واشنطن العاصمة، وفى هذا الوقت من مايو 2017، بدأ البنك المركزى التركى أيضاً فى زيادة مشترياته من الذهب بعد فترة عدم وجود تراكم، مما يضيف 11 طناً من الذهب إلى متوسط الاحتياطى فى الفترة بين مايو وديسمبر 2017.
ويعتبر تقرير بيتر كورزين على موقع استراتيجى كالتشير البحثى أن خروج الذهب من خزائن الولايات المتحدة علامة قوية على حرب عملة قادمة وصراع مسلح على وشك الانفجار.
ووصف التقرير هذه الخطوة بأنها درامية تعكس اتجاهاً دولياً، حيث أعادت فنزويلا إلى أراضيها ذهبها من الولايات المتحدة فى عام 2012 وفى عام 2014 استعادت هولندا أيضاً 122.5 طن من الذهب تم تخزينها فى خزائن أمريكا، كما استعادت ألمانيا 300 طن من الذهب منها فى عام 2017، واستغرق الأمر برلين 4 سنوات لإكمال عمليات النقل، وتدرس النمسا وبلجيكا إمكانية اتخاذ تدابير مماثلة.
وشكك التقرير فى مصداقية الأرصدة المعنلة فى الولايات المتحدة المتوقع أن تكون حوالى 8100 طن والموجودة فى أماكن لا تخضع للتدقيق والمحاسبة بالكامل ولطالما قاومت الحكومة والكونجرس الضغط من أجل إجراء مراجعة كاملة ومستقلة لجميع احتياطيات الذهب لديها.
وشهدت السنوات الاخيرة نقاشا حول الدور السياسى لوضع الدولار الأمريكى كعملة احتياط عالمية، حيث يواجه بعض المنافسة، وتكمن المشكلة فى الصراع أن احتمال نشوب حرب عملات دولية تلوح فى الأفق بالفعل سيدفع المستثمرين للبحث عن خيارات أخرى.
وتأتى المنافسة الأقوى من اليوان الصينى، كما تدرس روسيا وتركيا وإيران احتمالات تسديد المدفوعات بعملاتها الوطنية وقد أعلنت إيران مؤخراً أنها تتحول من الدولار إلى اليورو كعملة للتقارير الرسمية ولدى روسيا والصين اتفاقية مبادلة العملات التى تتجنب الدولار الأمريكى.
ويعود السعى إلى الحد من الاعتماد على الدولار أساساً إلى آثار الاستخدام الأمريكى المستمر للعقوبات كسلاح سياسى اعتماداً على عملتها الدولية، فحتى أقرب حلفاء أمريكا مهددون بهذه الإجراءات التقييدية، ومن الطبيعى أن تبحث دول أخرى عن طرق لمقاومة سياسة للذارع الأمريكية باستخدام العملات البديلة واستعادة الذهب.
وحظرت إيران مؤخراً استخدام الدولار فى التجارة وترفض بيع بترولها بالعملة الأمريكية ومن المرجح أن يؤدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى مع إيران إلى استفزاز طهران لإحياء برنامجها النووي.
وقد يكون النزاع المسلح مع إيران أقرب بكثير، مما يعتقده الجميع ولا شك أن طهران لا تملك قدرة عسكرية تشكل تهديداً للولايات المتحدة، لكن من شأن الحرب مع إيران أن تقضى على أكبر مصدر للبترول يتعامل بدون الدولار الأمريكى.
وتتمتع الولايات المتحدة حاليا بامتيازات كبيرة فى العالم بسبب سيطرتها على عملة الاحتياط العالمية وتشمل هذه الامتيازات عملة مبالغ فيها بالنسبة لأساسياتها والقدرة على اقتراض مبالغ كبيرة من المال بأسعار زهيدة.
وأطلقت الصين مؤخراً عقداً نفطياً مقوماً باليوان، يبدو أنه لقى استحساناً فى السوق وهذا يمثل تهديداً وجودياً لوضع الدولار كاحتياطى دولى، لكن الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل أى تهديدات للدولار بسبب الحاجة إلى اقتراض ما يقرب من 10 تريليونات دولار على مدى العقد المقبل لتغذية انبوب إنفاق البلاد.
ويمتلك صندوق النقد 2814 طناً من الذهب، مما يجعله ثالث أكبر حامل للمعدن الأصفر فى العالم تسبقه ألمانيا فى الترتيب العالمى وتليه إيطاليا، كما يمتلك البنك المركزى الأوروبى 504.8 طن، مما يجعله فى المرتبة الـ13 كأكبر حامل ذهب فى العالم تسبقه الهند وتليه تايوان.
لمتابعة أخر الأخبار والتحليلات من إيكونومي بلس عبر واتس اب اضغط هنا